يواجه أكثر من 5.8 ملايين عامل يعملون في السعودية في مجال البناء والتشييد أزمة كبيرة، تتمثل في عدم حصول غالبيتهم على رواتبهم لعدة أشهر، بسبب الركود الذي يعيشه القطاع، جراء تقليل الحكومة للمشاريع خلال العام الحالي، نتيجة انهيار أسعار النفط عالميا.
وبدأت شركات عملاقة مثل "بن لادن" و"سعودي أوجيه" و"العجل" في التأثر بذلك التقشف، ووصلت قضايا عمالها لوزارة العمل، التي بدأت في إيقاع العقوبات القاسية على تلك الشركات، التي تمتلك أكثر من 70% من حصة المقاولات في البلاد.
غير أن عقوبات الوزارة التي وصلت لحد قطع كامل الخدمات على "سعودي أوجبه" و"بن لادن" لم تكن كافية لحصول العمال على كامل حقوقهم، لعدم توفر السيولة لدى الشركتين، اللتين تؤكدان أن لهما مستحقات مالية متأخرة لدى الدولة بعشرات مليارات الدولارات.
وقال عضو لجنة المقاولات في الغرف التجارية السعودية فواز السعيدان، إن المشكلة تكمن في أن الشركات العملاقة تعتمد بشكل كبير على الإنفاق الحكومي، وحينما يقل هذا الإنفاق تقل مواردها بشكل كبير، وهي حاليا تعاني من وضع مالي شديد الصعوبة جراء التراجع في الإنفاق الحكومي.
وأضاف السعيدان أن الأزمة مرشحة للاستمرار عدة سنوات، لحين تحسن أسعار النفط لأرقام تمكن من مواصلة العمل على البنية التحتية بمشاريع عملاقة مكلفة.
وتراجعت أسعار النفط بأكثر من 70%، لتلامس 30 دولارا للبرميل، بعد أن بلغت نحو 115 دولارا للبرميل قبل يونيو/حزيران 2014.
وبات العمال الحلقة الأضعف في المعادلة، وفي شركة "بن لادن"، تأخرت رواتبهم لأكثر من ستة أشهر متواصلة، أما "سعودي أوجيه" فهي تتأخر بشكل مستمر منذ عام 2013 ، حتى وصل الحال للتأخر لخمسة أشهر متواصلة، أما بقية الشركات الأصغر فالتأخير يتراوح ما بين أربعة وعشرة أشهر.
المتحدث الرسمي لوزارة العمل خالد أبا الخيل، قال إن الوزارة صارمة في التعامل مع حالات تأخير الرواتب، وهي لا تفرق بين شركة صغيرة أو كبيرة، مشيرا إلى أنه تمت معاقبة "سعودي أوجبه" و"بن لادن"، دون الاهتمام بحجمهما في السوق.
وأضاف أبا الخيل لـ"العربي الجديد"، أن "قطاع البناء والتشييد هو الأكبر في السعودية، ويوظف أكثر من 5.8 ملايين عامل سعودي ووافد، مما يشكل نصف العاملين في القطاع الخاص تقريبا، لهذا الوزارة حريصة على هذا القطاع وحقوق العاملين فيه".
وتابع :"بدأت الوزارة هذا الشهر في تطبيق المرحلة العاشرة من برنامج حماية الأجور، التي تشمل فئة المنشآت البالغ عدد العاملين لديها 80 عاملاً فأكثر، حيث يتم إلزام المنشأة بتأمين رواتب موظفيها بشكل شهري، وعند تأخر الراتب لشهر يتم إنذار الشركة، وفي الثاني قطع بعض الخدمات عنها، بينما يتم قطع كامل الخدمات إذا تأخرت الرواتب للشهر الثالث وتلزمها الوزارة بدفع المرتبات بشكل فوري لضمان حقوق العاملين".
