المرأة السورية وجرائم النظام وداعش
نعيش في القرن الواحد والعشرين، فيما تعود بنا انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان إلى عصور ماضية، وسمت بالظلم والاستعباد والاسترقاق، كنا نقرأ عنها في كتب التاريخ فقط. وأن تتعرض نساء في هذا العصر للسبي والبيع، وأن تتعرضن للاعتقال والتعذيب والحرمان من أبسط الحقوق الإنسانية، فهذا واقع صادم، وأمام مرأى كل العالم والمنظمات الحقوقية والدولية. ويقترف ذلك كله وغيره طرفان مجرمان، هما النظام السوري وتنظيم داعش.
هناك ملف المعتقلين في سورية، وهو ملف جارح للإنسانية، ومؤلم لكل صاحب ضمير حي في العالم، ولا يمكن لأي جهة أن تقول إنه لا يتطلب تحركاً عاجلاً لايقاف معاناة آلاف البشر، خصوصاً بعد الصور التي تسربت عن أقبية النظام السوري، لجثث المعتقلين الذين توفوا تحت التعذيب، ورصدت 11 ألفا من الضحايا في محافظة واحدة، وتضاف إليها أسماء الغائبين في سجون الموت يومياً، باعتراف النظام نفسه، والتي تؤكد ارتكاب النظام السوري أبشع الجرائم في حق من يعتقلهم، وفاة عديدين منهم تحت التعذيب في سجونه.
وثمة خصوصيه للمرأة السورية المعتقلة، حيث تتعرض، بحكم كونها امرأة، إلى إساءات بالغة، تصل إلى حد الاغتصاب، وهو ما وقع على بعض المعتقلات، بالإضافة إلى احتجاز أطفالهن، والتسبب بإعاقات دائمة، نتيجة التعذيب والإصابة بأمراض مزمنة، بسبب ظروف صعبة وغير صحية. ويعتبر ملف النساء (والأطفال) المعتقلين في سجون نظام الأسد من أكثر الملفات سخونة وإلحاحاً للتحرك لإطلاق سراحهن، ويمثل اعتقالهن جريمة بشعة، لا يمكن السكوت عنها، ويتطلب تحركاً واسعا من المجتمع الدولي والأمم المتحدة، وإرسال لجنة تحقيق دوليه للكشف على السجون، وعلى حال المعتقلين والمعتقلات وضمان عدم تعذيبهم وتوثيق أسمائهم.
وكانت معتقلات سوريات في سجن عدرا قد أصدرن بياناً يوضح الحالة اللاانسانية التي تمر بها المعتقلات في سجون النظام، وعددهن في هذا السجن وحده نحو 500 معتقلة، بحسب البيان الذي يقول إن بينهن مسنات وحوامل، وتعاني بعضهن من إعاقات، باتت دائمة نتيجة التعذيب في الفروع الأمنية. وتطالب المعتقلات، في البيان، بتسليط الضوء على معاناة السجينات وإيصال الصورة الواضحة عن صورية العفو الرئاسي الذي صدر عن بشار الأسد، والذي لم ينفذ، وتطالبن بدعم مالي وإغاثي لهن، ينقذهن من سوء أحوالهن. كما طالبن بالدّعم الإعلاميّ بأشكاله كافة "وتسليط الضّوء على وضعنا اللاإنسانيّ واللاقانونيّ، إذ أن معظمهنّ تم توقيفهنّ إلى أجلٍ غير مسمّى من قضاة محكمة الإرهاب من دون أيّ مسوّغ قانوني، وتم رفض إخلاء سبيلهنّ من بعض القضاة، إلا من استطعن تقديم مبالغ ماليّة هائلة لا تملك معظمنا القدرة على دفعها". وطالب البيان "بالدّعم الماليّ والقيام بحملات إغاثة للمعتقلات الكثيرات اللواتي تجاوزن السنة في السجن، وما تبع ذلك من ضررٍ جسيم ألحق بعائلاتهنّ وأطفالهنّ، وتقديم المساعدة لعائلاتهن. إذ إن معتقلاتٍ، وخصوصاً اللواتي اعتقلن وأزواجهن، لا زلنَ حتّى وهنّ داخل السّجن يُجمُّعْنَ المبالغ البسيطة التي تصلهنّ من المساعدة ويرسلنها لأطفالهنّ الذين لم يبقَ لهم أي معيل".
