انفجارات ورصاص في لبنان

10 مايو 2016
الدولة مزعومة حتى لو نظّمت انتخابات (أنور عمرو/فرانس برس)
+ الخط -

لا يغيب حديث الانفجارات والقصف والغارات عن بال اللبنانيين. هم الذين خبروا حروباً مدمرة، استخدمت فيها مختلف أنواع الأسلحة من الداخل والخارج. يربطون أحاديثهم في أحيان كثيرة بتلك الانفجارات، سواء كانت من عبوات ناسفة، أو سيارات مفخخة، أو انتحاريين يقتلون أنفسهم مع من استطاعوا إليهم سبيلاً ليفوزوا بجنة الخلد. يدلّ اللبناني لبنانياً آخر على عنوان ما بـ"محلّ ما طلع أول انفجار"، و"محلّ ما لقطوا الإرهابي اللي ما طلع إرهابي"، و"محلّ ما اغتالوا فلان الفلاني"، و"محلّ ما قصفت إسرائيل". وعلى هذا المنوال تمتد سلسلة طويلة جداً من مختلف أشكال الدمار.

ليس دماراً في المباني السكنية والتجارية والمركبات، وليس دماراً لناس يُقتلون صدفة في معظم الأحيان. لكنّه دمار للبنية الاجتماعية اللبنانية، لأسلوب التعامل مع بعضهم البعض، لطرق الكلام، بل لنمط الحياة ككلّ، الذي يتجه بهم إلى اللامبالاة تجاه كلّ ما يحلّ بهم، واللاشعور أحياناً.

الوقت وقت تحضير للامتحانات. صغار وكبار يدرسون ويحفظون كثيراً من المواد التي لن يجدوا لها فائدة غير كونها طريق عبورهم إلى النجاح والوصول إلى مرحلة أخرى. الأهل عادة يحبون أن يحفظ أولادهم كلّ شيء، ويقدمونه للمدرّس كتابة أو شفوياً "كرجة ميّ"، أي بسرعة وبكلّ حذافيره. يتأقلم الصغار مع الأجواء من حولهم. يسمعون الرصاص يومياً بالقرب منهم. أحياناً يوقظهم فيعودون إلى النوم. وإن طال أكثر من المعتاد خرجوا إلى النوافذ يسعون إلى الظفر برؤية ما يسمعون، كأنّ فيه لذة.

الرصاص في لبنان لا يتحدث به المواطنون إلاّ إذا سقط ضحايا. الرصاص لا يدخل في أحاديثهم اليومية، فهو أكثر تفاهة من أن يدخلها، وأكثر تكراراً من تشكيله حدثاً غريباً. كلّ يوم يسمع اللبنانيون الذين يعيشون في "دولة القانون والمؤسسات" أصوات الرصاص. تستيقظ منطقة عليها، وتنام أخرى أيضاً. وبينهما يستمر الرصاص ضيفاً ثابتاً في مناطق أخرى.

لماذا يطلق اللبنانيون الرصاص؟ أسباب عديدة جداً تبدأ من الإشكالات اليومية، وتمتد إلى الأعراس والجنائز وإطلالات الزعماء، وتصل إلى رصاص الأجهزة الأمنية رسمية وغير رسمية.

لكن، فلسفياً، لماذا يطلق اللبنانيون الرصاص؟ لأنّ كثيرين من بينهم يمتلكون ببساطة الرصاص، ومعه مختلف أنواع البنادق والمسدسات. ولأنّ تلك الدولة المزعومة "دولة القانون والمؤسسات" هي دولة مزعومة حتى لو نجحت في تنظيم انتخابات بلدية واختيارية، وحتى لو كان هيكل القانون والمؤسسات موجوداً منذ عشرات العقود.


المساهمون