بن سلمان وتكلفة بقائه في السلطة

08 ديسمبر 2018
+ الخط -
يتساءل بعضهم: ماذا إذا لم يرحل ولي عهد السعودية، محمد بن سلمان، عن السلطة في بلده، فهل هذا يعني أن الأمور لن تتغير، وسيبقى رجل المملكة والمنطقة القوي؟ بالطبع، ليس الأمر كما هو عليه، وإنما تغير بلا شك، ولابد للمحللين أن يبدأوا بتناول المتغيرات في تحليلاتهم ولتحالفات القوى داخل السلطة السياسية في المملكة، قبل قتل الصحافي السعودي، جمال خاشقجي، وما بعده. وفي الحالتين، يؤدي بقاء بن سلمان أو رحيله المطلوب، يتساءل سائل: كيف؟
تغيرت المعادلة، وقطار التغيير انطلق في السعودية وكذلك في المنطقة، وتحالف الثورة المضادة، بقيادة ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، أصبح يقف على أرضيةٍ هزيلة. كتبت في مقال سابق عن أثر مقتل خاشقجي على ذلك التحالف في المنطقة، وهل سينتهي إلى إزاحة بن سلمان من السلطة، أم أنه سيبقى فيها. الآن، وبعدما وضح أن العاهل السعودي، سلمان بن عبد العزيز، لم يستجب لأي شيء، فإن بقاء ابنه سيصبح أكثر كلفةً عما كان عليه من قبل، بالنسبة للمملكة وللأسرة الحاكمة، فالمليارات التي دُفعت من قبل في واشنطن، وكذلك إلى جماعات الضغط في الدول الغربية، لتسويق بن سلمان، حين كان وزيرا للدفاع ليكون وليا للعهد، ولتقديمه للمجتمعات الغربية أنه مارتن لوثر الشرق الذي سيخرج المملكة والمنطقة من ظلامها ورجعيتها إلى مشارف الحضارة الغربية والتنوير..
تبخّرت هذه الأمور الآن، وأصبح لابد من إنفاق مليارات أكثر، ففي ظل أزمة مالية تواجه 
المملكة، نتيجة حرب اليمن المكلفة، وكذلك تخفيض سعر النفط الذي سيؤدي إلى كارثةٍ ماليةٍ محققة بها، سيصبح الأمر أكثر إرهاقا وكلفة. في المقابل، حتى أن الخيار أن ولي العهد لابد أن يدفع المليارات مرة أخرى، ليغسل صورته ويديه الملطختين بالدم في حرب اليمن وقتل خاشقجي، لم تعد مسألة مجديةً كما كان، فمساحات المناورة بين جماعات الضغط داخل الدول الغربية أصبحت تحت مرآة الصحافة، ولم تعد هناك قدرة لتلك الجماعات على الحديث عن هذا الرجل الذي أصبح عبئا علي الجميع، بدليل أن ولي العهد مني، في الأيام القليلة الماضية، بفضيحة كبرى في ألمانيا، حينما كشفت صحيفة بيلد الألمانية (أكثر الصحف الشعبية انتشارا) عن خطة له بدفع ملايين لساسة ألمان داخل إحدى المجموعات، لتقوم بالتسويق له مرة أخرى داخل الحكومة الألمانية، ما أسفر عن استقالة رئيس المجموعة، وكذلك فسخ العقد الذي كان موقعا مع تلك المجموعة والمملكة، وهذا دليل على أن مجرد العلاقة مع ولي العهد أصبحت مكلفة أيضا.
