النظام المصري كمركب أساسي في صفقة القرن

22 فبراير 2020
يبتز النظام المصري الفلسطينيين عبر تحكمه بمعبر رفح(مجدي فتحي/Getty)
+ الخط -
لم تكن فكرة دفع فلسطينيي قطاع غزة نحو سيناء المصرية، وفلسطينيي الضفة الغربية نحو الأردن لتوطينهم كجزء من مخططات إسدال الستار على قضية اللاجئين الفلسطينيين، وليدة السنوات القليلة الماضية، ولم يكن مخطط صفقة القرن الذي أُعلن عنه في واشنطن مطلع العام الحالي هو الأول من نوعه الذي يتناول إمكانية الامتداد الجغرافي أو الاقتصادي أو الصناعي لقطاع غزة نحو سيناء في سياق حل قضية اللاجئين. فقد طرحت الفكرة عام 1955 بعد مشاورات بين الحكومة المصرية التي كانت تدير قطاع غزة، والإدارة الأميركية، ووكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وتم الاتفاق فعلاً على توطين آلاف من الفلسطينيين في حوالي 50 ألف فدان في شمال شرق سيناء كمرحلة أولى، غير أن اندلاع انتفاضة شعبية عارمة في مارس/ آذار 1955 على مستوى قطاع غزة كانت كفيلة بإسقاط المشروع ووأده في مهده.

وقد طرح المشروع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عام 2010 مرة أخرى على الرئيس المصري حسني مبارك، غير أن طلب نتنياهو قوبل بالرفض في حينه، لكن الانقلاب العسكري عام 2013 وسيطرة عبد الفتاح السيسي على مقاليد الأمور فتحا شهية نتنياهو واليمين الصهيوني الحاكم لطرح الفكرة من جديد، مستغلين حاجة السيسي إلى الاعتراف بشرعية انقلابه أمام الغرب، وبحثه المحموم عن تذكرة الدخول إلى البيت الأبيض ونيل الرضى الأميركي، وهو ما لا يتم إلا عبر البوابة الإسرائيلية، ولم يمر وقت طويل حتى ترجم السيسي موقفه عملياً بتصريح لا يقبل التأويل بتأييده صفقة القرن حرفيا خلال لقاء قمة جمعه بالرئيس الأميركي ترامب في البيت الأبيض في إبريل/ نيسان 2017.

كانت مطالب نتنياهو واضحة من السيسي عشية الانقلاب العسكري، وتتلخص في قطع خطوط إمداد المقاومة الفلسطينية عبر الأنفاق الحدودية، والمساهمة في مشروع تصفية القضية الفلسطينية بالانخراط في مخططات توسعة فضاء قطاع غزة الجغرافي وربطه برزمة من المشاريع التي تشمل البنية التحتية، بما فيها مطار وميناء، والطاقة، والمياه، والمدن الصناعية والتجارية. غير أن نظام الانقلاب العسكري بقيادة السيسي كانت تعترضه عقبتان أساسيتان، الأولى تتعلق بالرفض الشعبي والرسمي لأي خطوة تنتقص من السيادة المصرية في شبه جزيرة سيناء، ليس فقط من باب الرفض المطلق للتفريط بالتراب المصري، ولكن أيضاً لمعارضة أي خطة تساهم بشكل مباشر أو غير مباشر في تصفية القضية الفلسطينية، والثانية تتعلق بالوجود السكاني في مدينتي رفح والشيخ زويد، اللتين يفترض أن تكونا فارغتين من السكان لإفساح المجال أما تنفيذ المشاريع الاقتصادية والتنموية الضخمة واستيعاب سكان آخرين من اللاجئين، أو من العمال والتجار والمزارعين والحرفيين (الفلسطينيين).

العقبة الثانية تم حلها تقريباً بتشريد وتهجير سكان مدينتي رفح والشيخ زويد وقراهما، في سياق الحرب التي شرع بها الانقلاب العسكري عام 2013 التي أطلق عليها "الحرب على الإرهاب"، فقد تراجع عدد السكان في المنطقتين من أكثر من 200 ألف نسمة عام 2012 إلى بضعة آلاف عام 2019 يقطنون في قرى متناثرة في جنوب الشيخ زويد ورفح، أما مدينة رفح المصرية والقرى المحيطة بها فقد تمت إزالتها من الوجود بالكامل. طبعاً استخدم الجيش المصري كل أساليب البطش والتنكيل والتضييق على السكان، من قبيل القصف العشوائي واستهداف المدنيين، والاعتقالات والإخفاء القسري، وقطع إمدادات الكهرباء والماء ومنع إدخال المواد الغذائية لأشهر طويلة.

أما العقبة الأولى، وهي عدم قدرة نظام الانقلاب العسكري في مصر على تمرير مخططات يتم التنازل فيها عن جزء من التراب المصري لصالح مشاريع خارجية، فإن الحل المطروح أو الممكن يتمثل في امتداد اقتصادي تنموي صناعي من قطاع غزة نحو شمال شرق سيناء، بادعاء مساعدة الفلسطينيين والتخفيف من معاناتهم دون المساس بالسيادة المصرية، ودون تغيير في الخرائط الجغرافية، بحيث يتم ضم مناطق من شمال شرق سيناء إلى حدود قطاع غزة، وتكمن أهمية ذلك مرحلياً في تخفيف الضغط الاقتصادي عن قطاع غزة المكتظ بالسكان والمحدود الموارد والإمكانات، ورفض إسرائيل تحمل أي مسؤولية إنسانية.

