19 مارس 2019
المتصوّف والحداثة
ماء العينين بوية (المغرب)
الصوفي كلمة تتماشى مع اللفظ الروحي، في حين يتماهى المتصوف مع اللفظ العلمي كمن جعل التصوف صنعة أو علماً... الصوفي أو المتصوف أو الطرقي، كهوية عقائدية أو مذهبية أو اجتماعية، يطرح سؤال من نحن، وأين يجد هذا المجتمع نفسه، وحين يشكك أحدهم في هوية مجموعة، عرقية كانت أو دينية، ترتكن إلى إرث تاريخي وعلمي... من دون أن ترتقي به، أو إن فعلت ذلك فعلى مكث، فما جواب المدافع عنها؟
والصوفي، بما معناه كهوية لبعضهم، هو ضد ما يسمعه من عناوين السلفية والوهابية، والشيعية، والإلحاد، فهذه الخرقة الهوياتية تمثل السجن الكبير الذي يحرص بعضهم أن يجد نفسه محصوراً فيها، بل على أساسه بات يحكم ويحتكم من الغير، وحتى وإن ترقى كإنسان وظيفي فحمولته من ترسبات الهوية القاتلة، كما سماها معلوف، تجده محاطاً بنوع من المحذورات يدعي بها إما الفوقانية أو المظلومية.
صوفي اليوم داخل سجن التشخيص أشبه بالدرويش. إنه يمتهن الدروشة ويحاجج بالدروشة، ويلبس عمامة الدروشة، هي دينه وقبيلته وأمته.
الدروشة وانحطاط الصوفي انتعشا مع انحطاط الدولة وانحطاط المجتمع، من العباسية للمملوكية. ويكفي أن نعي رمزية التغيير من الخلافة إلى حكم المماليك، وهي رمزية ترتفع لتظهر كيف أصبح الصوفي مملوكاً لاسم ومهنة وطريقة عائلية.
سؤال الواقع المجتمعي الذي لا يمكن الانسلاخ منه (سجن القبيلة والدروشة)، وسؤال الحداثة، يفرضان على العضو الفرد التفكير في مشروع يجمع بين ما يسمى بالتراث مجازاً، وبين واقع التغريب والتحديث، أو التجديد كما يقول محمد عمارة.
يتحدث طه عبدالرحمن في كتابه "روح الحداثة"، عن حداثة الفعل وعن أخلاق الحداثة: "... ولمّا كان الزمن الذي يحصُل فيه هذا التعقيل للعالم هو بالذات الزمن الأخلاقي الخاص بالإسلام، فقد صار واجب هذا الدين الخاتم أن يرتقي بالتعقيل المادي المضيق الذي أخذ به أرباب العولمة إلى تعقيل موسَّع يعيد الاعتبار للأخلاقية في العلاقات التي تقيمها العولمة بين أفراد البشرية، عاملة على توحيد نمطهم في الحياة". وهنا تبادر إلى الذهن كيف نرقى بمجتمع دعائمه الدين والأعراف والأخلاق، مجتمع لا يمكن نكران عوالقه، ولا يمكن القطيعة معه تحت أي سبب من الأسباب، لنواصل ركب الحداثة بين عوالم تخطت حاجزها إلى ما بعد البناء ماضية نحو التفكيك؟
لنا في واقع الحال، ومن تجارب الماضي، وشواهد التاريخ، أن للمتصوفة على خلاف ما يشاع عن دورهم السلبي، دوراً في حركية التطور، بل في ميلاد حركات إصلاحية جهادية من شمال آسيا إلى السودان وتركيا العثمانية وغانا والمغرب الأقصى، فلماذا لا تتكرر هذه الحالة اليوم؟
مع بروز تيارات أخرى في مجتمعنا، ومع متغيرات العولمة والتغريب، يحتاج كل من يدّعي أنه خلفٌ لسلف ميزاته كذا وكذا، أن يبين ذلك؟ وغرابة الحال تؤكد أنه لا يملك مقومات ذلك، فهو أشبه بالظاهرة الصوتية. إنها الصورة التي تنتقل باعتبارها حالة استنساخ، أو حلول من محب إلى آخر يجد نفسه ممثلاً عن أمة فاضلة، من دون أن يكون ممتلكاً مقومات الاستخلاف، قبل أن نتحدث عن نهضة مجتمعنا وتجديده، وآليات ذلك، لنحدّد أي هوية نملك، فالمقامات التي يرتقي ويعرج منها وإليها الصوفي، أو الخرقة التي يلبسها المتصوف لجذبه. قد تكون في غيبة صغرى، والخوف أن تميل إلى الكبرى. هذا في سؤال حداثة المتصوف؟
الصوفي هوية أخلاقية، حتى يتجرّد من قفص الغيبيات ودوائر الخوارق، والكرامات والأوراد المعددة بالسبعين، ويجعل سبيله الرشاد بين الأمم، يجد الصوفي نفسه في الخلق الذي هو خلق أفعال لا أقوال، الأخلاق تكتسح الدين فما بالك بالمذهب، لقوله إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق، فقبل أن نبحث عن الصوفي، في إحسانه وشطحاته، لنبحث عن الخلق السوي، ومن ثم لنبحث عن دواعي الترقي، آليات التحديث، سبل العيش والتعايش مع باقي الأمم. وللبحث عن الهوية الأخلاقية ومعاييرها، علينا أن نشخص حالتنا أولاً بسؤال من نحن؟
وفي متاهات التشخيص، قد نحتاج إلى شرط العقلانية للتمحيص والتنقيح، موازنين بين ما قاله طه عبدالرحمن، وما قاله محمد عابد الجابري: "نحن نعتقد أنه ما لم نمارس العقلانية في تراثنا، وما لم نفضح أصول الاستبداد ومظاهره في هذا التراث، فإننا لن ننجح في تأسيس حداثة خاصة بنا، حداثة ننخرط بها ومن خلالها في الحداثة المعاصرة "العالمية"، كفاعلين وليس كمجرد منفعلين، هذه هي الهجرة المطلوبة التي يتطلبها مشروع بناء وعي عربي إسلامي معاصر بالحداثة".
