الوصفة المكيافيلية

17 يوليو 2015
تمثال ميكيافيلّي في متحف "أوفيزي"/ إيطاليا
+ الخط -

يشير الدكتور لويس عوض إلى أن أول كِتاب فكري ترجم إلى اللغة العربية، في العصر الحديث، هو كتاب "الأمير" لمكيافيلي، عام 1825 وقد ترجمه السوري رفائيل زخور، الذي كان يعمل مدرّساً ومترجماً في مدرسة الطب التي أنشأها محمد علي باشا في "أبو زعبل".

لماذا اختير هذا الكِتاب للترجمة؟ ومن الذي اختاره؟ في الفقرة التي يذكر فيها عوض المعلومة الخاصة بترجمة الكِتاب، يضيف أن القنصل الإنجليزي في مصر أوصى بترجمة الكِتاب إلى التركية أيضاً، كي يهديه إلى الباشا محمد علي.

وبناء على هذا، من المحتمل أن يكون هو أيضاً مَن أوصى بالترجمة العربية. الطريف في الأمر أن الكِتاب لم يطبع، ولم يوزّع، وإنما بقي مخطوطاً، ما يدل على أن الغاية من ترجمته تكمن في إرشاد "الأمير" أو الباشا إلى أساليب الحكم كما تضمنها مؤلّف مكيافيلي.

وللكاتب سمعة سيئة لدى الناس أكثر من الكِتاب، ذلك أن المبدأ الذي أشيع أنه قد دعمه بقوة: "الغاية تبرر الوسيلة"، وهو المبدأ الذي يدعوه تاريخ الفكر باسم "المكيافيلية"، تسبّب بكثير من الأهوال والمآسي للبشرية، منذ أن اعتنقه الحكام، وأفسد حياة الملايين من البشر حين أضحى قاعدة أخلاقية لدى الأفراد المؤمنين بهذه الفكرة.

وهناك قلّة من الناس ممن ترى لديهم الرغبة أو الحافز لقراءة الكتاب بعد أن يعلموا أنه كتب أصلاً ليكون دليل عمل للحكام المستبدين (أُهدي الكِتاب إلى الأمير الفلورنسي لورنزو الملقب بالعظيم) من جهة، وأنه صار في ما بعد رفيقاً لكل انتهازي ووصولي في كل العصور والأماكن من جهة ثانية.

يحفل التاريخ العربي التالي بأشكال الحكم التي احتذت تعاليم الكتاب، بل إن المنطقة بأسرها لم تشهد طوال تاريخها سوى أولئك الذين استقوا تعاليم الحكم، أو مارسوا سلطة الحكم وفق الوصفة المكيافيلية.

فمن أين وصلت إليهم هذه التعليمات إذا كان الباشا قد احتفظ بها لنفسه؟ خاصة أن الكِتاب لم يترجم إلى العربية مرة ثانية إلا في الربع الأخير من القرن العشرين حسب علمي.

هل سرّب القيمون على "دار الكتب المصرية"، حيث توجد المخطوطة (وفق ما ذكر لويس عوض)، أو أي دار أخرى لحفظ المخطوطات، إلى السلطات الحاكمة التي توالت على حكم مصر من بعده فحوى النصائح والإرشادات المكيافيلية؟

سوف يكون هذا مناسباً لكتابة رواية تقتفي آثار الأوراق المترجمة التي تم نسخها، ثم بيعت أو منحت أو أهديت لرجال الحكم العرب في جميع الدول، خصوصا أن التراث العربي يمكن أن يمنح المقولة المكيافيلية ضوءاً أخضر للمرور إلى الذهنية المحلية عبر القاعدة الفقهية التي تقول إن: "الضرورات تبيح المحظورات". ولكن هل يحتاج الحاكم المستبد إلى النصائح المكيافيلية؟

هذا مستبعد تماماً، فقد نفّذ محمد علي باشا المذبحة الشهيرة ضد المماليك قبل أن يترجم الكِتاب بأكثر من عشر سنوات، ويمكن لأي إحصاء بسيط أن يبيّن لنا أن للاستبداد طبائع تجعله مستقلاً عن نصائح المستشارين، وهو ما لخصه سعد الله ونوس بكلمتين: الملك هو الملك.

دلالات
المساهمون