مخيم النصيرات... مجازر مرعبة بأسلحة حرارية وكيميائية

24 يوليو 2024
لا مكان للهروب من مخيم النصيرات رغم القصف (عبد الرحيم الخطيب/ الأناضول)
+ الخط -

يعيش سكان مخيم النصيرات في غزة حالة ترقب وخوف من القصف الإسرائيلي المتكرر له في الأيام الأخيرة، والذي يوحي باعتقادهم برغبة الاحتلال في تدميره. وهم يهربون من القصف الحالي للحظات فقط.

استهدف جيش الاحتلال الإسرائيلي مواقع مدنية ومدارس وتجمعات لنازحين في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة 63 مرة خلال سبعة أيام، وسبّب القصف المتكرر سقوط 91 شهيداً و251 جريحاً، بحسب المكتب الإعلامي الحكومي. وتجدد القصف على شمال شرق المخيم اليوم.
وشمل القصف استخدام الطائرات المقاتلة والدبابات والزوارق الحربية، وطاول المناطق الغربية والشرقية من المخيم، وأيضاً المناطق القريبة من قرية "المغراقة" التي يوجد الاحتلال الإسرائيلي على حدودها منذ إنشاء الشارع رقم 749 في المنطقة، وكذا على طول الحدود الشرقية الممتدة حتى شاطئ بحر غزة.
يزداد خوف المقيمين في مخيم النصيرات من أن ينفذ الاحتلال بعد سلسلة المجازر الأخيرة عملية عسكرية لاقتحام مناطق المخيم، وهو ما فعله قبل اقتحام مناطق أخرى في غزة، علماً أن موقع المخيم حساس، ويوجد الاحتلال في منطقة نيتساريم القريبة من شمال غربي المخيم. كما يقع مخيم البريج في الناحية الشرقية لمخيم النصيرات، وقد نزح منه أيضاً عدد كبير من العائلات بعد تدمير منازلها، وأصبحت أجزاء من حدوده الشرقية ضمن المنطقة العازلة. 
ويصنّف الاحتلال المناطق القريبة من مخيم النصيرات بأنها "حمراء"، ويمنع اقتراب المدنيين منها، وفي جنوب المخيم توجد قرية الزوايدة المكتظة بالنازحين، وبعدها مدينة ومخيم دير البلح، وكلاهما مكتظان بالكامل بالسكان والنازحين، ولا تضمان أي منطقة فارغة يمكن الذهاب إليها.
هكذا يشعر سكان مخيم النصيرات والنازحون أنه لا أمل لهم بهروب آخر من المكان، لأن مخاطر كبيرة تحيط بهم من كل الجهات. 
ونجا كثيرون أخيراً من مجازر إسرائيلية في نقاط عدة جرى استهدافها وسط أماكن التجمّع الكبيرة للنازحين. أحدهم عبد السلام أبو مراحيل (45 سنة)، والذي عايش ثلاث مجازر إسرائيلية كان آخرها في مدرسة الرازي، حيث أصيب بجروح متوسطة في رأسه.

تعيش عائلة أبو مراحيل منذ النكبة الفلسطينية في مخيم النصيرات، واستقبلت العائلة مئات من النازحين، واستشهد 8 من أفرادها، من بينهم ثلاثة أطفال وسيدتان في المجازر الإسرائيلية الأخيرة. يقول لـ"العربي الجديد": "لا مفر أمام سكان المخيم إلا تنفيذ عمليات إخلاء مؤقتة عبر الخروج إلى الشوارع حتى انتهاء القصف، ثم يعودون إليها. هجّرت المجازر الإسرائيلية في يونيو/ حزيران الماضي، كثيرين، باتجاه الجنوب نحو قرية الزوايدة، أو مدينة دير البلح ومخيمها، أو حتى منطقة المواصي، لكن لم تتبق أيّ أماكن يمكن اللجوء إليها، لذا يحاول الناس أخذ الحذر من مخاطر القصف، لكنهم يضطرون أيضاً إلى العودة إلى الأماكن نفسها التي تعرضت للقصف".
يتابع أبو مراحيل: "تعرضت للإصابة رغم محاولاتي الدائمة ألا أكون في وسط الاكتظاظ، وقضى عدد من أفراد عائلتي شهداء، ومن بين أفراد العائلة نازحون من مدينة غزة وشمالي القطاع. لا مكان آمناً في المخيم، حتى لو كان تحت الأرض، فقد قصف الاحتلال الإسرائيلي العديد من منازل المخيم بصواريخ ضخمة وصلت حتى إلى تدمير الأساسات، كما أحدثت حرائق كبيرة".

تحت القصف الإسرائيلي (إياد بابا/ فرانس برس)
تحت القصف الإسرائيلي (إياد البابا/ فرانس برس)

ويعاني سكان مخيم النصيرات من أجل تأمين الاحتياجات الغذائية ومياه الشرب، في حين باتت نقاط الحصول على الغذاء والمياه محدودة، والغالبية منها بعيدة عن أماكن التجمّعات والمدارس، كما تقلّص وصول المساعدات إلى المخيم في الأيام الأخيرة نتيجة الاستهداف المتواصل الذي دفع عدداً من المؤسسات الدولية إلى تقليل أيام إيصال المساعدات خوفاً من التعرّض للقصف، أو تعرض العاملين معها إلى الاستهداف.
ويمكث عدد من سكان المخيم في منازل رديئة مكونة من أسقف أسبستية، خصوصاً داخل المخيم رقم 1 والمخيم رقم 2، وتضرر بعض هذه المنازل خلال المجازر الإسرائيلية الأخيرة، وتطايرت أسقف منازل أخرى نتيجة القوة التدميرية للقصف، وهذا ما حصل لمنزل علي مبروك (50 سنة) الذين كان يضم 50 فرداً من أقاربه النازحين.
بعد القصف الإسرائيلي تطايرت أسقف المنزل الأسبستية، وأصيب 15 فرداً، معظمهم من الأطفال، نتيجة تطاير الشظايا، ويؤكد مبروك أن عدداً من سكان منطقة المخيم رقم 2 هم من الأسر الأشد فقراً، وبعض المنازل عمرها أكثر من 40 عاماً، وورثها الأبناء من الآباء والأجداد، وأن ظروف السكان صعبة في ظل انعدام فرص العمل والحصار الإسرائيلي اللذين أثّرا عليهم.

