لم تتوقف الحملة الانتخابية ولا التراشق بين المرشحين لرئاسة فرنسا، حتى في الأول من مايو/أيار، وهو ما يمهد لمناظرة سياسية حادة، لن تخلو من عنف لفظي، وهو ما تخوّف منه صباح اليوم الثلاثاء، المرشح إيمانويل ماكرون، الذي أكد أنه سيلتحم مع خصمه، ويمس عمق الأشياء "مشروع مقابل مشروع"، مضيفاً "لن أكون في الذمّ ولا الإيجاز ولا الشتائم، لأن السيدة مارين لوبان ليست سوى هذه الأشياء".
وستأتي المناظرة بعد تغييرات وتعديلات كبيرة أقدمت عليها لوبان لتحسين صورتها، بدعوى توسيع قاعدتها الانتخابية، بعد تعيينها نيكولا دوبون إينان، رئيساً لحكومتها المقبلة، فقد سكتت عن مطلبها السابق بالخروج من اليورو، باعتباره لم يَعُد يشكّل أولويّة، أو حكم الإعدام، الذي استبدلته بالمؤبد الفعلي، والهجرة، التي قالت إنها مع السماح بدخول عشرة آلاف مهاجر سنوياً، وأيضاً خففت من هجومها الشديد على أبناء المهاجرين، والتخلي عن مطلب دفع الآباء لرسوم تعلّم أبنائهم، إذ "سيكون لكل أطفال المهاجرين الحق في التعلم".
وردّاً على انتقاد مارين لوبان له، بأنه لم يعيّن بعدُ رئيس حكومته، كشف ماكرون، الذي أعاد ما كرره من قبل بأنه "المدافع عن الديمقراطية"، وأنه ليس "الصديق الحميم للمصارف ورجال المال كما تدعي لوبان"، وقال إن "لديه شخصين، رجل وامرأة، من التقدميين لشغل هذا المنصب".
ورغم أنه لم يُخْفِ رغبته في تعيين وزراء سابقين، يمتلكون التجربة، إلا أنّه شدد على أن مانويل فالس لن يكون في الحكومة القادمة "لكنه إن شاء أن يحمل المشروع (مشروع ماكرون) وأن يكون جزءاً من هذه الأغلبية الرئاسية، ويغادر حزبه، حينها باستطاعته أن يكون مرشحاً". علماً أن حركة ماكرون ستقدم مرشحين لها في كامل التراب الوطني، نصفهم "لا ينحدرون من الحقل السياسي"، أي من المجتمع المدني.
وكان خطاب ماكرون، مساء يوم الإثنين في لافيليت، هجومياً، وقال لأنصاره "المسكينة، لقد خسرَتْ مسبقاً. وهي مكللة بالعار"، وأعاد التأكيد على شيطنة مارين لوبان: "إن ما تقترحه هو الانطواء على الذات، والبؤس والحرب... وهذا ما لا نريده".
واعترف ماكرون صباح اليوم في لقاء مع قناة "بي إف إم، تيفي" الإخبارية، بأن كثيرين سيصوتون له في الدورة الثانية، رغم أنهم لم يصوّتوا لصالحه في الدورة الأولى، ولكنه رفض أي تعديل في برنامجه: "لن أدخل تعديلات على برنامجي لإقناع أناس لم يصوتوا لصالحي في الدورة الأولى"، لأني "سأخون مَنْ صوَّتَ لصالحي في الدورة الأولى"، وبالتالي رفض ماكرون أيَّ تنازُل في ما يخص قانون الشغل، كما طالبه بذلك جان لوك ميلانشون، يوم الأحد الماضي.
ورد ماكرون على كل ادعاءات مارين لوبان، وخاصة تلك التي تتهمه بإقامة علاقات مع "اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا"، التي أصبحت تحمل اسم "مسلمو فرنسا" بعد لقاء لوبورجيه السنوي، في الشهر الماضي، فقال: "لم ألتقِ أبداً بأي مسؤول في اتحاد الجمعيات الإسلامية في فرنسا، ولا أعاشرهم. والآن، إذا كان اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا وأي جمعية أخرى تحترم قوانين الجمهورية، فليس عليّ حظرُها".
وتجدر الإشارة إلى أن إيمانويل ماكرون، قَبِلَ إجراء مناظرة الغد مع المرشحة مارين لوبان، علماً أن المرشح اليميني جاك شيراك، الذي واجَهَ جان ماري لوبان سنة 2012، رفض إجراء مثل هذه المناظرة.
وفي انتظار ساعة الحسم لا تزال تتقاطر التصريحات ومقالات الدعم للمرشح ماكرون في مواجهة مارين لوبان، ومن بينها الإيكولوجي السابق كوهن بنديت، الذي طالب يسار اليسار بالتصويت لماكرون، دون التخلي عن معارضة برنامجه في الانتخابات التشريعية القادمة.
كما أن رئيس الحكومة الفرنسي برنار كازينوف، خرج من صمته، ونشر مقالاً في ليبراسيون بعنوان "فرنسا في حاجة إلى الوضوح"، دعا فيه للتصويت، بوضوح، لصالح إيمانويل ماكرون. وكتب: "إن المهم الآن والفوري بالنسبة لكل امرأة ورجل من اليسار، وبالنسبة لكل جمهوري وكل فرنسي، أن يقف بوضوح وباسم المصلحة العليا للبلد، في وجه المشروع الجنائزي لليمين المتطرف. إنه واجبنا ومن أجل هذا يجب أن نصوّت وندعو للتصويت لصالح إيمانويل ماكرون، يوم 7 مايو".
وفي إطار دعم إيمانويل ماكرون، كرست صحيفة ليبراسيون اليسارية، عدداً خاصاً من 16 صفحة مع الغلاف، بعنوان أحمر: "لماذا نعارض دوماً الجبهة الوطنية"، كتب لوران جوفران افتتاحيته، التي تضمنت: "مارين لوبان تعلن أن حملتها الانتخابية هي بـ"اسم الشعب". نحن نعرف لاَزِمَة هذا الشعار. إذا كانت هي الشعب، فإن من ينتقدونها هم أعداء الشعب. وضد هؤلاء، ومن خلال المنعطفات التكتيكية التي يصعب تخيلها، يصبح كل شيء مسموحاً به. إذا كنا على علم بهذا، أفلا يجب أن نتردد؟".