قبل 12 عامًا، كان محمد علي/شكس يملأ ساحات المدرسة ضجيجًا؛ كلما ركل الكرة وجرى خلفها معلّقًا بصوتهِ على ما يصنعه من مراوغات، بينما يحتشد الطلبة حوله ناسين ضيق الحياة وانحسار فرص الغد أمامهم، في منطقةٍ مكتظةٍ منسيّةٍ شمال الأردن.
الرّجل الذي جنى عليه مريدوه بتضخيم قدراته العلمية والتأويلية، واستخدامها كإصبعٍ للدّين تُفقأُ به عينُ الذي كفر، زُجّ به في محاضرةٍ كان محكومًا عليها منذ الإعلان عنها، بالتحوّل إلى ساحة صدامٍ وتبادلٍ للإهانات كان للشيخ نصيب منها.
لا تكاد صفحة مؤيّدة للرئيس المعزول محمد مرسي، أو ساخرة من الحالي، عبد الفتاح السيسي، أو من كليهما معًا، إلا وتجد الناشط الأردني من أبرز المتابعين والمشاركين لها، لكنّ حجم هذا التفاعل ينسحب عكسيًا كلّما اتجهنا لصفحات الداخل الأردني.
اختارت الحكومةُ خمسةَ عشرَ محكومًا لتجعل من إعدامهم ورقةً ترميها في وجهِ الأسباب الاقتصاديّة والاجتماعيّة والسياسيّة، التي تُشكّلُ دوافعَ أساسيّة لارتكابِ الجريمة، مُعتبرةً أن تركَ الجُناةِ من دون عقابٍ رادعٍ، عامل يساعد على انتشارِ الجرائم.
إنّهم يحدّثوننا عما نأملهُ تمامًا، وما يستحيل تطبيقهِ هنا، على الأقل أهميّة القيام بالدّور، وتوقّف الجميعِ عن العملِ مرّتين في اليَوم للاستراحة وتناول الغداء، وأنّهم ينادونَ الطبيب والسبّاك ووزير الداخلية، باسمائهم دون التفكير في أيّ الألقاب أحبّ إلى قلبه.
العيون السّاهرة على تفصيلِ ما يلزمنا من المادّة الفيلميّة، جادت منذُ دخول التلفاز لبيوتنا بكل ما يمكن فعلهُ لإبقائنا خارجَ المثّلثِ المحظور "السياسة، الجنس، الدّين"؛ حتّى أصبحَ هذا التّقليدُ مُصاحبًا لنا في كل مجالاتِ حياتنا خارج إطار الشّاشة.
وصلت حلا في الموعد الذي حُدّد لها، لكنها تفاجأت أن المجسّم لم يعد موجودًا، راجعت عميد الكلية الذي نفى علمه بالموضوع، وبعد بحث طويل وجدت أن تمثالها وأعمالا أخرى غيرها، قد تحوّلت جميعها إلى حطام في مكّب الكلية.
حشودٌ أتت من كل مكان إلى اللويبدة؛ لتشبع فضولها في التعرّف على طباع وسلوك الرجل الأبيض، الذي لطالما سيطر علينا عن بُعد. باتت شوارعها صاخبة ليلًا ونهارًا، وشرعت رؤوس الأموال بغزو سُكونِ المنطقة وتشويه معالمها؛ ثقافةٌ مُعلّبةٌ للبيع.
انتقل هذا الفن من خشبة المسرح إلى هواتفنا الذكية وأجهزة الحاسوب، وبات من السهل تحطيم فكرته النبيلة وتنميطها؛ إذ أصبح كل من يجد نفسه ظريفًا، يستسهل الخروج بمقاطع فيديو تتكون من سردٍ سريع لآخر ما سمعه من طرائف في الشارع.
كلّما اشتعلت الأزمات السياسيّة وخلّفت وراءها حربًا ودمارًا، سمعنا دعواتٍ أكثر وأشد استعجالًا وأملًا، فالأمر لا ينحصر بانتظار المهدي عند المسلمين، أو بعودة يسوع المسيح، بل يتجاوزه ليدخل في معتقدات بعض "العلمانيين" الذين ينتظرون الخلاص عبر اصطدام نيزك في كوكبنا.