صوفي اليوم داخل سجن التشخيص أشبه بالدرويش. إنه يمتهن الدروشة ويحاجج بالدروشة، ويلبس عمامة الدروشة، هي دينه وقبيلته وأمته.
الدروشة وانحطاط الصوفي انتعشا مع انحطاط الدولة وانحطاط المجتمع، من العباسية للمملوكية. ويكفي أن نعي رمزية التغيير من الخلافة إلى حكم المماليك، وهي رمزية ترتفع لتظهر كيف أصبح الصوفي مملوكاً لاسم ومهنة وطريقة عائلية.
سؤال الواقع المجتمعي الذي لا يمكن الانسلاخ منه (سجن القبيلة والدروشة)، وسؤال الحداثة، يفرضان على العضو الفرد التفكير في مشروع يجمع بين ما يسمى بالتراث مجازاً، وبين واقع التغريب والتحديث، أو التجديد كما يقول محمد عمارة.
يتحدث طه عبدالرحمن في كتابه "روح الحداثة"، عن حداثة الفعل وعن أخلاق الحداثة: "... ولمّا كان الزمن الذي يحصُل فيه هذا التعقيل للعالم هو بالذات الزمن الأخلاقي الخاص بالإسلام، فقد صار واجب هذا الدين الخاتم أن يرتقي بالتعقيل المادي المضيق الذي أخذ به أرباب العولمة إلى تعقيل موسَّع يعيد الاعتبار للأخلاقية في العلاقات التي تقيمها العولمة بين أفراد البشرية، عاملة على توحيد نمطهم في الحياة". وهنا تبادر إلى الذهن كيف نرقى بمجتمع دعائمه الدين والأعراف والأخلاق، مجتمع لا يمكن نكران عوالقه، ولا يمكن القطيعة معه تحت أي سبب من الأسباب، لنواصل ركب الحداثة بين عوالم تخطت حاجزها إلى ما بعد البناء ماضية نحو التفكيك؟
لنا في واقع الحال، ومن تجارب الماضي، وشواهد التاريخ، أن للمتصوفة على خلاف ما يشاع عن دورهم السلبي، دوراً في حركية التطور، بل في ميلاد حركات إصلاحية جهادية من شمال آسيا إلى السودان وتركيا العثمانية وغانا والمغرب الأقصى، فلماذا لا تتكرر هذه الحالة اليوم؟
مع بروز تيارات أخرى في مجتمعنا، ومع متغيرات العولمة والتغريب، يحتاج كل من يدّعي أنه خلفٌ لسلف ميزاته كذا وكذا، أن يبين ذلك؟ وغرابة الحال تؤكد أنه لا يملك مقومات ذلك، فهو أشبه بالظاهرة الصوتية. إنها الصورة التي تنتقل باعتبارها حالة استنساخ، أو حلول من محب إلى آخر يجد نفسه ممثلاً عن أمة فاضلة، من دون أن يكون ممتلكاً مقومات الاستخلاف، قبل أن نتحدث عن نهضة مجتمعنا وتجديده، وآليات ذلك، لنحدّد أي هوية نملك، فالمقامات التي يرتقي ويعرج منها وإليها الصوفي، أو الخرقة التي يلبسها المتصوف لجذبه. قد تكون في غيبة صغرى، والخوف أن تميل إلى الكبرى. هذا في سؤال حداثة المتصوف؟
الصوفي هوية أخلاقية، حتى يتجرّد من قفص الغيبيات ودوائر الخوارق، والكرامات والأوراد المعددة بالسبعين، ويجعل سبيله الرشاد بين الأمم، يجد الصوفي نفسه في الخلق الذي هو خلق أفعال لا أقوال، الأخلاق تكتسح الدين فما بالك بالمذهب، لقوله إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق، فقبل أن نبحث عن الصوفي، في إحسانه وشطحاته، لنبحث عن الخلق السوي، ومن ثم لنبحث عن دواعي الترقي، آليات التحديث، سبل العيش والتعايش مع باقي الأمم. وللبحث عن الهوية الأخلاقية ومعاييرها، علينا أن نشخص حالتنا أولاً بسؤال من نحن؟
وفي متاهات التشخيص، قد نحتاج إلى شرط العقلانية للتمحيص والتنقيح، موازنين بين ما قاله طه عبدالرحمن، وما قاله محمد عابد الجابري: "نحن نعتقد أنه ما لم نمارس العقلانية في تراثنا، وما لم نفضح أصول الاستبداد ومظاهره في هذا التراث، فإننا لن ننجح في تأسيس حداثة خاصة بنا، حداثة ننخرط بها ومن خلالها في الحداثة المعاصرة "العالمية"، كفاعلين وليس كمجرد منفعلين، هذه هي الهجرة المطلوبة التي يتطلبها مشروع بناء وعي عربي إسلامي معاصر بالحداثة".