والمتفحص في خريطة المشاريع الاقتصادية المقترح تنفيذها في سيناء والواردة في صفقة القرن، والتي يصل عددها إلى 12 مشروعاً بكلفة إجمالية تصل إلى 9.167 مليارات دولار (3.9 مليارات هي تمويل ذاتي، 917 مليونا منح، 4.3 قروض)، يخرج باستنتاج أن المشاريع وبالإضافة إلى دورها في تشجيع النظام المصري للانخراط في صفقة القرن، فإنها تهدف إلى تغيير واقع قطاع غزة المعيشي والاقتصادي ومستوى الرفاهية، بتأسيس لخطوط تواصل برية تربط قطاع غزة بالخارج من خلال إنشاء مطار وميناء، أو تطوير مطار وميناء العريش لتسهيل حركة الفلسطينيين من قطاع غزة وإليه، وتوفير مجال صناعي وتجاري يعوض عن غيابه في قطاع غزة المحدود جغرافياً ويربط الاقتصاد والسوق في قطاع غزة بالخارج، كما ينهي أو يقلص من الأزمات المستحكمة في القطاع منذ سنوات والتي تتعلق بندرة الموارد المائية، ومحدودية مصادر الطاقة، وانعدام المواد الأولية اللازمة للصناعة. وقد كشفت ورشة المنامة بعنوان "السلام من أجل الازدهار" للترويج للشق الاقتصادي من صفقة القرن، التي عقدت في يونيو/ حزيران 2019، عن أهم المشاريع الخاصة بسيناء قبل الإعلان عنها في وثيقة صفقة القرن، ومن أبرز المشاريع:

- تطوير خطوط النقل والمواصلات، ونقل الطاقة بين مصر وقطاع غزة، على مدى 5 سنوات و3 مراحل، بكلفة تصل إلى 42 مليون دولار، بحيث تتيح للفلسطينيين شراء مختلف أنواع الطاقة بأسعار منافسة، ودعم قدرة مصر على إنتاج الطاقة الكهربائية وتحسين جودة المنتج المورد إلى غزة مع ضمان استمراره.

- إنشاء وتطوير المنطقة الاقتصادية لقناة السويس "منطقة القناة الاقتصادية"، بكلفة تصل إلى نصف مليار دولار لخدمة المصريين والفلسطينيين، وزيادة المشاريع والمصانع والمناطق اللوجستية فيها، وتخصيص نسبة من العمالة فيها للفلسطينيين.

- تطوير ودعم مشاريع البنية التحتية للمياه في سيناء على مرحلتين، في سياق دعم التنمية الاقتصادية الشاملة، بكلفة تصل إلى نصف مليار دولار؛ 125 مليوناً منها عبارة عن منح، و250 مليوناً هي قروض و125 مليوناً بتمويل ذاتي.

- إتاحة الفرصة لإنشاء مشاريع صغيرة ومتوسطة، بكلفة 125 مليون دولار، وعلى مدار عامين من الخطة برعاية "المؤسسة الأميركية للاستثمار الخاص عبر البحار"، على أن يتم توجيه النسبة الأكبر من هذه القروض إلى المشاريع الفلسطينية بمصر.

- توفر فرص عمل للفلسطينيين من خلال المساهمة في تأهيل مناطق صناعية بالأراضي الفلسطينية وسيناء، وإفساح المجال لاستفادة الفلسطينيين من المناطق الصناعية في مصر الخاضعة لنظام "الكويز" (مناطق صناعية محددة معفاة صادراتها من الضرائب الأميركية شرط أن تدخل في تصنيعها مواد أولية إسرائيلية)، ومن خلال توثيق التعاون الصناعي بين مصر والضفة الغربية وغزة وإسرائيل.

وهناك مشاريع أخرى خاصة بتطوير سيناء في سياق رؤية شاملة لإخراج سيناء من سنوات الإهمال والحرب والتدمير التي أصابت بنيتها التحتية، والتي ستنعكس بصورة أو أخرى على واقع قطاع غزة الاقتصادي، وهو الهدف الأهم في مخطط الصفقة الخاص بمصر. ومن هذه المشاريع: تطوير طرق البنية التحتية الخاصة بالنقل والمواصلات، لربط المشروعات الجديدة المزمع إنشاؤها في سيناء، ودعم التجارة الإقليمية، بكلفة نصف مليار دولار، يتم على مرحلتين خلال 5 سنوات. دعم وتطوير مشاريع السياحة في مناطق جنوب سيناء، خاصة التي تقع على ساحل البحر الأحمر، على 3 مراحل خلال 8 سنوات بكلفة نصف مليار دولار.

بالإضافة إلى مشاريع خاصة بمصر لتشجيعها على الانخراط في الصفقة، مثل إنشاء مركز "شرق المتوسط" للطاقة، وهو مركز إقليمي للغاز الطبيعي في مصر للاستفادة من احتياطياتها من الغاز الطبيعي في شرق البحر المتوسط، وتطوير وتحسين جودة شبكات نقل الغاز، والغاز المسال، بالشراكة مع إسرائيل ودول أخرى، وذلك على مدار 5 سنوات بكلفة مليار ونصف مليار دولار.

تماهي نظام الانقلاب العسكري في مصر مع مطالب حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل، ومستوى العلاقات الاستراتيجية بين إدارة ترامب ونظام السيسي، والحالة الاقتصادية والمعيشية المتردية في مصر، وتكاثر الأزمات على مصر وتراجع دورها الإقليمي والدولي، تشي بأن السيسي على استعداد للسير قدماً في مخطط صفقة القرن، خاصة في ظل افتقاده لأي هامش مناورة يقاوم من خلاله الضغوط الأميركية، ومغريات مليارات الدولارات التي ستضخ في البنية التحتية في سيناء، وفي مشاريع الطاقة الخاصة بالغاز والبنية التحتية.
المساهمون