دفع تردي الاقتصاد الليبي وغلاء الأسعار، أغلب العاملين المصريين الباقين في ليبيا إلى الرحيل، والذين لم تدفعهم الحرب والاضطرابات السياسية المتواصلة على مغادرة البلاد طيلة الأعوام الخمسة الماضية بحثا عن الرزق.
ولا توجد أرقام دقيقة حول أعداد المصريين العاملين في ليبيا، إلا أن شعبة إلحاق العمالة بالقاهرة تقدرهم حالياً بنحو 200 ألف عامل، مقابل نحو مليوني عامل قبل عام 2011.
وليد عبدالجابر، أحد العاملين المصريين العائدين حديثا من ليبيا، قال لـ"العربي الجديد"، إن عددا كبيرا من أقرانه غادر ليبيا مؤخرا بعد الزيادات الكبيرة في أسعار السلع الغذائية والانقطاع المستمر للكهرباء وتراجع العملة الليبية الدينار.
وأضاف عبدالجابر، أن العامل الاقتصادي هو السبب الرئيسي في مغادرة ليبيا، خاصة أن الأعداد التي فضلت البقاء خلال العامين الماضيين تكيفت مع الأوضاع الأمنية والسياسية المتدهورة وظروف الحرب، لكنهم لم يستطيعوا البقاء في ظل ارتفاع الأسعار وانخفاض قيمة الدينار.
وتعتمد ليبيا بشكل كلي على عائدات النفط، الذي هوت معدلات إنتاجه إلى حدود 350 ألف برميل يومياً في المتوسط، ما يقل عن ربع القدرات الإنتاجية التي تتوفر عليها ليبيا في الظروف الطبيعية، والتي تقترب من 1.6 مليون برميل يومياً.
واستفحلت الأزمة المالية بشكل كبير خلال العام الماضي، وسجل الدينار تراجعاً غير مسبوق في قيمته، ليصل الدولار في السوق السوداء إلى 3.7 دنانير، مقارنة بسعره الرسمي البالغ 1.4 دينار.
وقال خالد عبد الستار، أحد العائدين من ليبيا "سعر الخبز ارتفع ليباع إذا توفر بأربعة دنانير للعشرين رغيفا مقابل دينار واحد، كما قفزت باقي الأسعار لأضعافها".
وأضاف " أجرة العامل انخفضت من 40 دينارا يوميا إلى 30 ديناراً، وتقلصت فترة العمل إلى 4 أيام في الأسبوع كحد أقصى، وفي أغلب الأحيان لا يحصل العامل على أجره كاملا، ليحصل على جزء منه فقط".
وأشار إلى أنه ذهب إلى ليبيا منذ 6 أشهر عن طريق التهريب بدون جواز سفر، وتكلف ذلك نحو 8 آلاف جنيه (ألف دولار)، تم دفعها للمهربين وأجرة السيارة التي أقلته من مصر إلى ليبيا، لافتا إلى أنه بالكاد جمع ذلك المبلغ بالإضافة إلى مبلغ مماثل دفعه للمهربين في طريق العودة إلى مصر.
اقرأ أيضاً: مصر: لا قروض للعائدين من ليبيا
ولفت إلى أنه كان يسكن في منطقة تابعة لقرية المرج شرق ليبيا مع 10 من أفراد قريته في مصر، وأنه لم يتبق منهم سوى 3 أشخاص ينتظرون الحصول على باقي مستحقاتهم المالية للرحيل.
وأضاف " العمالة المصرية تصبر على الحرب، لكن لا تصبر على سوء الأوضاع الاقتصادية، وأن تصبح الغربة من دون مقابل".
وبحسب عبد الرحيم المرسي، نائب رئيس شعبة إلحاق العمالة في غرفه القاهرة التجارية، فإن مكاتب إلحاق العمالة توقفت عن إرسال مصريين إلى ليبيا منذ عام 2013.
وقال المرسي في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن أكثر من 90% من العاملة المصرية تدخل ليبيا من خلال المهربين، وليس بالطرق الرسمية.
وأشار إلى أن السوق الليبية كانت تستحوذ على نحو 60% من حركة العمالة المصرية بالخارج، مضيفاً أن عددهم لا يتجاوز حالياً 200 ألف عامل. وكانت العمالة المصرية في ليبيا قبل عام 2011 تقدر بنحو مليوني شخص، بحسب تقارير سابقة لوزارة الخارجية الليبية.
ويحذر خبراء اقتصاد من أن تأزم وضع البطالة في مصر مع عودة العاملين في الخارج، والذين لم يقتصروا على ليبيا، وإنما دول عدة بالمنطقة تشهد اضطرابات سياسية وأمنية، وأيضا إجراءات حازمة لتوفير فرص عمل لمواطنيها على حساب الوافدين.
وقال رشاد عبده، الخبير الاقتصادي المصري، إن "العمالة المصرية العائدة من ليبيا تمثل خطرا كبيرا على الاقتصاد وتزايد حجم البطالة، للأسف العديد من العمال يهربون إلى ليبيا بسبب البطالة في مصر رغم ما يتعرضون له من خطر الموت أو الاختطاف".
وأضاف عبده في تصريح لـ"العربي الجديد": "ينبغي على الحكومة توفير فرص عمل لهؤلاء الشباب العائدين، خاصة أنهم خرجوا من البلاد من أجل لقمة العيش فلا بد من توفير بديل لهم".
وبحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر (حكومي)، فإن عدد العاطلين عن العمل يبلغ نحو 3.6 ملايين شخص، 63% منهم في الفئات العمرية بين 15 إلى 29 عاماً.
اقرأ أيضاً:
تسريح آلاف العمال في قطاع السياحة المصري
310 آلاف مصري عادوا قسراً من ليبيا