انطلقت الحركة العمالية على مستوى العالم في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين من أجل الحصول على حقوقها الاقتصادية والاجتماعية، وبالفعل تحققت الكثير من تلك الحقوق، سواء على صعيد نشأة النقابات القطرية، أو المؤسسات الإقليمية والدولية التي ترعى مصالح العمال.
لكن الواقع العربي كان مختلفًا، حيث نشأت الكيانات العمالية في كنف الدولة الدكتاتورية، أيًا كان شكل السلطة بها، جمهورية أم ملكية، بل مع بداية العولمة الاقتصادية انتهى انحياز السلطات العربية الشكلي للعمال، وأصبح يميل لصالح كافة أصحاب العمل، إما بادعاء تشجيع الاستثمارات الأجنبية، أو تحت وطأة الخصخصة التي نفذتها حكومات عربية عدة، حتى تلك الحكومات النفطية، التي كانت تدعي أن اقتصادياتها تتماهى مع اقتصاديات السوق، فإذا بها تهرول نحو الخصخصة منذ نحو 5 سنوات مضت بصورة غير مسبوقة، ولعل ما أعلن عن عزم الحكومة السعودية على طرح 5% من أسهم أكبر شركة للنفط في العالم "أرامكو"، خير دليل على ذلك.
فضلًا عن أن الحركات العمالية العربية لم تصل في يوم من الأيام إلى السلطة، سواء عبر الانتخابات الحرة، أو عبر وجود الحكومات الدكتاتورية، التي كانت تدعي اتباعها للاقتصاد الاشتراكي.
قضايا منسية
في ظل توجه الحكومات العربية لاقتصاديات السوق بشكل كبير، وخروجها من سوق العمل، تظل هناك قضايا تفرض نفسها وتمثل تحديات للطبقة العاملة، ولكن للأسف لا تنال اهتمام النقابات العمالية، أو البرلمانات، أو منظمات المجتمع المدني، المعنية بالحفاظ على حقوق الإنسان الاقتصادية والاجتماعية.
من أبرز هذه القضايا، الأجر العادل، فدخول العمال شبه ثابتة، ولا تزيد إلا بنسبة بسيطة لا تتناسب مع الزيادة في الأسعار، فضلًا عن كفايتها لحياة كريمة كما نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وكذلك بيئة العمل الآمنة، وتوفير متطلبات الأمن الصناعي، حيث تمارس نسبة كبيرة من المنشآت عملها في ظل غياب اشتراطات الأمن الصناعي، أو بيئة العمل المناسبة، وهو ما يعرض العمال لمخاطر ضخمة، وبخاصة أولئك الذين لا يتمتعون بالتأمين الصحي والاجتماعي داخل منشآتهم.
أما عن تغيب العمال عن المشاركة السياسية واتخاذ القرار، فهو أمر يحدث منذ استقلال غالبية الدول العربية، حيث حرصت تلك الحكومات على أن تكون النقابات العمالية والمهنية في إطار شكلي، وتم تدجينها، بحيث تخضع لقاعدة "الولاء مقابل العطاء"، ولذلك غابت الأحزاب العمالية عن الحياة السياسية.
مؤشرات التراجع
تبرز قضية البطالة عند الحديث عن الأوضاع الاقتصادية، لأنها تنال من العمال بشكل مباشر، وحسب تقديرات التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2018، فإن معدل البطالة بالمنطقة العربية بلغ 15.4% (أي 19.8 مليون عاطل) من إجمالي قوة العمل، والتي قدرت بنحو 136.4 مليون عامل.
وتبرز قضية البطالة بشكل كبير في شريحة مهمة في المجتمعات العربية، وهي شريحة الشباب، لتصل إلى أعلى المعدلات بين أقاليم العالم، بنسبة 46.2% للشباب في الشريحة العمرية (15 – 24)، وباقي هؤلاء الشباب تحت مظلة البطالة، سوف يعمق من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها المنطقة، وبخاصة في ظل عودة مظاهر الربيع العربي مرة أخرى في بعض البلدان.
وحتى معدلات النمو في عام 2016 والتي قدرت بنحو 2.7%، لا تتناسب ومعدلات الزيادة السكانية بالمنطقة العربية، والتي بلغت 2.2%، فهذه الزيادة السكانية تتطلب ألا يقل معدل نمو الاقتصاد العربي عن 6.5%، وهو أمر لا يمكن تحقيقه في ظل ظروف عدم استقرار المنطقة اقتصاديًا وسياسيًا، ومما يؤسف له أنه لا يتوقع في الأجلين القصير والمتوسط أن تتحول هذه الأجواء إلى أوضاع إيجابية.
تراجع مستويات التعليم
اليد العاملة الماهرة تتطلب مستويات متقدمة من التعليم، واليد العاملة الماهرة هي مفتاح القيمة المضافة العالية، وإحدى محفزات استقدام الاستثمارات الأجنبية المباشرة، لكن بالنظر إلى تقويم أوضاع التعليم بالمنطقة العربية يتبين أنه غير فعال، حيث لم يؤد حتى الآن إلى ارتفاع ترتيب الدول العربية على مؤشر اقتصاد المعرفة.
وإذا كانت نسبة الإنفاق على التعليم كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي بالمنطقة العربية بلغت 4.2%، وهي قريبة من المتوسط العالمي البالغ 4.8%، إلا أن هذه النسبة شديدة التفاوت ما بين الدول العربية، فضلًا عن أنه في ظل نسبة الإنفاق على التعليم، لا يزال معدل الأمية مرتفعًا في الشريحة العمرية (15 عامًا فما فوق).
انتشار الفقر
نُشر تقرير عن الفقر متعدد الأبعاد لمنظمة "الإسكوا" وآخرين في عام 2017، حول ظاهر الفقر متعدد الأبعاد، شمل 10 دول عربية، تضم الدول ذات الكثافة السكانية العالية، ولا يتضمن الدول الخليجية، وكذلك ليبيا والجزائر والعراق. نتائج التقرير تؤكد أن 41% من سكان الدول الـ10 تحت تصنيف الأسر الفقيرة، كما أن 13% من السكان تحت تصنيف الأسر ذات الفقر المدقع.
ويعمق من ظاهرة الفقر متعدد الأبعاد، ضعف الإنفاق على الصحة بالدول العربية، فالتقرير الاقتصادي العربي الموحد يبين أن نسبة الإنفاق على قطاع الصحة بالدول العربية بلغت عام 2015 نحو 4.8%، في حين كان المتوسط العالمي 9.9%.
ويزيد من حدة مشكلة ضعف الإنفاق على قطاع الصحة، اتجاه حكومات بالمنطقة العربية لتقليص الدعم الحكومي، وتشجيع القطاع الخاص للدخول في هذا القطاع الحيوي، وهي أمور لا تتناسب مع دخول العمال، في ظل المعادلة غير العادلة في الأسواق العربية، وهي الاختلال بين الأجور والأسعار.