حين يبحث السوريون عن الحياة

08 سبتمبر 2015
+ الخط -
لم يكن المشهد عابراً، أطفال تعوم أجسامهم الميتة على شاطئ، كانوا يريدون أن يصلوا إليه ليعيشوا. 
ليس من السهل على أمّ أن تتجاوز الصورة، لأنها ستولد في وجدانها مقارنات تتعلق بسلامة أطفالها وبنموهم، بصور طفولتهم عندما كانوا بأعمار هؤلاء العابرين إلى الموت. تعلم كيف يضحك الأطفال في مثل هذا العمر، وكيف تحكي عيونهم حكايات البراءة والحب، وتراقب في حروفهم الخارجة، والمتلعثمة، من شفاههم الصغيرة نمو الذكاء، والتعرف إلى المحيط، كيف تلاحق أصابعهم أشعة الشمس، في محاولة عبثية لالتقاط النور، كيف تكون أصوات ضحكاتهم نبضاً لذويهم، وفرحاً لا يوصف ضمن هموم العائلة.
نظرت إلى تلك الصورة، فعجزت عن التعبير عن مشاعر مختلطة، غضب وقرف، حزن عميق، وشعور باليتم وبكل تلك الثكالى في سورية. دهشة من حجم الكارثة التي لم تعرف نهاية لذلك الألم اليومي، ودهشة أكبر من عمق اللامبالاة التي تتجلى في قلق بان كي مون واستياء ساسة العالم، والذي ينتهي بعد دقائق أقل من التي تتطلبها حالة النزاع من الاختناق، ريثما تمتلئ الرئات بالماء، وتعلن الأرواح فراقها أجساداً صغيرة، كان من المفترض أنها نائمة في سرير وثير، وليست طافية على الشواطئ، بعد أن ابتعلها البحر، وابتعلت ماءه المالح.
ليس الحل في أن يرحل كل السوريون من سورية، بحثاً عن الحياة. ولكن، من المنصف أن تتوافر لهم ملاذات آمنة، ريثما يتوقف القتل في بلدهم. ليس الحل في أن تكون هجرة السوريين أصل المشكلة في عيون الأمم المتحده والعالم، لأن العالم يجب أن يدرك أن ثمة موتاً يومياً في سورية، بالقتل والقصف والذبح، وأن هذا العنف يجب أن يتوقف، بإنهاء المسبب وتحقيق الانتقال السياسي نحو دولة حرة كريمة آمنة، تحقق للسوريين الديمقراطية والعدالة والملاذ الآمن، كما ينبغي للأوطان أن تكون بأبسط تعريفاتها.
تعبّر الدول والشعوب عن إنسانيتها، كل بأسلوبه وطريقته الخاصة، فيخرج الألمان بمظاهرات عارمة، للترحيب بالسوريين القادمين الفارّين من الموت إلى بلادهم ينشدون الأمان، بينما لا تجدد دول عربية، تعد من أغنى دول العالم، إقامات السوريين المقيمين لديها، وليس أن تستقبل الفارّين من الموت، مع احترامي الكبير لملايين من العرب المتعاطفين مع السوريين، والذين لا يملكون أدوات التأثير على السياسات الحكومية، ومع تقدير استقبال بعض دول الجوار أعداداً هائلة من البشر، في زمن قصير، ضمن إمكاناتها المحدودة. وقد بثت قناة فرانس 24 تقريراً عن سياسي كويتي يبرّر عدم استقبال اللاجئين السوريين بأنهم مصابون بالتروما والأمراض النفسية. ولذلك، من الخطير دمجهم في المجتمعات التي يفدون إليها. مؤلم ما يقول، إذ نتذكّر مطاعم دمشق وأسواقها التي كانت تغص بالزوار القادمين من بلده، ومن كل الدول العربية، من أجل الترفيه في دمشق، وبين السوريين الذين يتميّزون برحابة الضيافة وخفة الدم والطعام الطيب. تذكّرت هذا، وشعرت بغصة، وكنت أتساءل عن عدد زيارات هذا الشخص إلى سورية.
يستقبل الألمان السوريين بالترحاب، وتلغي حكومتهم قيوداً قانونية تجعل اللجوء صعباً على السوريين في ألمانيا، بينما يضيق الخناق كثيراً، يوماً بعد يوم، على السوريين الذين يعيشون في بعض الدول العربية. ومع التقدير البالغ لحجم المعاناة والضغط الاقتصادي والأمني والخدماتي الذي عانت منه بعض دول الجوار في استقبال ملايين السوريين، إلا أن دولاً أخرى، كان من الممكن أن تخفف مخاطر كثيرة عن السوريين، للتوجه إلى أوروبا، لو أنها استقبلت اللاجئين، أو فتحت الأبواب في وجههم، أو ربما سهلت عليهم إقامات مؤقتة في بلدانها.
لا يريد السوريون أن يهاجروا، وإنما أن يعيشوا بكرامةٍ في بلدهم، وهذا حق لهم، يجب أن يحصلوا عليه بإنهاء القتل اليومي في سورية، وبالتزام المجتمع الدولي بمسؤولياته، بتطبيق بيان جنيف، والانتقال إلى دولة ديمقراطية. حينها، سيعود السوريون إلى بلدهم، ويبنونه بسواعدهم، وسيفتحون بيوتهم، كما اعتادوا، لكل ضيف ولاجئ وسائح، لأنهم كرام النفوس نبلاء.

55524670-2284-47D5-9A37-B2D0D387789F
ريما فليحان

كاتبة وناشطة حقوقية وسيناريست سورية