النفخ في نار المذهبية

01 يوليو 2015
يُكرر "زعماء المسيحيين" أخطاء قديمة (أرشيف)
+ الخط -
من يراقب الحوارات الدائرة بين الأحزاب المسيحيّة في لبنان، يشعر لوهلة أن لبنان يعيش في ظلّ نظام سياسي متماسك، واقتصاده ينمو بشكل ثابت، ولا توجد حرب على حدوده الشمالية والشرقية، ولا نحو مليون ونصف مليون لاجئ داخل حدوده. بعد سنة وشهر على الفراغ في رئاسة الجمهوريّة، وتمديد ولاية مجلس النواب المعطّل بسبب امتناع نواب الأحزاب المسيحيّة عن المشاركة، بسبب شغور موقع الرئاسة، وتعطيل الحكومة منذ شهر، يخرج علينا تكتل التغيير والإصلاح، وهو التكتل المسيحي الأكبر، باقتراح إجراء استطلاع رأي بين المسيحيين لتحديد "أقوى" ممثليْن للمسيحيين، أي أكثرهما تمثيلاً. ويُضيف العونيّون أنهم يُريدون من "الشركاء في الوطن" انتخاب أحد هذين السياسيين ميشال عون وسمير جعجع رئيساً للجمهورية، ومنع أي آخر من حق الترشح للرئاسة.

هذا هو جوهر مبادرة النائب ميشال عون، الذي يُهدد بتغيير النظام السياسي فيما لو لم توافق الكتل السياسيّة الأخرى على اقتراحه. لم يستطع عون خلال سنة ونيف إقناع الاخرين بانتخابه رئيساً، لكنه يُهدد بتغيير النظام السياسي! واقع الأمر أنّ ما سبق أشبه إلى الكوميديا السوداء منه إلى الواقع.

أسوأ ما في هذه الطروحات أنها تُساق جميعاً تحت عنوان حماية حقوق المسيحيين في لبنان. وكأن تعديلاً ما في موازين القوى والديموغرافيا أعاد "للمسيحيين" سلطة وسطوة خسروها منذ قرارهم السير بالحرب الأهليّة، لمنع أي تعديل بنيوي على النظامين السياسي والاقتصادي عام 1975. انتهت الحرب بخسارة فادحة للمسيحيين. اليوم، يُكرر "زعماء المسيحيين" خطأً مشابهاً. يُغامرون بضرب النظام السياسي، عبر السعي للحصول على مكتسبات شخصية. وما امتناع نواب التيار الوطني الحر (يُساندهم حزب الله) عن الحضور إلى مجلس النواب لانتخاب رئيس، إلا إذ توافق الجميع على شخص عون، إلا دليل على ذلك.

التحولات في المحيط كبيرة. دول تنهار وأخرى تصعد. صراع سني ــ شيعي دخل مرحلته الدموية. ارتفع منسوب العنف لدرجات قصوى. موجات واضحة من "الترانسفير المذهبي" تجتاح المحيط. وبدل أن يكون هاجس "الأحزاب المسيحيّة" الحفاظ على هيكل الدولة من الانهيار، ومنع دخول لبنان في قلب الصراع المذهبي، "ينفخ" هؤلاء في نار هذا الصراع.
دلالات