عن الإعلام الفلسطيني

12 ابريل 2015
+ الخط -
يتعاظم، في الأيام الأخيرة، حجم التجهيزات التكنولوجية لجيش الاحتلال، فمن دخول الأقمار الصناعية التي تبثّ من أرض المعركة، مباشرة، إلى غرف القيادة الإسرائيلية، إلى التكنولوجيا التي تستطيع كشف وحدة الضفادع البشرية في البحر المتوسط، وغيرهما الكثير من التكنولوجيا التي تمنحه القوة على الميدان، وهي الموجودة في ذهن الإعلام الإسرائيلي فقط، إذ لو كانت كل هذه التكنولوجيا موجودةً حقاً لحقق الجيش الإسرائيلي انتصارات في مواجهة المقاومة في غزة الصيف الماضي، أو كان، على أقل تقدير، سيتصدى لعمليات مثل عملية ناحل عوز التي وجد فيها الجنود الإسرائيليون جنود القسام فوق رؤوسهم فجأةً وهم نيام.

ولا يتردد الإعلام الفلسطيني عن نقل الأخبار التي توردها المواقع الإسرائيلية، كما هي، بحالة أقرب إلى الولع، من دون أي تعديل أو تفكير، كما لو أنها أخبار مفروغ من صدقها ودقتها، على الرغم من علم الفلسطينيين بأنها تخضع للرقابة العسكرية من الحكومة الإسرائيلية قبل نشرها، فبالإضافة إلى أن نقلها يعطيها مصداقية أكثر، لدى الجمهور الفلسطيني، فهو كذلك يساهم في نقل الرواية الإسرائيلية عن أي حادث، وبما أنها خاضعة للرقابة العسكرية من الحكومة، فقد ساعدت وسائل إعلامنا الفلسطينية على نقل الرواية الحكومية الرسمية الإسرائيلية، لتكون بذلك أكبر المواقع الإخبارية الفلسطينية منبراً لخطابات الاحتلال الاستعمارية.
المشكلة في أن هذه الأخبار تكون، في أحيان كثيرة، أخباراً مكذوبة، بهدف تدمير نفسية الفلسطيني، وإشعاره أن الجيش الإسرائيلي يسيطر، بشكل مطلق، لا يمكن هزيمته، وأنه لا مفر من الاحتلال، فهو يتصرف كما يريد بكل شيء. وهذا كله سياسة إعلامية مدروسة، تأتي من الحكومة العسكرية، قبل أن تكون من الجهات الإعلامية، ومن مثل هذه المواقع وليس وحيداً، موقع تك ديبيكا الاستخباراتي الذي ينشر دائماً أخباراً يهدف منها عمل بلبلة في الشارع الفلسطيني، أو الحصول على رد فعل ما، ليستطيع، من خلاله، تقييم الأوضاع، والاستفادة عملياً في موضوع ما، لينقل نتائجه إلى الجهات العسكرية، وعلى الرغم من ذلك تتصدر أخباره مواقعنا ووكالات أنبائنا.
والأسوأ من ذلك أن بعض الوسائل الإعلامية الفلسطينية تنقل أخباراً تتعلق بتصريحات الفلسطينيين، إذا نقلتها المواقع الإسرائيلية فقط، وكأنها تقول، نحن لا نثق بالأخبار من المصادر الفلسطينية، أما إن أتت من الإعلام الإسرائيلي فهي حقيقيةٌ، وتصلح للنشر.
وقد قال لي أحد الصحافيين مرة: إذا أردت أن تصبح صحافياً ناجحاً، فما عليك سوى تعلم اللغة العبرية، ومن ثم الترجمة عن المواقع الإسرائيلية، وبعدها "انعف" أخبار.
في أي حادث أمني في الضفة الغربية أو قطاع غزة، يكذب الإعلام الإسرائيلي بتوجيه من الرقابة العسكرية، في إحصاء خسائره، فينخفض عدد قتلاه عن العدد الحقيقي، كما وتسقط الصواريخ في أراضٍ مفتوحة، وغير مأهولةٍ بالسكان، لماذا يستمر الإعلام في قول ذلك؟
ذلك لأن ذكر الأرقام الحقيقية للقتلى في صفوف الجيش الإسرائيلي سيدب الرعب في قلوب الجنود الآخرين، كما أن الشعب الإسرائيلي سيشعر أن جنوده يخسرون حرباً، وأن حكومتهم غير قادرة على حمايتهم. بالتالي، سيهربون أو يهاجرون، وفي أفضل الحالات، ستخسر الحكومة ثقة الشعب وأصواتهم في أول انتخابات قادمة.
وفي المقابل، تقليل ثقة المقاومين، والفلسطينيين بشكل عام، بأنفسهم وإشعارهم بأنهم يخسرون وألا جدوى من قتالهم طالما لا يوقعون ضحايا إسرائيليين. بالتالي، سيفقدون الالتفاف الشعبي حولهم، ويقللون من إمكانية تجنيد مقاومين جدد. كما إشعار الفلسطينيين بأن من يقاتل منهم لا يقدم شيئاً لفلسطين، ما يؤدي إلى تدمير ثقة الفلسطينيين بقضيتهم، وإشعارهم بأن لا جدوى من القتال، وأن انتصارهم على إسرائيل مستحيل.
غريب أمر الإعلاميين الفلسطينيين، فعندما تعلن المقاومة عن قتلها عشرة جنود إسرائيليين، ويعلن الجيش الإسرائيلي عن قتيل واحد وعدة إصابات في العملية نفسها، تجد وسائل الإعلام الفلسطينية تعنون أخبارها بما قالته المصادر الإسرائيلية، معتمدة إياها، وقد تكرر هذا الأمر مرات في العدوان على غزة.

هناك إعلام مستقل وإعلام تابع، إعلامنا الفلسطيني، حالياً، تابع للإعلام الإسرائيلي، فما يُنشر هناك، تجده مسلمات موثوقة لدى أكبر المواقع والوكالات الإخبارية الفلسطينية، فهل هذا ما ينتظر من الإعلام المحلي الذي يفترض أنه يشكل قوةً وسلاحاً فلسطينيين، ويلعب دوراً في مقاومة الاحتلال، شأن بقية مكونات وعناصر الوجود الفلسطيني.
ومن هنا، فكما يلعب الإعلام الإسرائيلي دوراً في الصراع العربي الإسرائيلي، يُنتظر من الإعلام الفلسطيني أن يواجه هذا الدور، لا أن ينساق خلفه، أو أن يكون أحد أدواته، وأن يقدم هو، أيضاً، رسالةً تتضمن رؤيةً فلسطينيةً مستقلةً، لما يمكن أن يقدمه الإعلام الفلسطيني لصالح القضية، فرسالة الطرفين لا يمكن أن تكون واحدةً.

من المهم البقاء على اطلاع بما ينشر على المواقع الإسرائيلية، من باب معرفة العدو، لكن المطلوب من الإعلام الفلسطيني هو التحليل والتفكير، قبل نشر أي مادةٍ صحفية منقولة عنه، تجنباً للوقوع في فخ الدعاية الإسرائيلية، وترويجها في وسائل الإعلام الفلسطينية، لكي لا يكون سُماً إسرائيلياً مدسوساً في العسل الفلسطيني.

0C735959-D6E9-48C8-8328-E576722ED3DB
0C735959-D6E9-48C8-8328-E576722ED3DB
مالك أبو عريش (فلسطين)
مالك أبو عريش (فلسطين)