المعضلة الفنزويلية

27 يناير 2019
+ الخط -
خلال أيام قليلة، احتلت فنزويلا صدارة الاهتمام العالمي، بعدما تحولت فجأة، ومن دون سابق إنذار أو تمهيد، إلى دولةٍ برأسين، إثر إعلان رئيس البرلمان، خوان غوايدو، نفسه رئيساً للبلاد، على الرغم من وجود الرئيس الحالي، نيكولاس مادورو، وممارسته صلاحيته في ظل ظروفٍ كارثيةٍ تعيشها البلاد، على الصعيد الاقتصادي تحديداً. شيئاً فشيئاً، بدا أن خطوة رئيس البرلمان، والتي لاقت أصداءً مؤيدةً ومعارضةً في الداخل الفنزويلي، منسّقة بشكلٍ شبه كامل مع الإدارة الأميركية التي لم تتأخر في الاعتراف به رئيساً شرعياً للبلاد، وهو ما حذت حذوه دولٌ محيطةٌ بفنزويلا، لكنها باتت تسير في الركب الأميركي في الآونة الأخيرة، وخصوصاً البرازيل مع حاكمها اليميني الجديد جائير بولسونارو. الأزمة تبدو في بدايتها، وتخطت تداعياتها الداخل الفنزويلي، لتقترب من مواجهة دولية، بعد الرفض الروسي إعلان رئيس البرلمان، والتحذير الأميركي من وضع "كل الخيارات على الطاولة"، ما أعاد إلى الأذهان أزمة الصواريخ الكوبية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي في ستينيات القرن الماضي، والتي كادت أن تؤدي إلى حربٍ نووية. من المؤكّد أن المواجهة الدولية الحالية في فنزويلا لن تصل إلى هذا الحد، غير أنها في طور من التصاعد في الأيام المقبلة.
لكن السؤال الأساس الذي يطرح نفسه اليوم: ما الذي أوصل البلاد إلى هذه الحال من الفوضى السياسية والاقتصادية التي أحدثت هذا الانقسام الكبير في الداخل، إضافة إلى المعدلات غير المسبوقة من الفقر؟ لا يمكن أن يكون الأمر مرتبطاً فقط بالعقوبات الأميركية المفروضة على فنزويلا، خصوصاً أن تجارب دولٍ كثيرة مع مثل هذه العقوبات، لم تفض إلى الحال التي هي عليه البلاد اليوم، ولا سيما أنها تمتلك احتياطياً نفطياً كبيراً، ومفتوحةٌ على أسواق قادرة عبرها على تصريف الإنتاج، حتى في ظل الحصار الأميركي. يمكن الإشارة إلى النموذجين، الإيراني والكوري الشمالي، على سبيل المثال، واللذين يعانيان منذ عقود من حصارٍ خانق، غير أنهما تمكّنا، إلى حد ما، من الإبقاء على حدٍّ أدنى من الثبات الاقتصادي، مشفوعاً بقبضةٍ حديدية داخلية، وهو أمر موجود أيضاً اليوم في فنزويلا، وبدرجةٍ قد لا تختلف كثيراً عن الأنظمة الشمولية الأخرى.
واضحٌ أن هناك درجة كبيرة من سوء الإدارة الداخلية، ومستوى عالياً من الفساد، وخصوصاً في ظل رئيس غير متمرّس في الحكم، ويعتمد على الخطاب الشعبوي الذي يحاول فيه تقليد سلفه هوغو تشافيز، مع الفارق الكبير بين الرجلين. سوء إدارة المواجهة مع الولايات المتحدة، وقضايا الفساد التي تم الكشف عنها في الداخل الفنزويلي، ووصلت إلى قياداتٍ في الجيش، أوجدا تضخماً وفقراً لم تتمكن الإجراءات الحكومية من مواجهتهما، خصوصاً أنها جاءت اعتباطيةً، وغير مرتكزة لأي دراسات اقتصادية حقيقية، ولا سيما في قضية تغيير العملة وربطها بعملةٍ رقميةٍ غير موثوقة. هذا الحال في البلاد أدّى إلى موجات لجوءٍ كبيرة على الدول المحيطة، وخصوصاً كولومبيا، وهو قد يكون أحد تفسيرات مسارعة هذه الدول إلى الاعتراف بـ "الرئيس الجديد" في محاولةٍ للحد من الأزمة.
في المقابل، هل سيكون خوان غوايدو الذي نصّب نفسه رئيساً فعلاً هو الحل بالنسبة إلى الفنزويليين، وهو الذي يسير في ركب المد اليميني في القارة الأميركية الجنوبية؟ لا توحي التجارب التي تعيشها الدول المحيطة بذلك، تحديداً على المستوى الاقتصادي، ولا سيما أنها تعتبر الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، ملهماً، وتسير على هدي خطواته الرأسمالية. ما فعلته هذه التجارب هو إعادة أميركا الجنوبية، لتكون ساحة خلفية للولايات المتحدة، وهو ما تريد واشنطن استكماله عبر فنزويلا.
هي معضلةٌ فنزويليةٌ أن تكون بين خياري نظام شمولي فاسد وقمعي، وآخر يميني يغذّي التمدّد الرأسمالي والأفكار الفاشية.
حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب مدير قطاع الإعلام في فضاءات ميديا، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".