وأكد سكان مناطق تقع بالحزام الشمالي والغربي والجنوبي للعاصمة بغداد تعرضهم لتهديدات من قبل مليشيات مسلحة، توعّدتهم بالقتل إن لم يغادروا مناطقهم، ممهلة بعض القرى 24 ساعة.
وتقول مصادر من السكان إن مسلحي المليشيات انتشروا بكثافة في محيط مناطقهم قادمين من محافظات أخرى نحو العاصمة بغداد، منذ يوم الجمعة الماضي، وأنهم يتخذون من معركة الفلوجة ذريعة لممارسة أفعال بعيدة عن طبيعة المعركة.
وكان رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، قد أعلن في وقت مبكر من يوم الاثنين الماضي، عن انطلاق العمليات العسكرية لتحرير مدينة الفلوجة، موضحاً أن "معركة تحرير الفلوجة يشارك فيها الجيش العراقي وقوات الحشد الشعبي (مليشيات مسلحة) والشرطة الاتحادية وجهاز مكافحة الإرهاب، والحشد العشائري (متطوعون من القبائل) في محافظة الأنبار".
وكشف مواطنون من سكان قرى في شمالي بغداد عن أنهم تلقوا تهديدات بالقتل من قبل المليشيات. وصرح هيثم العزاوي، الذي تلقى تهديداً يحذره من البقاء في منزله وإلا سيقتل هو وعائلته: "كان ذلك كافياً لأن أغادر وعائلتي منزلنا"، مشيرا، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن "قدوم المليشيات إلى مناطقنا ليس جديداً، سبق أن تم اعتقال وقتل شباب من قرانا من قبل المليشيات، ونعلم جديتهم في تنفيذ التهديدات، لذلك غادرنا منازلنا".
واتجه العزاوي وعدد من عوائل قرى ناحية الراشدية، الأحد الماضي، نحو أحياء في بغداد، حيث يقطن أقارب لهم، إذ يسكنون معهم بشكل مؤقت حتى يجدوا مكاناً جديداً، فيما فضّل آخرون النزوح نحو محافظات إقليم كردستان، شمالي العراق.
الحال نفسه تكرر في قرى تقع بمناطق جنوبي وغربي بغداد، حيث تعرض سكانها في مرات عديدة منذ غزو العراق في 2003 إلى اعتداءات وعمليات تهجير واعتقال وقتل على يد المليشيات خاصة.
يروي جاسم الجنابي، الذي يسكن حي الغزالية ببغداد، أن أبناء عمومته الذين يسكنون قضاء اليوسفية، جنوبي العاصمة، لجأوا إليه هرباً من القتل، بسبب تهديد المليشيات لهم، مطلع الأسبوع الحالي.
وقال الجنابي، لـ"العربي الجديد"، إنه "سبق للمليشيات أن اعتقلت ثلاثة شبان من أبناء عمومتي وقتلتهم، وداهمت منازلهم مرات عديدة، ونحن متيقنون من أن هذه الممارسات تهدف إلى إحداث تغييرات ديموغرافية بالعاصمة، لا سيما في المناطق المحيطة بها"، مؤكدا أن "الجهات الداعمة للمليشيات معروفة، وقد نجحت في تشريد مئات العوائل من قراهم التي كانت تسكن فيها منذ سنين طويلة، وجعلتها خاضعة لسيطرتها".
وبحسب طه الحسن، وهو من سكان ناحية الطارمية، فإن المليشيات "استغلت التحركات والتحشيدات العسكرية لمعركة الفلوجة قبل أسبوع من انطلاقها، وانتشرت في محيط وداخل مناطق حزام بغداد بداعي ضبط الأمن فيها، ومنع حصول خروقات أمنية من قبل داعش"، مضيفا، لـ"العربي الجديد"، أن "آلاف الدونمات من البساتين المثمرة أحرقت من قبل المليشيات في أوقات سابقة، بداعي تحصّن عناصر داعش داخلها، لكن الغاية واضحة، وهي تخويف أصحابها الذين لم يجد الكثير منهم حلاً سوى مغادرة مناطقهم وبيع أملاكهم بأثمان بخسة".
وبيّن الحسن أن "غالبية الأراضي المحيطة ببغداد يملكها مواطنون سنّة، لا سيما الشمالية والغربية والجنوبية منها، لكن قسماً كبيراً منها صار اليوم يعود لمواطنين شيعة. هذه حقيقة علينا أن نذكرها، ولست أتحدث من منطلق طائفي"، بحسب تأكيده.
وأوضح المتحدث ذاته أن "أكثر مَن تم تهديدهم هم مِن أصحاب الأملاك، الذين يملكون مساحات واسعة من البساتين المثمرة والأراضي الزراعية الجيدة، وبعد تهديدهم واعتقال أبنائهم وقتلهم يجدون أن لا مجال أمامهم سوى هجرة مناطقهم وأملاكهم، وحينها يعرض عليهم شراؤها"، كاشفاً أنه "وتحت ضغط الظروف الصعبة، يضطرون إلى بيعها بأثمان بخسة، والمشتري دائماً يكون جاهزاً، وهو من أصحاب رؤوس الأموال الذين يرتبطون بعلاقات مع المليشيات".
يشار إلى أن أعداداً كبيرة من المليشيات المسلحة احتشدت في مناطق مختلفة من العاصمة العراقية، بعد أن بدأت بالدخول إليها منذ السبت الماضي.
ووفقاً لشهود عيان، وصلت إلى العاصمة العراقية أرتال من مليشيات مختلفة قادمة من محافظات العراق الشمالية والجنوبية والوسطى، بعضها انضم إلى مليشيات أخرى في محيط العاصمة، وشاركت في عمليات مداهمة لبعض القرى في أطراف بغداد الشمالية والجنوبية والغربية، في محاولة لقطع الطريق على "داعش" في حال تحرك لتنفيذ أعمال مسلحة، مستغلاً انشغال القوات الأمنية بمعركة "تحرير الفلوجة"، وهو ما أكده قياديون وعناصر من المليشيات لـ"العربي الجديد".
كما استقرت أعداد أخرى من المليشيات في مناطق من بغداد، فيما ذهب قسم كبير منها إلى وسط العاصمة، قريباً من المنطقة الخضراء، التي تحوي مباني الحكومة العراقية، وكبرى السفارات الأجنبية.