تمكّن المرشح إيمانويل ماكرون، من الوصول إلى قصر الإليزيه، بعد فوزه، يوم الأحد، بنسبة تجاوزت 66 في المئة في الدورة الثانية من الانتخابات الفرنسية، على مرشحة حزب "الجبهة الوطنية" اليميني المتطرف، مارين لوبان.
وقالت وزارة الداخلية الفرنسية إن "ماكرون انتخب رئيسا بحصوله على 66.06 في المئة من الأصوات الصحيحة في الجولة الثانية من الانتخابات، بعد فرز جميع أصوات الناخبين البالغ عددها 47 مليونا، باستثناء 0.01 في المئة".
وكشفت الأرقام الرسمية أن "11.5 في المئة من الناخبين تركوا البطاقات فارغة أو أبطلوا أصواتهم في حين لم يشارك 25.38 في المئة من الناخبين في عملية التصويت".
وبذلك، يصبح ماكرون (39 عاماً) أصغر رئيس في تاريخ فرنسا، مع تحقيقه فوزاً على مرشحة حزب الجبهة الوطنية (48 عاماً).
وبلغت نسبة العزوف في هذا الاقتراع 25 في المائة ونسبة المشاركة 75 في المائة، وهذه أكبر نسبة عزوف في تاريخ الدورات الثانية من الاقتراع الرئاسي، منذ انتخابات 1969.
وفي أول تصريح له عقب الفوز، أعلن ماكرون أن "فرنسا ستكون في طليعة المعركة ضد الإرهاب"، وقال مخاطباً شعوب العالم وقادة كل الدول: "فرنسا جاهزة للسلام والتعاون الدولي".
كما أعلن أنه سيدافع عن فرنسا ومصالحها، وعن أوروبا ومصيرها المشترك، وأضاف "ورثنا تاريخا كبيراً، ورسالة إنسانية هامة موجهة للعالم بأسره. سنعمل على خفض الخوف وإحياء الأمل في فرنسا".
إلى ذلك، وخلال تجمّع لأنصاره أمام متحف اللوفر بباريس، قال ماكرون: "سأعمل على إنهاء الأسباب التي دفعت البعض ليصوّت للتطرف. علينا أن نشكّل أغلبية كي نحدث تغييراً"، مشيراً إلى أنه سيعمل على تغيير آراء من صوّتوا ضده.
وأضاف: "الإنجاز الذي حققنا غير مسبوق. فرنسا انتصرت وسأكون وفياً لتعهدي عبر حماية الجمهورية. من قالوا قبل ذلك إن فوزي مستحيل، لا يعرفون فرنسا".
وتابع "لن نخذل العالم في دفاعنا عن الحريات. أوروبا والعالم ينتظران أن نذهلهم وهذا ما سنحققه"، موضحا أنه سيعمل على بناء أوروبا جديدة وتوفير الأمن للجميع.
واستطاع ماكرون تحقيق السيناريو الأفضل بالنسبة له، بعد فوزه بنسبة مريحة، ستجعله يمضي قُدُماً "إلى الأمام"، كما يقول شعاره الانتخابي واسم حركته، وينجز إصلاحاته ووعوده. وهو فوز يعبّد الطريق لاكتساح أنصاره، القادمين من آفاق وأحزاب مختلفة، كلها على شفير الانفجار الداخلي، للبرلمان الفرنسي المقبل، في الانتخابات التشريعية في يونيو/ حزيران المقبل.
ومرّت العملية الانتخابية اليوم، على وقع انتصار معلن لماكرون، مع بعض الترقّب الحذر لنسبة الفوز، بعدما تجاوز أخطر الصعاب، عند فوزه في الدورة الأولى.
وجاءت المناظرة الأخيرة مع لوبان لتمنحه قوة إضافية، فظهر أكثر تماسكاً من ذي قبل، في مواجهة منافسته التي غرقت في سيل من الاتهامات الكاذبة، أثرت كثيراً على شعبيتها. ثم توالت استطلاعات الرأي لتمنحه كلها سَبْقاً لا يُجَارى.
وكما ذكرت صحيفة "لوجورنال دي ديمانش" في عدد يوم الأحد، فإن الطاقم الحكومي للرئيس الفرنسي الجديد جاهز، مع بعض اللمسات التي يمكن أن تضاف لاحقاً. وهو طاقم يتكون نصفه من شخصيات قادمة من أحزاب سياسية عديدة، إضافة إلى النصف الثاني الذي ينحدر من المجتمع المدني. وترى الصحيفة أن ولاية ماكرون الرئاسية ستكون "خليطاً غير مسبوق من التوجّهات".
كما أن "الأغلبية الرئاسية"، والتي ستضمن تطبيق الرئيس برنامجه وإصلاحاته، سيلعب فيها من دون شك القيادي اليميني برونو لومير، والذي لطالما نادى بتجديد الطبقة السياسية الفرنسية، دوراً رئيسياً. ولا ينتظر لومير، والذي التقى بماكرون في 24 فبراير/ شباط الماضي، سوى إشارة من الرئيس ماكرون، حتى يتقدّم للترشح باسم حركة "إلى الأمام".
ومن بين أهم النقاط التي حملها برنامج ماكرون الانتخابي، إدراج العمل بنظام النسبية في البرلمان، وتقليص عدد النواب المُنتخَبين على المستوى الوطني، وحظر مراكمة المناصب على النواب، وإرغام رئيس الجمهورية على الدفاع عن حصيلة أداء عند نهاية كل عام أمام لجنة من المواطنين يتم اختيارهم بالقرعة.
كذلك يطمح ماكرون، ذو النزعة الإصلاحية الليبرالية، إلى إحداث تغيير جذري في مؤسسات النظام الفرنسي الاقتصادية والمالية والاجتماعية، والتي يعتبرها "متهالكة ومتجاوَزة"، لكونها نتاج مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، بانتظار أن توضح الأيام المقبلة مدى قدرته على تحقيق كافة الوعود التي جاءت في برنامجه الانتخابي.
ويتوقع أن تكون أولى زيارات ماكرون الخارجية إلى ألمانيا للقاء المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، قبل العواصم الأوروبية الأخرى، من أجل اقتراح "خارطة طريق لخمس سنوات لمنح منطقة اليورو ميزانية حقيقية، ومن أجل أوروبا حقيقية في قضايا البيئة والصناعة وإدارة شؤون الهجرات".
كما أن الرئيس الجديد الذي وعد بأن يجعل من قضية "مكافحة الإرهاب" أولى الأولويات، لن يتأخر في خلق عشرة آلاف وظيفة في الشرطة والدرك، من دون رفع حالة الطوارئ، مع الإسراع في عقد اجتماع لمجلس الدفاع، ثم إنشاء خلية تنسيق في الشؤون الاستخبارية، بين مختلف الأجهزة.
وعلى المستوى الاقتصادي، سيبدأ الرئيس الجديد بتبسيط قانون العمل، عبر مراسيم، وفي لفتة نحو الطبقات الشعبية، سيقوم بإعفاء 80 في المائة من العائلات الفرنسية من ضرائب السكن، كما سيخفض الضرائب على الشركات.
أما توفير الأمن للفرنسيين والتعهّد باستئصال تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، ثم بعض الهدايا الاقتصادية للفرنسيين الأقل دخلاً، فهما مَدخلان لحُكم الرئيس الجديد ماكرون، قبل أن يبدأ إصلاحاته القاسية، والتي لن تمرَّ بالسهولة التي يتصورها، في بلد، يُجمع ساسته على القول إنه بلدٌ يرفض الإصلاحات.