هذه الصور وُجدت لتجعل الحرب المجنونة مهزومةً أمام الإنسانيّة في نهاية الأمر، على الطريقة الهوليوودية التي عوّدتنا على صورة الجندي الأميركي، من اليابان والعراق، إلى باريس، على أنّه ورغم دمويّته، مجرد إنسان يحب الآخرين، حتى أعداءه، ويتجنب قتل الأطفال.
ثروة وعمر وجميل، ومعهم ميدالياتهم؛ نجوم ابتلعها ثقب أسود يسكن ذهنية المجتمع الذي تكبّدوا عناء تمثيله في البرازيل. عقليّة مارست، رغم كل جهود التوعية والدعوة إلى معاملة ذوي الإعاقة بالمثل، مارست تلقائيتها في إظهار عنصريّتنا تجاه أبطالٍ لم نهتم بمعرفتهم.
ثروة وعمر وجميل، ومعهم ميدالياتهم؛ نجوم ابتلعها ثقب أسود يسكن ذهنية المجتمع الذي تكبّدوا عناء تمثيله في البرازيل. عقليّة مارست، رغم كل جهود التوعية والدعوة إلى معاملة ذوي الإعاقة بالمثل، مارست تلقائيتها في إظهار عنصريّتنا تجاه أبطالٍ لم نهتم بمعرفتهم.
هذه الصور وُجدت لتجعل الحرب المجنونة مهزومةً أمام الإنسانيّة في نهاية الأمر، على الطريقة الهوليوودية التي عوّدتنا على صورة الجندي الأميركي، من اليابان والعراق، إلى باريس، على أنّه ورغم دمويّته، مجرد إنسان يحب الآخرين، حتى أعداءه، ويتجنب قتل الأطفال.
صار بطلًا، ليس كرتونيًا هذه المرّة كما تعوّدنا أن نتخيّل في طفولتنا، ولا بزيِّ عسكريٍّ فارغ، بل من لحمنا ودمِنا. هذا الدّمُ، الذي بات تحت وقع الصّراعات التي نعيشها، متفرّقًا بين الهويّات والطوائف، خرجَ لنا أبو غوش ليوحّده مجدّدًا.
في معظم تجارب الانتفاضات الشعبية في العالم العربي، لم تملك الجماهير التي نزلت للشوارع أطرًا فكرية وتنظيمية تمكّنها من الوصول إلى مرادها، أو تجعلها قادرة على أن تحلّ مكان السلطة القائمة، وأن يكون لها برنامجها السياسي والاقتصادي.
قبل 12 عامًا، كان محمد علي/شكس يملأ ساحات المدرسة ضجيجًا؛ كلما ركل الكرة وجرى خلفها معلّقًا بصوتهِ على ما يصنعه من مراوغات، بينما يحتشد الطلبة حوله ناسين ضيق الحياة وانحسار فرص الغد أمامهم، في منطقةٍ مكتظةٍ منسيّةٍ شمال الأردن.
لا يقتصر مفهوم الاستشراق على ما صدر من باحثي الغرب حول قضايا المشرق، باعتباره مركزًا لقوى الظلام، بل يمكن أن نُتبعه بما يقدّمه بعض العلمانيين الذين كرّسوا خطاباهم لمواجهة الممارسات الدينيّة، بخطاب يتبنّى منظورًا غربيًا للتعامل مع قضايا مجتمعاتهم.
في 2013؛ اختفى جهاد الغبن عن ساحة الحراك الشبابي الأردني بعدما كان واحداً من أبرز نشطائه منذ انطلاقته عام 2011، ليظهر في سورية، حاملاً بيده اليُمنى علماً أسود كُتبت عليه الشهادتان. شبابٌ كثيرون مثل جهاد، غادروا الأردن، واختاروا التطرّف. لماذا؟
حتى قبل عشرين عامًا، لم يكن الشارع الأردني مستعدًا بأي شكل لتقبّل فكرة التطبيع مع "إسرائيل"، ونُظِرَ إلى أي محاولة للتعامل مع الاحتلال على أنّها خيانة؛ انطلاقًا من اعتبار الاحتلال مشروعاً استعمارياً على النقيض تمامًا من المشروع العربي التحرري.
تعددت خلال السنوات العشر الأخيرة، أساليب وتقنيات الغش في امتحان الثانوية العامة (التوجيهي) في الأردن، لتشكل سنويًا مادة دسمة للرأي العام الأردني وصنّاع القرار، وينشغل المسؤولون في ابتكار طرق تكافح هذه الظاهرة، بالتزامن مع تطور التقنيات المستخدمة.
