الموسيقى رزق

13 اغسطس 2015
لماذا قد يحرم المرء من لحن؟ (Getty)
+ الخط -
لطالما اعتقدت أن الموسيقى مثل النار، اكتشفها الإنسان ولم يخترعها.. وما نفعله حقيقة أننا ننصت، ثم نجلب ما يتطابق من هِبات اللحن مع شعورنا، لنرصه بجانب بعضه بعضاً، نعيد ترتيبه، ونفخم بعضه، ونرقق الآخر.. ثم نسميه لحناً.


نستمتع أو نغذي قلوبنا بألحان لازمة أو مترفة، نحصل على ما منعنا أنفسنا منه.. أو منع عنا.. لماذا قد يحرم المرء من لحن؟ ماذا فعل ليعاقب بأن يبدأ يومه مستمعا لطرقعة كيبورد، أو شخير سيارة غاضبة تمر بجانبه، وينهي يومه بأذن مرهقة وروح مبعثرة الألحان، وقلب ضجر بلا لحن يجمع شتاته.

نعم هربنا من صوت الطبيعة التي كانت تكلمنا، اختبأنا في ممالكنا المصطنعة، وصرنا نستورد الألحان لنعوض الفقد.. ستعلمون كم نحن فقراء للحن حين لا نسمع للأشياء صوتا، ولا نفهم أن للصوت قيمة، ولا يطربنا إلا المصطنع من اللحن.. بتنا نفتقد حتى صمت الصحراء وحكمتها وقحطها في العطاء بلحن ثمنه الصبر والسفر عبرها.

اللحن الجميل رزق.. هو مكافأة قيمة وأجمل الهدايا التي لا تبلى، كانت الألحان رفيقاً بنيت عليه الكثير من الإنجازات ولا أتخيل أن أمسك رواية إلا أن يطابقها لحن أسمعه وأكرره ليدخل في خيال القصة التي تنسج، وبالتالي تتكون الكثير من الذكريات المرتبطة بالخيال.. تلك قيمة من الفن لا تثمن.

وكثيرا ما أتخيل أن الموسيقى هي هبة الله من عالم مواز لعالمنا، ويقف الملهمون على باب هذا العالم منتظرين لأي لحن يتسرب كي ينقلوه لنا، وكل منهم ينقله بشعوره الخاص.

وظهر الملحنون الملهمون، والذين لطالما اعتقدت أنهم ملهمون، برسائل من الله تميزهم، هم فعلياً يحملون ملكة الإنصات للعوالم الخفية في هذا العالم المعقد، معتقدين أن لكل شيء صوتا، وإن كنا لا نسمعه.. يرون لحنا في كل صامت.

يقول جلال الدين الرومي إن "الموسيقى غذاء المحبين". 
أقول لها وقد غابت لحناً واسماً.. أنت لحني المسروق من عالم موازٍ وأنا المستمع الوحيد.. غني لتستمر الحياة.

(فلسطين)
المساهمون