ينعكس بقاء بن سلمان أيضا على الوضع الداخلي بالنسبة للمملكة على مستويين: للأول علاقة بوضع انتهاكات حقوق الإنسان، فممارساته لن تكون نفسها التي كانت قبل قتل خاشقجي. وعلى المستوى الثاني، بقاؤه أيضا يعني توسيع رقعة المعارضة داخل الأسرة المالكة، وحتى وإن كانت المعارضة التي أبدتها ليست قويةً بما فيه الكفاية على ما يبدو احتراما للملك سلمان. ولكن طبقا لتقرير "رويترز" الذي نشرته، إن هناك مطالبات داخل العائلة الحاكمة بإزاحة بن سلمان من ولاية العهد، فهي مؤشّرات على ما يدور داخل الأسرة، كل هذا مع عودة الأمير أحمد بن عبد العزيز بضماناتٍ غربية. من ضمن المستفيدين من بقاء بن سلمان المعارضة السعودية الموجودة في الخارج، والتي اكتسبت مشروعيةً، وأصبح لها صوت عال، وأصبحت محط أنظار العالم، ويتم دعوتها إلى لقاءات وندوات (الأمور الأخرى المتعلقة بصياغة مشروع ما، تتوقف على تلك المعارضة)، بل ويعزّز مطالبات تلك المعارضة بضرورة وجود ملكية دستورية في المملكة أكثر من أي وقت مضى. ثمة أمر آخر، هو أن هناك من يدفع أيضا إلى بقاء بن سلمان في السلطة، لتقوية شوكة المعارضة الداخلية داخل المملكة، واتساع رقعتها، ما يعني زيادة التوتر، وقد يدفع بالتمرد (لعل زيارة الملك سلمان بعض تلك المناطق بداعي مقتل خاشقجي) يعزّز الطرح في هذه المقالة، أن توسيع رقعة تلك المعارضة في المستقبل قد يؤدي إلى تقسيم المملكة العربية السعودية. ولكن قد يُسأل: كيف يكون هذا، وهل سيسمح الأميركان بحدوث ذلك، كما أن المملكة قادرة على البقاء؟
الإجابة علي هذه التساؤلات تكون في إطار التغيرات الجديدة في المنطقة، فمع نهاية النظام العربي، وقيام نظام جديد، أو إن شئت فقل تحالف جديد يضم العربية السعودية والإمارات والبحرين ومصر وإسرائيل، زعم، في البداية، أنه تحالف سني لمواجهة التحالف الشيعي بقيادة إيران، لكن الحقيقة أنه يُراد منه، في المقام الأول، الحفاظ على أمن إسرائيل، وجعلها الدولة 
الأقوى في المنطقة. وأيضا في ظل هذا التحالف، تحولت المملكة إلى جماعة وظيفية لخدمة إسرائيل، ولعب دور مهم في صفقة القرن وتصفية القضية الفلسطينية، بما يعني أنه، مع انتهاء دورها الوظيفي، سيتم التخلي عنها، ولن تكون هناك غضاضة في أن تتعامل الولايات المتحدة مع دولةٍ تحولت إلى دويلاتٍ، يدين الجميع لهم فيها بالولاء، ثمّة مثال واضح وجلي، يعزّز هذا الطرح، وهو ما حدث مع العراق، الغني بنفطه وقوته وتحالفاته من قبل، (خصوصا مع الأميركان)، فقد كان العراق قويا بما فيه الكفاية، ليدخل حربا مع إيران، تمتد ثماني سنوات، من دون أن يقترض شيئا، لكن بعدما انتهى دوره، وأصبح وجود صدام حسين مكلفا، وأصبح خارج السيطرة، طلب منه الرحيل، لكنه أصر على البقاء متحدّيا الجميع، فكان بقاؤه مكلفا للعراق، شعبا ودولة، وله أيضا، فقد تفكّك وتقسم، وأصبح العراق عراقات، ولم تنتبه أميركا، بالمقولات نفسها التي قيلت وقتها مع بداية نشوء الأزمة مع صدام، ولم تنتبه إلى ما قيل أيضا من أن إسقاطه سيعزّز المخاوف الاقتصادية بشأن النفط، وأن إيران ستتمدد، بل حولته إلى عدو، وأسقطته في غزوٍ شهد العالم عليه جميعا، وتعاون العرب معهم على ذلك.
سقط العراق ولم تسقط إيران، بل خلفت الولايات المتحدة، بعد خروجها من العراق، فراغا لم يملأه أحد سوى إيران. لم ينتبه أحد الآن إلى أن إيران بعد الاتفاق النووي هي إيران ما قبله، وأن الأوروبيين الآن لا يرون إيران كما كانت عليه من قبل، وهم يحاولون جادّين رفع راية الاستقلال السياسي عن الولايات المتحدة. ولعل المواقف المتخذة من عدد من تلك الدول أكبر دليل على ذلك. لقد فتح الاتفاق النووي مع إيران والدول الغربية شراكاتٍ اقتصادية مهمة، وهو ما يعكس وضع إيران الحالي، كما أن التحالفات التي تمر بها المنطقة أصبحت إيران تلعب فيها دورا مهما إلى جانب الأتراك والروس العائدين بقوة إلى المنطقة. ثمّة فرق بين أن تكون ندّا لأحد، تقارعه في كل ساحة، وأن يكون بقاؤك عالةً علي الغير، أو بعبارة أخرى وأكثر إيضاحا على لسان سمسار البيت الأبيض (ترامب): إن المملكة العربية السعودية ما كان لها أن تكون موجودة لولا حماية الولايات المتحدة لها.
BA733789-23B4-4A69-9D4A-CB7E100A9A4B
تقادم الخطيب

أكاديمي، باحث مصري في جامعة برلين، مشارك في الحراك السياسي المصري منذ 2006؛ ومسؤول ملف الاتصال السياسي في الجمعية الوطنية للتغيير سابقاً.