الهدنة طريقاً للانتصار

17 سبتمبر 2015
لا بد من هدنة (مواقع التواصل)
+ الخط -

فى أعقاب هزيمة 1967 التي منيت بها القوات المصرية والسورية والأردنية، بدأت في مصر ما تسمى حرب الاستنزاف، استنزاف عدو مصر والعرب والمسلمين القوي الذي خرج من توّه من انتصار ضخم سحق فيه كل القوات المعادية له، استمرت هذه الحرب ألف يوم تمكن خلالها الجيش المصرى من الانتقال من وضع الصمود، وهو صمود ما تبقى من القوات المنسحبة على الضفة الغربية لقناة السويس لمنع القوات الإسرائيلية من العبور إلى الضفة الأخرى للقناة، واحتلالها للمدن المصرية الأخرى، ثم الانتقال إلى وضع الدفاع وذلك بعد وصول المزيد من المعدات والأسلحة من الاتحاد السوفييتي، وعودة القوات المصرية من اليمن، ثم الدفاع النشط، وهو مهاجمة القوات المحتلة والإغارة عليها في الضفة الشرقية للقناة.


لم يتم استنزاف إسرائيل وحدها خلال هذه الحرب، ولكن أيضاً تم استنزاف مصر، فقد أدت هذه الحرب إلى تهجير سكان مدن القناة وتدمير عدد من المصانع الهامة، مثل مصانع الحديد ومصافي البترول، وقصف المنشآت المدنية مثل المدارس، بحجة وجود مخازن أسلحة أسفل منها، وذلك رداً على العمليات المصرية ضد الجيش الإسرائيلي في قناة السويس.

كانت القيادة السياسة في حاجة إلى هدنة لوقف إطلاق النار، ذلك أن الهدف من حرب الاستنزاف قد تحقق، وهو استنزاف العدو ورفع تكلفة احتلاله لسيناء، وفي جعل الجنود أجرأ على مهاجمة العدو -أو تطعيم القوات كما يسميها العسكريون المصريون- الذي هزمها في عدة معارك حتى صدق الدعاية الإسرائيلية بأنه جيش لا يقهر.

جاءت مبادرة وليم روجرز، وزير الخارجية الأميركى، في ذلك الوقت، لإيقاف هذه الحرب، والتي استمرت قرابة ألف يوم، وقد وافق عليها الرئيس جمال عبد الناصر، بعد أن أخذ رأي محمد فوزي، وزير الحربية، والذي كان في حاجة إلى هدنة مدة 60 يوماً، حتى يتمكن من استكمال ونقل حائط الصواريخ إلى جبهة قناة السويس، وبالطبع تمت مهاجمة القياده السياسية لقبولها الهدنة، لكنها كانت هدنة لنصر كبير تحقق في 6 أكتوبر 1973.

إنني بلا شك لن أشبه السيسي ونظامه بإسرائيل، فهو أشد لعنة منها، لأنه في نهاية المطاف من بني جلدتنا، عدو داخلي، ليس عدوا واضحا يسهل التعامل معه كالأعداء الخارجيين، فنظام الجنرال يستخدم نفس أساليب عدونا الدائم من عمليات تصفية واغتيال واعتقال لمدد طويلة بدون تهمة أو إدانه واضحة، مثل الاعتقال الإداري في فلسطين المحتلة والحصار الاقتصادي لمعارضيه بمصادرة أموالهم والتشويه الإعلامي لهم.

لا يخفى على أحد حجم الدعم الذى يتلقاه النظام من الداخل والخارج على حد سواء، فداخلياً يحظى النظام بدعم الجيش والشرطة وأجهزة الاستخبارات المختلفة، والقضاء والإعلام، بالاضافة إلى طبقة رجال الأعمال الذين يسيطرون على الثروة والإعلام، وكذلك طائفة دينية تقدر  بـ10% من الشعب، وقرابة ستة ملايين موظف في القطاع العام، وفئة استطاع الإعلام تزييف وعيها، وهي فئة ليست بالقليلة، أما خارجياً فهو مدعوم من إسرائيل ودول الخليج الثرية، وقد رد النظام على هذا الدعم بإرسال جنود من الجيش المصري إلى اليمن للمشاركة في القتال، إلى جانب القوات المدعومة من دول الخليج بالإضافة إلى أميركا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا وروسيا والصين، وهي دول متصدرة للمشهد الدولي ولاتخاذ القرار في العالم، وبناءً على ما سبق فهو في وضع قوة وسيطرة، لا يجب على أحد أن يغفل عنها أو يقلل من شأنها.

فى حين أن معارضى هذا النظام قد تم استنزافهم بشكل كبير وتم إضعافهم وسحقهم، كما تم استنزاف الشعب أيضاً على مدار السنوات السابقه بعد ثورة 25 يناير، فهذه القوى مشتتة وممزقة ومرهقة، وتحتاج إلى هدنة للتفكير واستخلاص العبر مما حصل وإعادة ترتيب أولوياتها، وبناء نفسها على أسس جديدة، حتى تصل إلى مرحلة النضج التي تمكنها من فرض خطاب التغيير والحداثة داخل المجتمع المصري.

فهذا النظام رغم كل مظاهر القوة التي ذكرناها آنفاً، فقد استطاعت هذه القوى المعارضة، رغم ضعفها من استنزافه بشكل أو بآخر على مدار العامين السابقين، وبالأخص جماعة الإخوان المسلمين، فهو يعاني من الخواء الفكري في كل شيء، فيما عدا العنف الأمنى والاستبداد الفكري والسلطوي، وعليه فإنه لا بد من هدنة مع هذا النظام فى الوقت الحالى، هدنة تمهد لانتصار كبير، انتصار يعيد الحقوق لأصحابها هدنة تتضمن إخراج كافة المعتقلين من كافة التيارات السياسية، وإيقاف الحملة الإعلامية لشيطنة المعارضين، والتوقف عن المطاردة الأمنية للناشطين السياسيين، وإعادة الجمعيات الخيرية والمدارس والأموال المصادرة، وتوفير معاش مناسب للمصابين وأهالي الشهداء، وإلغاء كافة القوانين التي تقيد حركة المجتمع، مثل قانون الإرهاب وقانون التظاهر، وغيرها من القوانين الاستبدادية، وإعادة فتح القنوات والصحف المغلقة، كل ذلك في مقابل إلغاء كافة التحركات في الداخل ضد النظام والانسحاب من المشهد، ووضع النظام فى مواجهة مباشرة مع الشعب، نتيجة فشله المتوقع في تلبية حاجات الشعب ورغباته، وتمهيداً لخروج آخر ينهي هذه الفترة حالكة السواد من تاريخنا.

(مصر)

المساهمون