الوطنية الفلسطينية وفردانية السياسة

29 ديسمبر 2014
+ الخط -
كل ما نراه من حولنا يثبت لنا شيئاً واحداً، أن الأحزاب الفلسطينية الوطنية لم تعد وطنية، أصبح شغلها الشاغل هو الحزب، وليس الوطن والقضية.
عندما يريد حزبٌ ما أن يعلن عن نفسه، في الساحة الفلسطينية، فإن أول ما يقوم به هو خلق احتفال "وطني" بمناسبة ما، إما ذكرى استشهاد، أو وفاة قائد من قادته الأوائل، أو ذكرى عملية نفذها مقاتلو الحزب. كذلك ليس لذكرى فلسطينية احتفال عام يجمع كُل الفلسطينيين، مثلاً إحياء ذكرى مجزرة كفر قاسم، فلقد باتت الوطنية، من وجهة نظر الحزب، تتمثل فقط في إنجازاته، في بلد يمتلك أكبر عدد من الأحزاب في العالم.

في احتفالاتهم هذه، تدهن الجدران باللون المحدد للحزب، وتلصق صور قادته فقط على منصة الاحتفال، كما تتعلق الإشارات التي تدلل على الحزب المنظم، فلن تجد العلم الفلسطيني، مثلاً، بما يمثله من أب حنون يجمعُ كل ما هو فلسطيني، حاضراً في كل احتفالات الأحزاب الفلسطينية المختلفة. وتتفاقم المشكلة، عندما تدرك أن القائمين على تنظيمها مقتنعون بدرجة اليقين، بأن ما يقومون به في هذا الاحتفال لمصلحة حزبهم، هو الوطنية، بحد ذاتها.
لم تعد تجد، قضية عامة مشتركة، تحتفل بها كل الأحزاب، فما يراه هذا الحزب قضيةً وطنية، تراه الأحزاب الأخرى تفاخراً بإنجازات فردانية، أو تعترض على تفاصيل ضمنية، فيمتنعون عن اعتباره حدثاً وطنياً، وبالتالي عن الاحتفاء به.
غابت العمومية الفلسطينية، في أيامنا هذه، وأصبح لكل شيء دلالته الخاصة بحزبٍ ما، فحتى الكوفية الفلسطينية التي كانت، فيما مضى، رمزاً للعروبة، ورمزاً لكل ما هو وطني فلسطيني، لم تعد اليوم كذلك، بل أصبحت تمثل، من وجهة نظر معظم الأحزاب، حركة فتح فقط، لذلك يمتنع مناصرون كثيرون للأحزاب الأخرى عن ارتدائها، لكي لا يعتبر ذلك تأييداً لفتح.
مثال آخر، لم تحتفل كل الأحزاب بتحرير الأسرى في صفقة شاليط، ولم تحتفل كل الأحزاب بتحرير دفعات الأسرى الذين تحرروا، في فترة جلسات المفاوضات الفلسطينية. مع العلم أن الوطني الفلسطيني لا يميزُ بين فرحٍ فلسطيني وفرح آخر، الفرح هو الفرح.
الفعاليات التي يقوم بها حزبٌ ما في ذكراه، منكمشاً في تفاصيلها على ذاته، من دون أن تكون ثمة قضيةٌ مشتركةٌ تجمع فعاليته بجمهور الفلسطينيين، لن تحمل، على كل حال، أي شكلٍ من الوطنية.
ليس هذا الانقسام قضيةً سياسيةً نشأت في ظل ظروف معينة، بين حركتي فتح وحماس، بل هو قضية عقائدية المبدأ الوطني لدى مجموع الأحزاب الفلسطينية.
في انتظار اليوم الذي نرى فيه إجماعاً فلسطينياً على مفهوم الوطنية، وإجماعاً على الشخص الوطني، فنرى أعضاءً من حزب ما يلصقون على الجدران صوراً لقائد حزب آخرَ.
0C735959-D6E9-48C8-8328-E576722ED3DB
0C735959-D6E9-48C8-8328-E576722ED3DB
مالك أبو عريش (فلسطين)
مالك أبو عريش (فلسطين)