انتصارات هزيلة لجيش النظام السوري
فرح أنصار النظام الأسديّ كثيرًا بالتقدم العسكري الذي حققته قوات النظام في حمص والقلمون وغوطة دمشق، وأخيرًا في حلب. لم يلفت نظرهم التشرّد والمهانة وبراميل الموت التي تحصد الشجر والحجر والناس، ولم يأبهوا بكلّ هذا الخراب المروّع الذي لم يُبقِ وطنًا صالحًا للحياة لمن بقي صالحًا للوطن من السوريّين. كانوا، في البداية، يدافعون عن النظام بحجّة أنّه "ممانع"، وهو وصف مراوغ، ابتكر ليكون بديلاً لصفة "مقاوم" التي حرص النظام على نفيها عن نفسه، وبحجّة أنّه جزء من (منظومةٍ) كانت تضمّ إيران وحزب الله وحركة حماس، ثمّ خرجت حماس، وما لبث أن حلّ محلّها، بقدرة قادر، نظام نوري المالكيّ في العراق، والذي أوجدته أميركا ليحارب المقاومة في العراق، باسم مكافحة الإرهاب، لا ليمدّ لها يد العون. فيما بعد، صاروا يدافعون عنه، بحجّة خوفهم من "داعش" والنصرة والإرهاب السنّي الذي يهدّد المنطقة والعالم. لكنّهم، في كلّ الأحوال، لم يريدوا أن يقرأوا المشهد قراءة موضوعيّة متبصّرة، تلمّ بحقيقة ما يجري، أو يروا يد النظام الطولى في إنتاج الخراب الذي لحق بسوريّة.
كان ينبغي لمشايعي النظام أن ينتبهوا إلى أنّه لو ترك وحده في ساحة المعركة، كما ترك الثوّار، لما استطاع أن يحرز أيّ تقدّم. تلك، إذن، ليست "انتصاراته" هو، بل انتصارات المرتزقة الطائفيّين من إيران وحزب الله والعراق وباكستان وأفغانستان واليمن وغيرها، الذين حاربوا بالنيابة عن النظام، وانتصروا بالنيابة عنه أيضًا؛ ولذا، فهي لا تدلّ بالضرورة على أنّ النظام يستردّ عافيته، بل لعلّها تدلّ، بالعكس من ذلك، على أنّه في حالة من العجز اللوجستيّ الّذي لن يمكّنه، في المستقبل، من الحفاظ على ما تمّ إنجازه له.
ومن جهة أخرى، فإنّ تلك "الانتصارات" تدلّ على أنّ النظام هو الّذي يتلقّى المدد البشريّ والماديّ والمعنويّ الضخم، بتواطؤ أميركيّ وغربيّ، فيما الدعم الشحيح الّذي يتلقّاه الثوّار، ويُتّخذ دليلا على أنّهم عملاء للسعوديّة وقطر وتركيّا وأميركا وإسرائيل وغيرها، لا يكاد يكفي للحفاظ على مواطئ أقدامهم. وإذا كان من الممكن فهم الأسباب التي تقف وراء استماتة إيران وحزب الله في الدفاع عن النظام الأسديّ، فإنّ "التواطؤ" الأميركيّ والغربيّ لا يمكن فهمه، إلاّ بوصفه دعمًا معنويًّا موازيًا لنظام حرص كلّ الوقت على ألاّ يزعج إسرائيل، وألاّ يسمح لأحد من طرفه بإزعاجها.
لقد تحدّثت بعض وسائل الإعلام الموالية للنظام، بكلّ وقاحة، عمّا أسمته "انتصارات" أحرزها الجيش النظاميّ على "المجموعات الإرهابيّة المسلّحة"، واعتبرت ذلك دليلاً على أنّ الجيش بات قويًّا، وقادرًا على إحراز الانتصارات؛ فالجيش، إذن، كان قد فقد قوّته خلال سنوات الثورة الثلاث المنصرمة، ثمّ عاد فاستردّها. ذلك يعني أنّ النظام احتاج إلى دعم خارجيّ، لكي لا ينهار، وحصل عليه بسخاء، وأنّه سيكون مرتهنًا للجهات التي دعمته؛ ويعني، من جهة أخرى، أنّ الثوّار كانوا يملكون من القوّة، ما جعلهم يضعفون جيش النظام ويصمدون طيلة هذا الوقت، على الرغم من شحّ الدعم الّذي كانوا يتلقّونه من الخارج. لقد اعترف الخبير الاستراتيجيّ وضابط الاستخبارات الأميركيّ السابق، جفري وايت، بأنّه "ليس ثمّة دليل ملموس على وصول كميّاتٍ كبيرة من الأسلحة إلى الثوّار، وأنّ معظم الأسلحة، التي حصلت عليها قوّات المعارضة، سوريّة المنشأ، وقديمة، وروسيّة الصنع". لقد غنم الثوّار معظم سلاحهم من الجيش، الّذي أوهنته "الجماعات الإرهابيّة"، حين كانت لا تكاد تملك سلاحًا، فما الّذي حدث، لينهض ذلك الجيش العتيد من كبوته، ويستردّ قوّته، ويبدأ، من جديد، بإحراز انتصاراته الثمينة؟ لقد نقلت لنا وكالات الأنباء أخبار تقدّم الثوّار في جبهة حلب، وتعزيز حصارهم لسجنها المركزيّ في شهر مارس/ آذار الماضي، على إثر تقدّمهم في جبهة الساحل، فكيف انقلبت الأمور خلال شهرين؟ ذلك يعني أنّ تلك الانتصارات لا تعبّر عن قوّة الجيش، ولا عن ضعف الثوّار كما يتوهّم النظام وحلفاؤه؛ بل عن قوّة المؤامرة الّتي لا تريد لأيّ من الطرفين أن ينتصر أو ينهزم.
إنّ الخلافات بين الثوّار، والدور المشبوه، الّذي لعبه تنظيم متطرّف مثل داعش، في جرّ الثوّار إلى الاقتتال الجانبيّ، وتسليم بعض المواقع العسكريّة لجيش النظام من دون قتال، وتدخّل بعض الدول العربيّة في الثورة، والامتناع عن تزويد الثوّار بالأسلحة، وعدم زيادة أعداد الثوّار، مثلما أشار مركز كارتر في تقريره الصادر في مارس/ آذار 2014، وتدفّق المرتزقة الذين يحاربون إلى جانب النظام، كلّ ذلك أدّى إلى اختلال التوازن الّذي ظلّ قائماً لوقت طويل في الساحة السوريّة، ومع ذلك، فإنّ الفعاليّة المتزايدة للجيش الحرّ، كما يقول الكولونيل البريطانيّ المتقاعد، ريتشارد كمب، قد تعاظمت، حتّى لو خسر الثوّار معركة حلب الحاليّة (معركة سجن حلب).
وإذا كان مشايعو النظام يستخدمون شبهة الدعم الأميركيّ والسعوديّ والقطريّ، من أجل أن يبرّروا اتّهامهم للثوّار بالإرهاب، فإنّ من السهل على المرء أن يوجّه التهمة ذاتها إلى النظام الّذي يتآمر الغرب لإنقاذه من الثورة، إذ من المعلوم أنّ أميركا لو أرادت إسقاطه، مثلما فعلت بنظام صدآم حسين، لفعلت منذ زمن، ولما احتاجت إلى افتعال ثورة يتيمة، كالثورة السوريّة لا تجد من يدعمها.