ما إن يحل شهر رمضان، تفيض مواقع التواصل الاجتماعي في الأردن بصفحات لمبادرات تطوعية، بعضها موجود منذ سنوات، وأخرى وليدة المناسبة. ورغم ما تحمله هذه المبادرات من قيم إنسانية؛ إلا أن المراقب يتساءل عن سبب تعددها رغم تقديمها الخدمات نفسها.
فيما يصرّ خبراء الاقتصاد على حاجة الأردن لدعم وتعزيز مكانة المشاريع الريادية بهدف الاستثمار في طاقات الشباب وتوفير فرص عمل مناسبة؛ تبقى هذه المشاريع محدودة وذات مساهماتٍ خجولة، إذ تفتقر إلى دعم وتمويل وتوجيه كافٍ من القطاعين العام والخاص.
ثمة صلة وثيقة بين اعتماد الشباب على القروض البنكية، وتوجه الدولة الأردنية الاقتصادي القائم منذ أكثر من عقدين، على تطبيق جملة من السياسات الرأسمالية؛ إذ إن ارتفاع نسبة القروض بين الشباب يعكس شكلًا من الرأسمالية القائمة على الإنفاق الاستهلاكي.
ثمة صلة وثيقة بين اعتماد الشباب على القروض البنكية، وتوجه الدولة الأردنية الاقتصادي القائم منذ أكثر من عقدين، على تطبيق جملة من السياسات الرأسمالية؛ إذ إن ارتفاع نسبة القروض بين الشباب يعكس شكلًا من الرأسمالية القائمة على الإنفاق الاستهلاكي.
يتخرّج الشبّان الأردنيون من الجامعات، ليمضوا بعدها أشهراً وسنواتٍ يبحثون عن عملٍ في مجال تخصّصاتهم، لكن من دون جدوى، فيلجأون إلى العمل في أشغال لا تنتمي إلى دراستهم بصلة؛ كبنّائين وبائعي خُضار وسائقي سيارات أجرى، في واقعٍ اقتصادي معقّد.
يتخرّج الشبّان الأردنيون من الجامعات، ليمضوا بعدها أشهراً وسنواتٍ يبحثون عن عملٍ في مجال تخصّصاتهم، لكن من دون جدوى، فيلجأون إلى العمل في أشغال لا تنتمي إلى دراستهم بصلة؛ كبنّائين وبائعي خُضار وسائقي سيارات أجرى، في واقعٍ اقتصادي معقّد.
منذ انفصال الحراك عن قاعدته الشعبية في الأردن، بعد تظاهرات "هبّة تشرين" 2012، بتأثير القبضة الأمنيّة التي مارستها الحكومة آنذاك، انسحب الناشطون من الساحات، ليتّخذوا من الفضاء الإلكتروني مقرًا لهم، ليقابله قبضة أمنية تفرض الرقابة والعقوبات على ما يُنشر فيه.
منذ انفصال الحراك عن قاعدته الشعبية في الأردن، بعد تظاهرات "هبّة تشرين" 2012، بتأثير القبضة الأمنيّة التي مارستها الحكومة آنذاك، انسحب الناشطون من الساحات، ليتّخذوا من الفضاء الإلكتروني مقرًا لهم، ليقابله قبضة أمنية تفرض الرقابة والعقوبات على ما يُنشر فيه.
منذ ست سنوات، برز عدد من المبادرات العلمية التطوعيّة التي اتخذت من الفضاء الإلكتروني وسيلة لإيصال المحتوى العلمي للشباب، تقدّم ترجماتٍ لمقالاتٍ علميّة مصوّرة. مبادراتٌ تسعى إلى إغناء المحتوى العلمي والبحثي العربي على الإنترنت، وإلى إنتاج المعرفة، وليس نقلها فقط.
منذ ست سنوات، برز عدد من المبادرات العلمية التطوعيّة التي اتخذت من الفضاء الإلكتروني وسيلة لإيصال المحتوى العلمي للشباب، تقدّم ترجماتٍ لمقالاتٍ علميّة مصوّرة. مبادراتٌ تسعى إلى إغناء المحتوى العلمي والبحثي العربي على الإنترنت، وإلى إنتاج المعرفة، وليس نقلها فقط.