وخرج العمال، يوم الأربعاء الماضي، في مسيرة حاشدة بدعوة من كونفدرالية النقابات الجزائرية التي تضم عددا من النقابات، تأكيدا على دعم العمال للحراك الشعبي.
وقال منسق كونفدرالية النقابات الجزائرية، رئيس الاتحاد الجزائري لعمال التربية والتكوين، صادق دزيري، إن "مسيرة العمال أسقطت كل المطالب الفئوية للعمال لصالح المطلب الأول للحراك الشعبي المتمثل في إسقاط النظام الحاكم وتأسيس الجمهورية الثانية".
وأشار النقابي صادق دزيري إلى أن "شعارات مسيرة العمال لم تخرج عن إطار الشعارات التي رفعها الشعب منذ الجمعة الأولى للحراك يوم 22 فبراير/شباط، والتي طالبت برحيل الباءات الثلاث ورفض الانتخابات المقرّرة ليوم 4 يوليو/تموز القادم، وذلك بسبب استحالة تنظيمها في الفترة الحالية، كما يطالب العمال بضرورة الإسراع في التأسيس لمرحلة انتقالية بوجوه تحظى بثقة المواطنين".
من جانبه، كشف منير بطراوي، وهو نقابي في الاتحاد العام للعمال الجزائريين، أن "مسيرة العمال سعت لإسقاط الأمين العام للاتحاد عبد المجيد سيدي السعيد، المعروف بولائه للنظام السابق وعلاقاته برجال الأعمال".
مطالب عمالية
وإذا كان "تغيير النظام" هو العنوان الأبرز لحراك الجزائريين الذين جعلوا من يوم الجمعة موعدا أسبوعيا للخروج في مليونيات، فإن باقي أيام الأسبوع باتت تحمل مطالب عمالية بامتياز.
يقول فؤاد بن عاجي، وهو عامل في مجال صناعة الجلود ونقابي، إن "العمال هم جزائريون، نتفق في كبرى القضايا ونخرج من أجلها كل جمعة، إلا أننا كعمال تختلف مطالبنا من قطاع لآخر، وإن كانت تتقاطع في العديد من القضايا، كرفع الأجور، وتحسين مستوى المعيشة، وتوفير الرعاية الطبية والاجتماعية، بالإضافة إلى الحق في ممارسة الأنشطة النقابية". ويضيف المتحدث نفسه لـ"العربي الجديد"، أن "الحراك الشعبي حرر الجميع في الجزائر للمطالبة بحقوقهم".
ووفقا لإحصاءات رسمية منشورة سابقا، فإن أكثر من مليون ونصف مليون عامل يعيشون في ظروف معيشية صعبة، حيث يتقاضون أجورا زهيدة لا تتعدى 18 ألف دينار (170 دولارا) ولا تغطي تكاليف معيشة شهر كامل، وثلثهم لا يزال يحلم بعقود نهائية، قد يكون "الحراك الجزائري" نقطة تحول في حياة العمال الجزائريين.
وفي السياق، يؤكد محمد قبي، وهو نقابي في النقابة الجزائرية لمستخدمي الإدارة العمومية، أن "ما تعيشه الجزائر من حراك وتقلبات لا يبعد العمال الجزائريين عن قضيتهم الدائمة وهي تحسين المعيشة والقدرة الشرائية ورفع الأجور المجمدة منذ أكثر من 5 سنوات".
وأضاف المتحدث نفسه لـ"العربي الجديد"، أن "تحسين الظروف السياسية ومحاربة الفساد ستلقي بظلالها حتما على الاقتصاد، فتنتعش القطاعات ونخرج من اقتصاد الريع نحو اقتصاد منتج".
حقوق نقابية ضائعة
وعلى رغم إقرار الدستور الجزائري في المادة 70 بأن "الحقّ النّقابيّ مُعترَف به لجميع المواطنين" وحمايته من طرف قانون العمل الجزائري، تبقى التعددية النقابية وما يترتب عنها من حقوق نقابية في الجزائر، في مقدمتها إنشاء نقابات مستقلة وممارسة العمل النقابي، تمثل نقطة سوداء في سجل الحكومات الجزائرية التي عمدت إلى إجهاض العديد من المسيرات والإضرابات التي نظمتها النقابات المستقلة، حتى اشتعال فتيل "الحراك" وما ترتب عنه من سقوط لنظام بوتفليقة وفتح الحكومة الجزائرية المؤقتة بقيادة نور الدين بدوي لملف الأحزاب والجمعيات والنقابات المجمدة، حيث قررت منحها رخص الاعتماد لترفع حظرا دام لأكثر من 8 سنوات من عدم اعتماد نقابات مستقلة جديدة.
وقال رئيس النقابة الجزائرية لممارسي الصحة العمومية، إلياس مرابط، لـ"العربي الجديد"، إن "وزارة العمل ومن ورائها الحكومة كانت تسعى دائما لقمع العمل النقابي المكفول في الدستور والقانون".
وأضاف مرابط لـ"العربي الجديد": "سابق لأوانه الحديث عن وجود نية صادقة للسلطة في الاعتراف بالعمل النقابي، فالعبرة ليست بمنح الاعتمادات، بل في مدى الاعتراف بها كممثل للعمال وكشريك اجتماعي، ففي الواقع توجد أكثر من 60 نقابة، إلا أن الحكومة كانت لا تعترف سوى بالنقابات الموالية لها والمساندة لها".
ونشبت أزمة بين الحكومة الجزائرية والنقابات المستقلة منذ عام، بعدما هددت وزارة العمل بحل النقابات الرافضة لتجديد طلب اعتمادها وملاحقة القائمين عليها قانونيا في حال الاستمرار في نشاطها، وهو ما اعتبرت العديد من النقابات أنه يستهدف إسكات صوت العمال، لا سيما بعدما شهدت البلاد العديد من الاحتجاجات خلال الفترة الأخيرة.
وكانت منظمة العمل الدولية قد انتقدت في تقريرها لسنة 2018، عرقلة الجزائر اعتماد النقابات المستقلة، ويتعلق الأمر بـ"النقابة المستقلة لعمال سونلغاز" الممثلة لعمال الشركة الوطنية للكهرباء والغاز، و"الكونفدرالية العامة المستقلة للعمال الجزائريين"، التي تضم عدداً من النقابات المستقلة، كالنقابات المستقلة لموظفي الإدارة العمومية والتعليم العالي والمحامين.