فاجعة بعد أخرى (عبد الرحيم الخطيب/ الأناضول)
فاجعة بعد أخرى (عبد الرحيم الخطيب/ الأناضول)

يقول لـ"العربي الجديد": "أصبح مخيم النصيرات مكتظاً أكثر من أي وقت مضى، وبعد العملية العسكرية على مدينة رفح عاد كثيرون من أقاربنا النازحين لأن الطريق كانت مسدودة أمامهم إلى منطقة المواصي ومدينة دير البلح، كما أنهم لا يملكون خياماً ولا أي شيء. في بعض الأيام نخرج منذ الصباح للبحث عن الطعام، ونشتري بعضه بصعوبة في حال توفر المال، وفي أوقات أخرى نقف لساعات طويلة حتى نحصل على مساعدات غذائية، ويحصل خلال ذلك شجارات أحياناً".
يضيف مبروك: "أصلحت جزءاً من سقف المنزل، لكنني لا أعرف إلى متى سنجلس جميعاً، نساءً ورجالاً وأطفالاً، في غرفة واحدة تحمينا من حرارة النهار، ثم نقضي ليلتنا في غرفة من دون سقف. نعيش في خوف كبير من التعرّض لقصف إسرائيلي جديد".
من جانبه، عاد محمد الرفاعي (48 سنة) إلى مدرسة الرازي بعدما دمّرها الاحتلال في 17 يوليو/ تموز الجاري في مجزرة راح ضحيتها 23 شهيداً وأكثر من 75 جريحاً، وذلك بعد أن قضى عدة ليال متنقلاً بين عدد من المنازل، والتي أمضى في بعضها ليلة أو ليلتين، ثم عجز عن إيجاد مكان ليبقى فيه مع أسرته التي تضم سبعة أفراد، فقرر العودة للمكوث في أحد فصول المدرسة التي تحطمت أبوابها ونوافذها نتيجة المجزرة.
يقول الرفاعي لـ"العربي الجديد": "لا أعرف إلى أين أذهب. أصبح مخيم النصيرات مكاناً مرعباً، وتحصل كل يوم مجزرة فيه، ويتعرض لقصف متواصل. أجريت بعض الاتصالات، ويبحث إخوتي عن مكان بديل لي، لكن لا يوجد شيء، وأنا مضطر إلى البقاء هنا بأمل عدم قصف ما تبقى من المدرسة حيث يوجد مئات الآن".
وفي حديث سابق لـ"العربي الجديد"، قال المتحدث باسم الدفاع المدني، محمود بصل، لـ"العربي الجديد"، إن "تكرار المجازر الإسرائيلية وتقييم الوضع يعطي دليلاً على إمكانية الاستهداف المباشر للمدنيين في قلب المدارس، إذ ينتقم الاحتلال من النازحين الموجودين فيها. بطبيعة الحال، لا يمكن للغزيين البقاء في مكان يشتبه بأنه عسكري أو خطير، وهو ما يضعف الرواية التي يروج لها الاحتلال، وهي أن المدارس تضم أهدافاً عسكرية. أكدت وكالة أونروا مرات أن مدارسها المستهدفة آمنة، علماً أنها تنسّق مع مكتب الأمم المتحدة والجانب الإسرائيلي، وتحرص على تأكيد أنها مناطق إيواء مدنية كي لا تستهدفها إسرائيل".

وأعلن المكتب الإعلامي الحكومي في غزة أن 75% من جرحى مجزرة مدرسة الرازي في المستشفيات مصابون بحروق من جراء استخدام الاحتلال أسلحة حرارية وكيميائية، مشيراً إلى انعدام المساحات الخالية في مخيم النصيرات الذي اعتبر أول مخيمات قطاع غزة التي استقبلت نازحين من المنطقة الشمالية، والذي امتلأت مدارسه بالكامل بالنازحين خلال العدوان.
ويعتبر مخيم النصيرات للاجئين الفلسطينيين أحد أكثر مخيمات قطاع غزة المأهولة بالسكان، ويسكنه نحو 300 ألف مواطن فلسطيني، وقال المكتب الإعلامي الحكومي إن الهجمات الإسرائيلية تشن من دون مراعاة حال الاكتظاظ داخل المخيم، مع تعمّد قصف الأحياء والمنازل المأهولة بالسكان، والعمارات والأبراج السكنية من أجل إيقاع أكبر عدد من الشهداء والإصابات.
وقد قصفت 14 مدرسة تابعة لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" داخل المخيم منذ بدء العدوان الإسرائيلي. وتفيد بيانات "أونروا" بأن مخيم النصيرات، وهو المخيم الأكبر في وسط قطاع غزة على صعيد المساحة وعدد اللاجئين، ويضم 17 مبنى للوكالة، منها 15 مدرسة، وكلها مكتظة بالنازحين من عدة مناطق في القطاع، كما أنّ هناك اكتظاظاً كبيراً أمام المركزين الصحيين التابعين لها في المخيم، واللذين يستقبلان خمسة أضعاف طاقتهما الاستيعابية مقارنة بأوضاع ما قبل العدوان الإسرائيلي.

المساهمون