ولد قبل ربع قرن من الزمان، كان هذا الحاكم قابعاً على كرسي السلطة، وكان هذا الأب في نفس المهنة، وكانت البلاد على نفس الحال من قمع وتكميم أفواه، وغياب لعدالة توزيع الثروات، واستئثار طغمة قليلة مقربة من السلطة بكل المزايا.
منذ ربع قرن ومنزلهم على حاله لم يتغيّر فيه إلا حاجيات قليلة كان تجديدها ضرورة بعد أن بليت. على مدار ربع قرن لم تتغير ظروفهم المعيشية إلا نذراً يسيرا بعد أن سافر الوالد لعام ونيف إلى دولة مجاورة غنية ليعمل، وعاد محملا ببعض الأجهزة المنزلية التي لم يكن أطفاله يعرفونها سابقا.
في مدرسته لم يكن أمامه إلا الاجتهاد، فالوالد يكرر دوماً على مسامعه ومسامع أشقائه، أن الحل الوحيد أمام أبناء الطبقة الوسطى التي ينتمون إليها هو التعليم، وأنه لن يترك لهم ميراثا وإنما سيحرص على تعليمهم جيدا.
في جامعته الحكومية، كانت الأمور تسير وفق آلية محددة من الفساد والمحسوبية، ابن الأستاذ أستاذ، وأبناء العوام يظلون من العوام، لكنه قرر أن يجتهد أيضا، كما قرر أن يغامر بخوض انتخابات اتحاد الطلاب، ليكتشف أن في الانتخابات الطلابية الكثير مما يسمعه عن ألاعيب الانتخابات النيابية في بلاده.
تخرّج من جامعته شابا يافعا مشرقا، يحدوه الأمل بمستقبل حقيقي يناسب طاقاته وأحلامه. باغته طلب وصله للتجنيد الإلزامي، لم يكن في حسبانه أن يضيع عاماً أو أكثر في الخدمة العسكرية، فكّر أن يتهرب، لكنه أدرك سريعاً أن السلطة التي فرضت التجنيد جعلته قيدا لا يمكن لأحد الفكاك منه، وأنه بدون إنهاء تلك المهمة السخيفة لن يستطيع أن يكمل مسيرته، فخاض تجربة عام هو الأسوأ له منذ ميلاده.
بعدها ورغم مرارات التجنيد التي تركت ندوبا في نفسه وجسده، بدأ يطرق أبوابا كثيرة بحثا عن عمل، الفرص محدودة في ظل بطالة خانقة تتوازى مع توزيع غير عادل لفرص العمل لاعتبارات لا علاقة لها بالكفاءة وإنما بقدرات العائلة على الدعم والبحث عن وساطات.
مرّ على تخرّجه ثلاثة أعوام، لم يجد فيها عملا حقيقيا يناسب شهادته ولا قدراته، ثلاثة أعوام كانت كفيلة بجعل حماسته المتقدة تخبو وأحلامه في مستقبل لامع تنطفئ، بات همه إيجاد عمل، أي عمل، حتى أنه فكر في الهجرة، رغم أنه بلا خبرات تؤهله في سوق العمل.
تقلّب بين أصدقاء السوء ومروّجي الخزعبلات، عاش لفترات متقطعة تائها لا يعرف بوصلة طريق، سمع من قرروا مقاومة السلطة للحصول على حقوقهم، وسمع آخرين قرروا اعتزال الحياة والانزواء، ثم سمع مجموعة من أقرانه تناقش فكرة الانتحار الذي لم يكن يخطر له يوما على بال.
أعجبته الفكرة الأخيرة.
منذ ربع قرن ومنزلهم على حاله لم يتغيّر فيه إلا حاجيات قليلة كان تجديدها ضرورة بعد أن بليت. على مدار ربع قرن لم تتغير ظروفهم المعيشية إلا نذراً يسيرا بعد أن سافر الوالد لعام ونيف إلى دولة مجاورة غنية ليعمل، وعاد محملا ببعض الأجهزة المنزلية التي لم يكن أطفاله يعرفونها سابقا.
في مدرسته لم يكن أمامه إلا الاجتهاد، فالوالد يكرر دوماً على مسامعه ومسامع أشقائه، أن الحل الوحيد أمام أبناء الطبقة الوسطى التي ينتمون إليها هو التعليم، وأنه لن يترك لهم ميراثا وإنما سيحرص على تعليمهم جيدا.
في جامعته الحكومية، كانت الأمور تسير وفق آلية محددة من الفساد والمحسوبية، ابن الأستاذ أستاذ، وأبناء العوام يظلون من العوام، لكنه قرر أن يجتهد أيضا، كما قرر أن يغامر بخوض انتخابات اتحاد الطلاب، ليكتشف أن في الانتخابات الطلابية الكثير مما يسمعه عن ألاعيب الانتخابات النيابية في بلاده.
تخرّج من جامعته شابا يافعا مشرقا، يحدوه الأمل بمستقبل حقيقي يناسب طاقاته وأحلامه. باغته طلب وصله للتجنيد الإلزامي، لم يكن في حسبانه أن يضيع عاماً أو أكثر في الخدمة العسكرية، فكّر أن يتهرب، لكنه أدرك سريعاً أن السلطة التي فرضت التجنيد جعلته قيدا لا يمكن لأحد الفكاك منه، وأنه بدون إنهاء تلك المهمة السخيفة لن يستطيع أن يكمل مسيرته، فخاض تجربة عام هو الأسوأ له منذ ميلاده.
بعدها ورغم مرارات التجنيد التي تركت ندوبا في نفسه وجسده، بدأ يطرق أبوابا كثيرة بحثا عن عمل، الفرص محدودة في ظل بطالة خانقة تتوازى مع توزيع غير عادل لفرص العمل لاعتبارات لا علاقة لها بالكفاءة وإنما بقدرات العائلة على الدعم والبحث عن وساطات.
مرّ على تخرّجه ثلاثة أعوام، لم يجد فيها عملا حقيقيا يناسب شهادته ولا قدراته، ثلاثة أعوام كانت كفيلة بجعل حماسته المتقدة تخبو وأحلامه في مستقبل لامع تنطفئ، بات همه إيجاد عمل، أي عمل، حتى أنه فكر في الهجرة، رغم أنه بلا خبرات تؤهله في سوق العمل.
تقلّب بين أصدقاء السوء ومروّجي الخزعبلات، عاش لفترات متقطعة تائها لا يعرف بوصلة طريق، سمع من قرروا مقاومة السلطة للحصول على حقوقهم، وسمع آخرين قرروا اعتزال الحياة والانزواء، ثم سمع مجموعة من أقرانه تناقش فكرة الانتحار الذي لم يكن يخطر له يوما على بال.
أعجبته الفكرة الأخيرة.