ويذكر أن توثيق الاعتقال في سورية من أصعب المهمات التي تقوم بها منظمات حقوقية، مثل مرصد توثيق الانتهاكات والشبكه السورية لحقوق الإنسان ونشطاء حقوقين عديدين، لأن تلك المهام تواجه تحديات عديدة، منها عدم الإبلاغ عن الاعتقال من ذوي المعتقل، وصعوبة الاتصالات بسبب الوضع الأمني في سورية، بالإضافة إلى تغير الحالة يومياً، حيث الاعتقالات مستمرة، ويصعب رصد كل ما يحصل في سورية ضمن كل تلك الظروف.
ومعلوم أن النظام السوري، يقوم يومياً، بعشرات العمليات العسكرية التي تستهدف الأحياء السكنيه بالقصف والتدمير، كما يعاقب مواطنيه بالحرمان من أبسط وسائل الحياة، كالكهرباء والمؤن والخدمات الصحية، ما يسبب ظروفاً شاقة، لا يمكن تحملها، ناهيك عن الظرف اللاإنساني الذي تتعرض لها الأسر، في رحلة النزوح واللجوء، وتحرم، من خلالها، الغذاء الكافي والدفء والعناية والأمان.
أما سبي داعش النساء وبيعهن، فإن هذا التنظيم، يصرح، بكل وقاحة إنه أعاد إحياء السبي، وإنه باع الأسر اليزيدية والنساء والأطفال، أو وهبهن لمقاتليه، ويتفاخر بشرعنة ما يقوم به، وفق فتاوى صدرت عن مشايخه، في عبارات تحمل كماً لا يوصف من الوقاحة، وتبعث على الغثيان، حيث لا يمكن لعاقل متوازن أن يتخيل أن النساء في هذا العصر يتم بيعهن ومنحهن لإرهابيي داعش، في عودة غير محمودة لسلوكيات وصمت بالعار، كان يستعبد فيها الإنسان ويباع ويشرى، قبل انتصارات نضالات الشعوب من أجل تحررها من الرق.
في هذا السياق، أصدر اللوبي النسوي السوري بياناً يستنكر فيه ما أوردته مجلة داعش "دابق" في هذا الشأن، من "محتوى يشير إلى استحقار الإنسان وإذلاله، والعودة بسورية والعراق (وهما مهد لحضارات عريقة متعاقبة) مئات السنين إلى الخلف، فضلاً عن إهانة المرأة وشرعنة سبيها وامتلاكها، وفق ما أوردوا من استفتاء مشايخهم قبل التنفيذ". ودعا اللوبي المنظمات الدولية للتحقيق في الأمر، والضغط من أجل إطلاق سراح النساء والأطفال، وتعويضهم عن معاناتهم وضمان حقوقهم الإنسانية، من منطلق احترام حقوق الإنسان في حرية العبادة وحق الحياة
تأتي جريمة داعش في سياق طويل من الجرائم والانتهاكات التي يريد فيها تكريس رعب في نفوس المدنيين، يظن أنه رعب سيساعد على وقف مواجهته، حيث لا حاضنة شعبية للتنظيم المذكور، ولا لأفكاره في أي مكان حل فيه. ولن تقبل السوريات اللواتي افتتحت أسلافهن، في عشرينيات القرن الماضي، الصالونات الأدبية، وشاركن في الحركة السياسية والثقافية السورية، وفي تأسيس الأحزاب، لن يقبلن أن يصبحن لقمة سائغة لنظام الأسد، أو لأي طرف يريد أن يضعهن في قمقم ويكمم أفواههن، أو ينتقص من حقوقهن. ستتمكن المرأة السورية من هزيمة كل أنواع الاستبداد، وستثور مرات ومرات، من أجل حريتها وكرامتها.