يُدخل الصراع السياسي محافظة نينوى (450 كيلومتراً شمال بغداد)، ولا سيما الموصل، في دوامة مخاطر جديدة باتت تطوقها من كل الاتجاهات، حتى انعكس ذلك على استقرارها بشكل عام. ووسط مناشدات للحكومة بالتدخّل وفرض سلطة الدولة عليها، تواصل الجهات المتصارعة تنفيذ أجنداتها ببسط النفوذ وتحقيق المكاسب السياسية والاقتصادية وفرض الهيمنة على بعض مناطقها، ما جعل المحافظة تواجه تحدياً كبيراً للعودة إلى ما كانت عليه قبل اجتياحها من قبل تنظيم "داعش" صيف 2014.
وقال مسؤول في الحكومة المحلية، طلب عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، إن "المحافظة بعد أن خرجت من سيطرة داعش دخلت في دوامة صراع المليشيات، التي بسطت نفوذها عليها. وفي وقت تستمر فيه أزمة سنجار وسيطرة حزب العمال الكردستاني على المنطقة، وصمت الحكومة إزاء ذلك، تعمل كل جهة سياسية على تنفيذ أجندتها على حساب مصلحة المحافظة". وقال إن "الحكومة المركزية لم تقدّم شيئاً للمحافظة، التي بات مستقبلها مهدداً في ظل الصراعات المستمرة فيها". وأكد أنه "ليست هناك جهة، أو مكوّن في المحافظة، لا يدفع ثمن هذه الأزمات"، مشيراً إلى أنّ "الصراع مستمر، وقد يتسبّب بفتنة ومشاكل داخلية إذا لم يوضع له حد خلال الفترة القريبة".
من جهتها، قالت النائب عن المحافظة نورة البجاري، لـ"العربي الجديد"، إن "الصراع السياسي في المحافظة يطوّق الموصل، وهو صراع من أجل تحقيق المكاسب السياسية والحصول على المناصب في المحافظة"، لافتة إلى أن "المحافظة دخلت أزمات متعاقبة، فهناك مطامع للأكراد في عدد من مناطقها، وصراع بين الحكومة وأربيل، نتائجه سلبية على أهالي تلك المناطق". وأكدت أن "الأزمات لا تنحصر في مسألة الأكراد والحكومة، فهناك سيطرة حزب العمال الكردستاني على سنجار ووجود الحشد الشعبي والحشود المرتبطة به، كالحشود العشائرية وغيرها. كل ذلك انعكس سلباً على استقرار المحافظة وعلى عودة أهاليها النازحين". وأضافت "ناشدنا الحكومة بالتدخل، وبأن تحمي المحافظة من كل ذلك، لكنها قصّرت بشكل كبير في مسؤوليتها"، محذرة من "مغبة ترك المحافظة مفتوحة أمام الأجندات السياسية المتصارعة، والتي تقود المحافظة نحو مستقبل مجهول".
وتعاني مكوّنات المحافظة من نتائج احتدام الصراع، الذي انعكس على عموم مناطقها، فمسيحيو الموصل طالبوا بضمانات حكومية والتدخل لإنهاء الصراع السياسي وإعادة أهلها النازحين، مؤكدين أن الصراع تسبب بأزمة تطهير عرقي للمكون. وقال رئيس كتلة "الرافدين" البرلمانية يونادم كنا إن "الموصل تعاني من أكثر من صراع سياسي فيها، فهناك صراع بين بغداد وأربيل على بعض المناطق، وآخر حول فرض الإرادات في مناطق سهل نينوى، وغيرها من المشاكل المتراكمة"، موضحاً، في تصريح متلفز، أن "أوضاع سهل نينوى تحتاج إلى مراجعة، فهي تعاني من التطهير العرقي، خصوصاً ضد أبناء المكون المسيحي، الذين لم يعد منهم إلى المحافظة سوى واحد في المائة فقط، وفي مناطق تلكيف وباطناي وبرطلا وبحزاني وغيرها". ودعا الحكومة إلى "القيام بدورها في حفظ الموصل، ومنح تطمينات لإعادة أهلها الذين لا يستطيعون العودة في ظل هذه الأجواء غير المستقرة في المحافظة". كما دعا إلى "تشكيل قوة من أبناء المناطق المسيحية تعمل على توفير الحماية الأمنية لمناطقهم"، منتقداً "تجاهل الحكومة لمناشداتنا المستمرة لتشكيل تلك القوة".
وتُعد مطالبات تشكيل القوة الخاصة لكل مكوّن واحدة من النتائج المترتبة على الصراع السياسي، ولها نتائج سلبية خطيرة على المحافظة، كما يرى مراقبون، توقعوا أن يستمر الصراع حتى إجراء انتخابات مجالس المحافظات، المقررة في إبريل/نيسان المقبل. وقال الخبير السياسي عدنان الشجيري، لـ"العربي الجديد"، إن "الجهات المتصارعة على الموصل تعمل وفق أجندات مختلفة، وتسعى لمواصلة بسط نفوذها على المحافظة، إذ إن هناك مكاسب سياسية واقتصادية في الموصل ذات الموقع الاستراتيجي الذي يرتبط بكردستان وتركيا وسورية والمحافظات العراقية الأخرى". وأشار إلى أنّ "هذا الصراع بدأ يتصاعد مع قرب الانتخابات المحلية، والتحضير لها من قبل تلك الجهات"، معتبراً أن "المشكلة تكمن بسعي جهات من خارج المحافظة للسيطرة عليها عبر الترشح إلى الانتخابات المحلية"، مشدداً على أن "المحافظة تحتاج إلى قرارات حكومية حازمة، من خلال منع تسليح الجهات المرتبطة بالأطراف المتصارعة، والعمل على تهيئة أجواء انتخابات محلية مناسبة، وتشكيل حكومة محلية قوية تعمل على بسط سيطرتها، سياسياً وأمنياً، على الموصل".