اقرأ أيضاً: بن لادن تلحق بسعودي أوجيه وتؤخر رواتب الموظفين
وشدد على أن الوزارة لا علاقة لها بوجود مطالبات مالية للشركات لدى الحكومة، فليس للعاملين علاقة بهذا الأمر، وعلى الشركات اللجوء للطرق القانونية للحصول على حقوقها المتأخرة، دون أن يتحمل العامل تبعات هذا التأخير.
ويشير خبراء اقتصاد إلى أن مشكلة العاملين في قطاع المقاولات وتأخر رواتب كانت الأكثر ظهورا بشكل حاد، بسبب أنه قطاع احتكاري حيث تسيطر الشركات كبرى على نحو 70% من هذا القطاع.
وقال رشيد الفارس، المحلل المالي والمختص في المقاولات، إن تعثر "بن لادن" و"سعودي أوجيه" وبقية الشركات العملاقة دفع كامل القطاع للتعثر.
وأوضح الفارس لـ "العربي الجديد"، أن القطاع يعمل بنظام المقاول من الباطن، فالشركات العملاقة تحصل على المشاريع الحكومية العملاقة، والتي يكون الكثير منها بالأمر المباشر، ثم تسند تنفيذها لـ"جيش من المقاولين بالباطن"، لأنها لا تستطيع تلبية كل المشاريع التي تحصل عليها والتي تزيد قيمتها عن 85 مليار دولار سنويا.
وأضا : "طالما تعثرت بن لادن وسعودي أوجيه، فسيتعثر من بعدها مئات الشركات التي تتعامل معها، ومتى ما فشلت الشركات الكبيرة في تسديد نفقاتها، فالشركات الأصغر ستسير في الدرب، وتفشل هي الأخرى في تسديد رواتب موظفيها، لأنها تعتمد بالدرجة الأساسية على المبالغ التي تحصل عليها من الشركات العملاقة، لهذا سقوط هذه الشركات الكبيرة يقود بالضرورة لسقوط العشرات غيرها، وتتسع رقعة معاناة العمال".
وكشفت دراسة اقتصادية حديثة، أن سوق المقاولات في السعودية كان من القطاعات الأكثر نموا بأرباح تصل إلى 80 مليار دولار سنويا.
وأشارت الدراسة التي أعدها فهد الحمادي، رئيس اللجنة الوطنية للمقاولين بالسعودية رئيس اتحاد المقاولين العرب، إلى أن قطاع المقاولات السعودي، هو ثاني أكبر القطاعات الاقتصادية في المملكة بعد قطاع النفط، كما تمثل شركات المقاولات 27% من إجمالي المنشآت المسجلة في البلاد.
وقال عبدالرحمن الراشد، رئيس مجلس إدارة الغرف التجارية السابق وعضو مجلس الشورى: "انعكس انخفاض أسعار النفط على مستوى الإنفاق الحكومي، ولجأت الحكومة لتأجيل بعض المشاريع، وتمديد آجال بعض المشاريع المتفق عليها، لهذا كان قطاع البناء والتشييد الأكثر تضررا".
وأضاف الراشد في تصريح خاص: "ما تزال تركيبة الاقتصاد السعودي معتمدة على الإنفاق الحكومي، وأي تأثر يطاوله سيؤثر على الجميع بلا استثناء".
وبحسب دراسة رئيس اللجنة الوطنية للمقاولين بالسعودية، فإن الإنفاق الحكومي في السنوات الخمس الماضية على قطاع الإنشاءات تجاوز 300 مليار دولار، مما عزز أرباح شركات المقاولات التي وصل عددها لأكثر من 115 ألف مقاول.
وقال رشيد الرشيد، عضو لجنة المقاولات الوطنية لـ"العربي الجديد"، إن ركود القطاع قد يدفع الشركات للبدء في عملية تسريح الموظفين للتقليل من النفقات، وهي خطوات بدأتها فعلا "بن لادن" التي سرحت نحو 50% من موظفيها خلال الأشهر الأربعة الماضية.
اقرأ أيضاً:
وداعاً للقروض الرخيصة في الخليج
"سعودي أوجيه" تعجز عن سداد رواتب موظفيها