المبادرات التطوعية في الأردن: أطباق على المائدة نفسها

09 يونيو 2016
+ الخط -

ما إن يقترب موعد حلول شهر رمضان في كل عام، حتى تفيض مواقع التواصل الاجتماعي في الأردن بصفحات لمبادرات تطوعية، بعضها موجود منذ سنوات وأعيد إحياؤه، وأخرى وليدة المناسبة.

ورغم ما تحمله هذه المبادرات من مفاهيم وقيم إنسانية؛ إلا أن المراقب للحالة يتساءل عن سبب تعددها رغم تقديمها الخدمات والجهود ذاتها، وحملها للقيم والمبادئ نفسها، وعن دوافع الشباب لبذل الكثير من الجهد والعناء مجانًا، في سبيل تقديم عمل تطوعي يخدم المجتمع، بشكل يفوق أحيانًا ما تقدمه الحكومة التي تتحمل مسؤولية توفير كل هذه المتطلبات.

 مبادرة "كسرة خبز" واحدة من المبادرات النشطة حاليا في المجتمع، ولعل أبرز ما يميز عملها، وجودها في منطقة الأغوار الشمالية، وهي منطقة تعاني من الفقر ونسب البطالة المرتفعة. يحدثنا عثمان بشتاوي، المشرف على هذه المبادرة عن تجربته:

"ولدت المبادرة من إيماننا بحاجة المجتمع لجهود الشباب في تقديم المساعدة للفقراء، وتحديدًا أطفال الشوارع، الذين يجوبون الشوارع في ظروف قاسية بحثًا عن الطعام، وتتركّز جهودنا في منطقة الأغوار الشمالية، التي تعيش حالة صعبة من الفقر والتهميش، نتيجة التقصير الرسمي من جهة وغياب دور الجمعيات والأفراد الميسورين من جهة أخرى".

تتركز أهداف المبادرة في شهر رمضان، كما يقول بشتاوي، على توفير وجبات الطعام للفقراء، قبل أن تعاود نشاطها على أكثر من صعيد وفي أكثر من منطقة في الأشهر الباقية. إلا أنه يرى في تعدد المبادرات التطوعية التي تخدم ذات الفئة، ضرورة في أن يتم توجيه الشباب إلى جوانب أخرى تمس المجتمع، مثل مساعدة كبار السن على الصعيدين المعنوي والمادي، خصوصًا مع غياب الاهتمام الكافي من قبل الجهات الحكومية والجمعيات الخيرية.

الخبير في علم الاجتماع، باسل الحمد، يرى أن ظهور المبادرات التطوعية ناتج عن حاجة الشباب للتعبير عن انتمائهم للحالة العامة وارتباطهم بالمجتمع. يقول في حديثه إلى "جيل العربي الجديد": "مشكلة المبادرات الشائعة تكمن في طرحها حلولاً لذات المشاكل المتعلقة بموضوع الفقر والحاجة".

يشير الحمد إلى أن أغلب المبادرات تحاول تقديم حلول مستنسخة، ولا تطرح أي إبداع في تناول القضايا؛ وذلك لغياب فكرة تطويرها منهجيًا بشكل يأخذ في عين الاعتبار جميع النجاح، وكيفية تطوير مبادرات نوعية تحدث فارقًا.

هذا التكرار ذهب بعماد سعادة، وهو شاب متطوع من محافظة الزرقاء، للبحث عن حلول يمكن من خلالها دمج المبادرات المتشابهة والاستفادة من جهودها بطريقة منهجية، إلا أنه اصطدم بحاجز لم يكن يتوقعه، يتمثل في رفض معظم المبادرات فكرة الاندماج والعمل الجماعي.

يقول: "وجود نزعة فردية وحب الظهور والشهرة لدى بعضهم، يتمثّل بإصرار كل طرف على العمل باسم مبادرته وإشهارها، خصوصًا في شهر رمضان، شكّل عائقًا أمام فكرتي، لذلك أفكر أن أعيد المحاولة بعد نهاية شهر رمضان من خلال إطلاق سلسلة من النشاطات يشارك فيها الجميع كل يحمل شعار مبادراته على أن نعمل معا ويدًا بيد ولو لمرة واحدة".

ويرى سعادة أن انخراط الشباب في العمل التطوعي يحتاج إلى العمل بشكل متوازٍ على إيجاد آلية لتوعية الشباب في أهمية العمل التطوعي وخدمة المجتمع بعيدًا عن المصالح الفردية والشهرة، وإدماج المزيد من الشباب في هذا المجال.

وهذا ما لفت له باسل الحمد، فيضيف: "النزعة الفردية في العمل التطوعي ناتج عن الشكل الذي نشأت عليه المبادرة، فمعظمها ولد بطريقة فردية أو شِلليّة، لذلك عادة تكون موسمية ولا يكتب لها البقاء خصوصًا عندما لا تقدم ما هو جديد وتركز على إشباع حالة مؤقتة".

في بعض الأحيان، تخرج المبادرات التطوعية عن مسارها المألوف، لتركز جهودها على تعميق أفكار إنسانية ومبادئ العيش المشترك، كما هو حال مبادرة "فيكم الخير" التي أطلقها معتز سمّور منذ أربع سنوات، لتكريس مفهوم التعايش الديني وترسيخ معاني الإنسانية في المجتمع؛ فهو يرى أنّه كشاب مسيحي، كان يفهم التعايش بشكل يقتصر على احترام الآخرين، لكنه وجد أنّه ثمّة ضرورة لتحويل هذه المفاهيم إلى تطبيق على أرض الواقع، من خلال العمل المشترك وتقديم العون للمحتاجين بغض النظر عن دينهم وعرقهم.

يقول سمّور: "هذه المبادرة لم تقتصر على تقديم المساعدة الغذائية والرعاية للفقراء والأطفال، بل حققت نجاحات على صعيد الانفتاح على الآخر، إذ يتعاون الجميع في خدمة المجتمع، مثل الحملة التي نظمناها لمساعدة اللاجئين العراقيين المسيحيين الفارين من نينوى، إذ شارك فيها شباب وفتيات من مختلف الأديان والطوائف والخلفيات الفكرية".

ويرى الشاب أن مبادرته تحقق نجاحات كبيرة وتتطور بشكل ملحوظ، إذ تمكنت من تحقيق زيادة في عدد من تقدم لهم الخدمة بمعدل 100% لكل سنة مقارنة بالعام الذي قبله. يضيف: "حاليًا نسعى لتنظيم إفطار لـ 4000 طفل خلال شهر رمضان الحالي".

وبينما يشير ازدياد المبادرات التطوعية وعدد الشباب المنخرطين فيها، إلى تطور الفكر الجمعي لدى المواطنين، والحرص على تحويل شعارات التآخي والتكافل إلى منجزات ملموسة، تبقى هذه المبادرات يافعة فكريًا وتنظيميًا، إذ يعوزها التفكير في الاستدامة وتخليها عن الطابع الموسمي.

وكما يرى الحمد، فإن قدرة المبادرات على تحقيق جميع عناصر النجاح، وتأدية دور فعّال في المجتمع؛ مرتبط بوجود دوافع قويّة وشباب مؤمنين بالفكرة كهدف في حياتهم، إضافة إلى ضرورة تلبيتها لاحتياجات جديدة، أو على الأقل أن تخدم الأهداف الحالية بطريقة مبتكرة وإبداعية.


(الأردن)

المساهمون