بواكي حمادة المسحول

29 ابريل 2015

تظاهرة في القاهرة ضد فلول نظام مبارك (12يوليو/2012/أ.ف.ب)

+ الخط -

من أكبر الأخطاء في بلاد العالم الثالث أن تدرس القانون أو الحقوق، وقد يصل الخطأ إلى جريمة عندما تصدق ما تدرسه أو تتبناه في حياتك، وتشعر بأنك مواطن مثل باقي المواطنين في دول العالم، أو تصدق أنك إنسان له عقل، وله حق في أن يعيش بحرية، يفكر ويجهر بآرائه وهو آمن. ولو فعلت ذلك سيكون مصيرك الحبس والاعتقال بلا جريرة، ويتم إقصاؤك من عملك ومصادرة أموالك، وقد تكون من سعداء الحظ فتنجو من حكم بإعدام جماعي.

ولأن شعوباً كثيرة في دول الربيع العربي وقعت في هذا الفخ الكبير، وتخيلت أن لها حقوقا فثارت تنادي بها، فتدفع ثمن ذلك من دمائها وحريتها وضياع أوطانها. والغريب أن أدوات القمع تتمثل في عسكر تم تمويله وتسليحه من جيوب هذه الشعوب الفقيرة، ليدافع عن أراضيها، فإذا به يصوب مدفعه ورشاشه نحو مالك الأرض، من أجل هيمنة حفنة من قادة العسكر على السلطة والمال معاً. ومن أدوات القمع في بلدي مَن درسوا القانون والحقوق، لكنهم تعاملوا معه سلماً للوصول إلى منصة القضاء، ثم يلقون بهذا السلم تحت بيادة العسكر وبإرادتهم، من دون وخز من ضمير، أو استحياء من فضيحة.

ومن أمثلة مريرة في مصر المحروسة، ليست أحكام الحبس والسجن والإعدام بلا دليل ولا بينة سوى تحريات يكتبها ضابط في مكتبه وهو يحتسي فنجان قهوة فحسب، بل أيضاً في الصمت إزاء قضايا التعذيب بالصعق بالكهرباء للأطفال والشباب، بل والقتل في المعتقلات، والتي وصلت، وفقاً لتقرير المرصد المصري للحقوق والحريات، إلى 237 حالة في نهاية مارس/آذار 2015، ولم يتحرك أحد أمام هذا القتل العمد. بل إن مصدراً أمنياً، وفقاً لموقع (كلمتي) الإلكتروني، يكشف أن حجز أي قسم يسع 120 محتجزاً فقط، في حين يزيد المحتجزين فيه عن 360 محتجزاً. لذا، ليس غريباً أن يصرح النائب العام المصري بأن المشكلة بسيطة، تكمن في التهوية، أي أن حلم المصري ليس في أن ينعم بالحرية خارج الزنازين، بل يتمنى ويرجو أن يجد هواءً يتنفسه قبل الموت.

والفاجعة الكبرى أن يستمع القاضي في إحدى القضايا التي تشغل الرأي العام لأساليب التعذيب التي تعرض لها المتهم حيث قال نصاً أمام الكاميرات "تعرضت لعملية تعذيب بشعة، أنا اتعلقت واتكهربت أكثر من مرة، يا فندم دول وصلوني أنهم قلّعوا مراتي أمامي وحاولوا يغتصبوها"، فيكون رد القاضي ليس التحقيق في هذه الجريمة البشعة، بل رد في حزم "احنا مش بنتكلم دلوقتي عن التعذيب"، فالتعذيب مسألة ثانوية لا تحتاج للوقوف أمامها، أو التحقيق فيها، فذلك حلم لا يُنال في ظل العسكر.

وعلى الرغم من تواتر أخبار القتل والتعذيب في سجون مصر، إلا أن بواكي (حمادة المسحول) الذي قامت الدنيا من أجله، وطالبوا بعزل الرئيس محمد مرسي ومحاكمته، هاجر هؤلاء من مصر، وأغلقوا أعينهم وصموا آذانهم، وينشغل بعضهم بمغانم مجلس النواب القادم، والذي لن يأتي قريباً وربما لا يأتي. بواكي حمادة المسحول منشغلون بحرق الكتب، والتي لم يكلفوا أنفسهم مجرد معرفة محتواها، ولو فعلوا لطبعوا منها، كما فعلت سوزان مبارك، لكنهم لا يقرأون. بواكي حمادة المسحول مشغولون بحرق الحجاب في مليونية، تنفيذاً لتعليمات قائد الانقلاب بتنقية التراث، ولعلنا نسمع قريباً عن مليونية رجم من يجهر بالصلاة أو يصوم رمضان. بواكي حمادة المسحول منشغلون بمناظرات حول البخاري ومسلم.

وليس لدى الليبراليين المصريين الجدد الذين يطالبون بحقوق العمال في قطر، وبمزيد من الحريات في تركيا، وينددون بالفاشية في بلاد الواق واق، وقت لمتابعة قضايا التعذيب والقتل، لأن جل وقتهم يقضى في تأليف الموسوعات وتسطير الكتب عن مرسي الديكتاتور وفشله في حفظ حقوق الإنسان، والدليل مشهد حمادة المؤلم. وأغلب الظن أن انشغالات بواكي حمادة المسحول عن الحبس والتعذيب والقتل وأحكام الإعدام ليست وليدة مصادفة، بل تتم وفق خطة تنطلق من مكتب عباس كامل صاحب التسريبات. ومن المتوقع أن بواكي حمادة المسحول ينتظرون الحملة الجديدة، لينطلقوا في عزف سيمفونية صاخبة، تلهي الناس عن مظاهر سلب حقوقهم وفشل دولتهم التي يحيون فوق ترابها.