عمد النظام السوري طوال السنوات الخمس الماضية إلى اتباع سياسة الحصار والتضييق الممنهج للمناطق المناهضة له، بهدف استنزاف أهالي تلك المناطق والفصائل المسلحة المعارضة المسيطرة عليها، عبر فتح معابر غير نظامية تُدخل إلى تلك المناطق احتياجاتها بالحد الأدنى، ولكن بأسعار مضاعفة، دافعاً بها إلى اختيار النزوح إلى مناطق أخرى علّها تتخلص من آلام الجوع والموت اليومي.
يقول الناشط الإعلامي وعضو "مركز حماة الإخباري" حسن العمري، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "ريف حماة الجنوبي المحاصر اليوم مكوّن من بلدات: عقرب يعيش فيها خمسة آلاف شخص، وبلدة حربنفسه خمسة آلاف شخص، وطلف 3500 نسمة، وخربة الجامع ثلاثة آلاف نسمة، إضافة إلى وجود نازحي موسى الحولة 200 نسمة، ودير الفرديس 1500 نسمة".
ويلفت إلى أن "مناطق ريف حماة الجنوبي المناهضة للنظام مستثناة من المساعدات الإنسانية الأممية، إذ لا تعتبرنا تلك المنظمات مناطق محاصرة، على الرغم من أننا محاصرون بشكل كامل من قبل النظام وتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، ولدينا طريق خطر جداً مع الحولة في ريف حمص الشمالي المحاصر بدوره، والذي يبعد عن عقرب كيلومتراً واحداً فقط".
ويبين أن "آلاف العائلات المحاصرة في ريف حماة الجنوبي تعيش بالاعتماد على الزراعة وما تتلقاه من مساعدات من أقاربها خارج البلاد، إضافة إلى الصدقات التي ترسل للعائلات العاجزة عن تأمين أدنى احتياجاتها المعيشية".
ويوضح أن "ما يتوفر من مواد غذائية في المناطق المحاصرة يتم الحصول عليها إما مما يتم إدخاله عبر التهريب، أو عبر حواجز النظام مقابل دفع مبالغ مالية ضخمة، إضافة إلى ما قد يصل من مواد عبر ريف حمص الجنوبي، إلا أنها جميعاً تعتبر أقل بكثير من الاحتياجات المعيشية للأهالي".
ويقول العمري إن "قادة المليشيات الموالية، بالتعاون مع ضباط في القوات النظامية وتجار الدم، يديرون شبكة متكاملة للاتجار بقوت المدنيين"، مبيناً أن "أبرز قادة مليشيات النظام المتحكمين في معابر المواد الغذائية هما أحمد سيغاتا، وفادي قريبيش".
ويتابع أن "هناك معبر بعرين يتعامل مع تاجر واحد من المنطقة، هذا الشخص يدفع كل أسبوع 500 ألف ليرة سورية، وعلى كل سيارة تدخل يأخذ الحاجز التابع للنظام 100 ألف ليرة، والمعبر الثاني معبر أكراد إبراهيم، ويتعامل كذلك مع تاجر آخر، يأخذ منه حاجز النظام كل فترة مبلغاً يتراوح ما بين 5 إلى 10 ملايين ليرة، ولكنه لا يأخذ على السيارات الداخلة للمنطقة، ما يجعل هؤلاء التجار يتحكمون بالأسعار وتوزيعها للتجار الصغار".
ويبين أن "النظام والتجار يتلاعبون بقوت الناس، فيتم إغلاق المعابر لفترة، ترتفع خلالها الأسعار أضعافاً مضاعفة، ومن ثم تفتح لفترة تدخل عبرها المواد الغذائية، وبالطبع هذه العملية لا تتم باتفاق واضح مع النظام، إنما عبر سلسلة من الفساد المنظم بين متزعمي المليشيات وضباط النظام"، مشيراً إلى أن "الهيئة الشرعية بالحولة ليست بعيدة عما يجري".
ويلفت الناشط الإعلامي إلى أن "العديد من المعارك التي تحدث متعلقة بالسيطرة على المعابر وإدارتها، وكان آخرها الهجوم على خربة الجامع بريف حماة الجنوبي، والناتج عن خلافات بين سغاتا وقريبيش من مليشيات النظام، إذ إن من يسيطر على خربة الجامع يتفرد بالسيطرة على المعابر". ويضيف أن "هذه الصراعات والأعمال العسكرية تجعل الأهالي في حالة من النزوح الدائم، إذ إن بلدات ريف حماة الجنوبي جميعها مناطق تماس".
وفي سياق متصل، يقول العمري إن "هناك مأساة أخرى تختص بالشباب الذي يبحث عن مستقبله، إذ يحاولون الخروج من المناطق المحاصرة باتجاه الشمال السوري قاصدين الوصول إلى إدلب، حيث يقطع الشباب مسافات شاسعة مشياً على الأقدام، مقابل دفع ألف دولار أميركي للمهرب"، معرباً عن استغرابه من "سقوط العديد من الشباب قتلى من جراء وقوعهم في كمائن تقيمها مليشيات النظام في حين أن المهرب ينجو دائماً".
ويرى ناشطون أن هذا الواقع المرير هو ما خطط له النظام منذ سنوات يهدف إلى دفع الأهالي للنزوح من مناطقهم، كخيار وحيد للخلاص من واقعهم الذي لا يبدو أن أحداً من قوى المعارضة قادر على تخليصهم منه، في ظل صراع المصالح الدولي على الأرض السورية وعدم جديتها في تخليص الشعب السوري من آلامه.