"امرأة. هذه أنا، واحدة من نساء هذه المعمورة. أدعى أمل. أنا في أواخر ثلاثينيّاتي، متزوّجة وأمّ لثلاثة أولاد. هذا وضعي العائليّ اليوم، علماً بأنّني ابنة رجل وامرأة قضيا عمرهما يجهدان من أجل أربعة... ثلاثة أبناء وأنا الصغيرة المشاكسة دائماً.
ولدتُ في بلدة لبنانيّة. هي ليست نائية، غير أنّها لا تشبه المدن. عشتُ معظم سنيّ حياتي فيها، وكنتُ أقصد بيروت يومياً لمتابعة تعليمي المدرسيّ ثمّ الجامعيّ. تعرّفتُ إلى زوجي المغترب، وانتقلتُ معه إلى حيث استقرّتْ عائلته قبل سنوات طويلة، لمّا تركتْ البلاد خلال الحرب.
اتّخذنا قرارنا بالزواج، ورحنا نخطّط له. الحفل، المدعوّون، الزينة، التصوير، الزفّة، الحلوى، السيّارات... لم أفوّتْ بوتيك فساتين زفاف معروفاً في بيروت، ولا محلّ شوكولاتة، ولا محلّ زهور. كنتُ متحمّسة ليومي الكبير. أنا العروس! كان واحداً من أيّام حياتي الأهمّ. خلاله شعرتُ بأنّني ملكة، وبأنّ المعمورة لا تتّسع لفرحتي.
أسبوعان مرّا، وانتقلتُ مع زوجي إلى بلاد المهجر. كانت المرّة الأولى التي أرى فيها بيتنا، فأنا تركتُ له خيار ترتيبه نظراً إلى استحالة انتقالي قبل الزواج. البيت دافئ. شعرتُ بالراحة. في اتصال، قالت لي صديقة: أنتِ هنيّة. وضحكتْ. كنتُ في بيئة جديدة، وكان لا بدّ لي من أن أسعى إلى التأقلم. لم أحسّ في يوم، بأنّني ملزمة بذلك التأقلم. هكذا كان واقع الأمور. وأنا حسمتُ خياري.
استلزم تأقلمي أشهراً عدّة، قبل البدء بالتحضير لاستقبال مولودي الأوّل. كنتُ متحمّسة لذلك. وصرتُ أمّاً لطفلة حلوة. بعد عامَين اثنَين، أنجبتُ أخاً لصغيرتي، قبل أن أضع آخر بعد خمسة أعوام. اليوم، ابني الأصغر في الثالثة من عمره، وقد أعدتُ وزوجي ترتيب بيتنا، ليتناسب وعائلتنا التي كبرتْ. ما زال دافئاً، وصديقتي نفسها شعرتْ لمّا زارتني قبل أشهر بأنّه مريح. لم أسألها عن ضحكتها التي حيّرتني قبل عشرة أعوام، في حين راحتْ هي تلحّ عليّ للعودة إلى الحياة العامة. حياتي الخاصة تكفيني. لم يرقها جوابي.
مذ وصلتُ إلى هذه البلاد، لم أشعر في يوم بأنّني راغبة في حياة مهنيّة. لا شهادة إدارة الأعمال التي أحملها ولا تدرّجي في إحدى المؤسسات - متعددة الجنسيّات - دفعاني إلى المحاولة. حياتي اليوم تكفيني. أشعر بسعادة لا توصف عندما أراقب ابنتي - كبرتْ على حين غرّة - في صفّ الجمباز، وعندما يستلذّ ابني الأكبر بكريما الشوكولاتة التي نحضّرها معاً، وعندما أقرأ مع ابني الأصغر كتاباً عن الحيوانات... لستُ في حاجة إلى أكثر، أقلّه اليوم. خياري حسمتُه... شكراً لكلّ هؤلاء اللواتي يحاولنَ حثّي على التورّط أكثر في الحياة بمناسبة يوم المرأة العالميّ. أنا متورّطة بالفعل.
مع المودّة، أمل".