بعد عملية القصرين

مرّة أخرى، يطلّ الإرهاب برأسه في تونس، ليثير من جديد أسئلة قديمة، طالما طُرِحَتْ، لكن لم تجد أجوبة، من أين يستمدّ هؤلاء الإرهابيون كلّ هذه القوّة؟ وكيف يمكنهم أن يصمدوا كلّ هذه المدّة، داخل جبل من المفترض أنّهم محاصرون داخله؟ كيف يتمّكنون، في كلّ مرّة، من تنفيذ عمليّاتهم بكلّ هذه السهولة؟ أين الأمن الذي قيل لنا إنّه لا يقهر؟ لماذا كلّما كان هناك اشتباك مباشر، إلاّ وخسر الأمن المعركة؟ هل أمننا مدّرب ومجهّز بما فيه الكفاية؟ أم هناك تقصير متعمّد، في عمليّاتٍ بعينها، بغاية خدمة أهداف لا نعلمها؟ لكن السؤال الذي يطرح، بكل إلحاح، عقب هذه العمليّة الإرهابية، كيف يسمح لعون أمن من المنتمين لأعوان التراتيب البلدية، ولزميل له عائد بمفعول العفو العام بحراسة منزل وزير الداخلية؟
الشهيد رضا الشابي عون تراتيب في بلدية القصرين تم إلحاقه بالشرطة، إثر توحيد الصنف الذي ينتمي إليه مع بقية أصناف الأمنيين، والشهيد علي الغضباني من ضمن الأمنيين الذين عادوا حديثا إلى المهنة بمفعول العفو العام، ألا يطرح وجود هؤلاء الأعوان غير المدرّبين على التعامل مع العمليّات الإرهابية في مسرح الأحداث الريبة والشكّ؟ هذه جزء بسيط من الأسئلة المطروحة لدى الشعب التونسي الذي لم يعد يصدّق كلّ ما يقال بشأن العمليّات الإرهابية التي تحدث، خصوصاً وأنّه، في كلّ مرّة، يدلي شهود العيان بحقائق تخالف الروايات الرسمية، فالعمليّة الإرهابية الأخيرة التي وقعت ليست مستغربة، لأنّ تونس في حالة حرب مع الإرهاب، لكن المستغرب كيف يمكن لعشرة أشخاص مدججين بالسلاح أن يقتحموا مدينة كالقصرين، من المفترض أنّ الوجود الأمني مكثّف فيها، باعتبار قربها من جبل الشعانبي. والأغرب أن يهاجموا منزل وزير الداخلية المسؤول الأمني الأول في الدولة، فيقتلوا ويصيبوا من أرادوا، ثمّ يهربوا من دون أن يجرح، ولو واحد منهم.
للإشارة، يقع منزل وزير الداخلية قرب منطقة للحرس وإقليم للأمن الوطني، وعلى الرغم من أن الإرهابيين مكثوا في مكان العمليّة مدّة تتجاوز الخمس وأربعين دقيقة، حسب شهود العيان، فإنّه لم يتمّ إسناد حرّاس منزل الوزير. قالت وزارة الداخلية إنها ستفتح تحقيقا في أسباب هذا التقصير، لكن، للأسف تأكد أنّ هذا التحقيق لن يأتي بجديد، بل سيكون مكانه رفوف وزارة الداخلية، وهذا ليس غريباً عن الداخلية، فمن عقائدها القديمة، طمس الحقائق وطمرها إن وُجِدَتْ، أحداث صعبة عن الفهم، حتى غدت، كما الألغاز تحتاج عارفين بالأحاجي المعقّدة لحلّها.
من يدري، ربّما يكون حلّ الأحجية في هذا الطرح، إذ في غمرة التحليلات التي تنهال علينا في مثل هذه المناسبات، استمعت لمحللين نزهاء جدّا، طرحوا فكرة الاستعانة بكبار قادة الداخلية السابقين، مثل علي السرياطي وعادل التيويري، لمكافحة الإرهاب، وقد قيل إن هناك ضغوطا حقيقية على رئيس الحكومة ووزير الداخلية للاستعانة بهم. وأضيف، من عندي، فأقول: لماذا لا تتمّ الاستعانة برفيق الحاج قاسم، أو بعبد الله القلاّل العتيق في مكافحة الإرهاب.