القطب الشمالي يحترق... لماذا علينا أن نقلق؟

30 اغسطس 2019
الغابات الشمالية ستتحول من امتصاص الكربون لإطلاقه (Getty)
+ الخط -
تتدهور حال القطب الشمالي بشكل شبه يوميّ؛ القمم الجليدية تذوب، والدببة القطبية الجائعة تجول في المدن، وترتفع درجة حرارة المنطقة. وإلى جانب ذوبان الجلديد، بدأت الحرائق تندلع في المناطق القطبية.

وأدّت الحرائق التي استمرت لأكثر من 3 أشهر، إلى خلق سحابة من الرماد بحجم بلدان الاتحاد الأوروبي، وانتشرت النار في أكثر من 4 ملايين هكتار في غابات التايغا السيبيرية، كما انتشر أفراد الجيش الروسي في المنطقة، في الوقت الذي كان الناس يختنقون من الدخان، ثم انتقلت السحابة إلى ألاسكا وما بعدها، كما اشتعلت النيران في الغابات الشمالية من غرينلاند وألاسكا وكندا.

قد تكون صور حرائق المنطقة القطبية الشمالية مفاجئة بالنسبة للكثيرين، إلا أنها ليست كذلك بالنسبة لفيليب هيغيرا، عالم إطفاء الحرائق في جامعة مونتانا في الولايات المتحدة الذي درس حرائق القطب الشمالي منذ أكثر من 20 عامًا، وتنبأ مع فريقه عام 2016، بأن الحرائق في الغابات الشمالية وغابات إقليم التندرا في القطب الشمالي، ستزيد بمعدل 4 أضعاف بحلول عام 2100، وفقًا لموقع "بي بي سي".

ويؤكد هيغيرا أن الحرائق، وعلى الرغم من أنها مكوّن طبيعي لجميع النظم البيئية، وتعزز التنوع البيولوجي وتسهل دورة المغذيات، إلا أن رؤيتها تنتشر على هذا النطاق في القطب الشمالي غير مسبوقة وغير عادية، ومؤشر على أنّ البشر يخربون البيئة. ويعتبر ارتفاع الحرارة الذي يجفف التربة ويذوّب التربة الصقيعية، واحدًا من أسباب انتشار هذه الحرائق، إلّا أنّ هناك أسبابًا أكثر إثارة للدهشة، مثل أنّ الاحتباس الحراري يؤدي إلى حدوث المزيد من الصواعق، التي تضرب الغابات وتسبب احتراقها.

الاحتراق البطيء

تؤثر الحرائق على النظم البيئية بأكملها في الشمال، وتسبب تلوث الهواء والجفاف، ما أدى مع الوقت لنموّ مجموعات جديدة من النباتات والأشجار في أماكن غير متوقعة، وبالتالي لانخفاض أعداد حيوانات الوعل للنصف، نظرًا لأنّها صارت تعجز عن تحديد موقع مصادرها الغذائية الطبيعية.

كما تؤثر حرائق القطب الشمالي بشكل كبير على المناخ العالمي أيضًا، إذ تغطي الغابات الشمالية وغابات التندرا 33% من مساحة اليابسة في العالم، وبها 50% من الكربون (يستخدم في الاحتراق ويزيد الانبعاثات في الجو) الموجود في التربة في العالم بأسره، والذي يعادل كمية الكربون في الغلاف الجوي. ونظرًا لأن الظروف في الشمال شديدة البرودة، والنموّ الميكروبي والتحلل أبطأ بكثير من المناطق المدارية، يخزن الكربون في طبقات التربة الصقيعية بدلًا من إعادة تدويره في دورة المغذيات، من خلال نموّ النباتات، ما يجعل أكثر المحاولات العالمية الجدية لتقليل انبعاثات الكربون، عديمة الفائدة.

وأوضحت عالمة الأحياء ميريت توريتسكي من جامعة غيلف في كندا، في ورقة بحثية عام 2015، أن الحرائق في القطب الشمالي تشكل تهديدًا كبيرًا على المناخ العالمي، لأنها حرائق بطيئة لا تشتعل فقط في الأشجار، بل في الأرض الصلبة نفسها وتنقل الحرارة إلى عمق أكبر، وتستهلك ضعف الكربون الذي تستهلكه الحرائق العادية، وهي لا تشتعل بسهولة أكبر من خلال ضربات الصواعق فقط، بل يمكن أن تستمر أيضًا في ظروف البرد والرطوبة، لأن التربة هناك تحتفظ بمخازن واسعة من غاز الميتان القابل للاحتراق، إلى جانب ارتفاع حرارة المناخ والجفاف، كما أن أدوات الإطفاء التقليدية غير فعّالة معها، وحتى هطول الأمطار لا يساعد دائمًا.


حرائق الزومبي

أفادت توريتسكي وعلماء آخرون، بأن الغابات الشمالية ستتحول من امتصاص الكربون من الجو، من خلال التركيب الضوئي للنباتات، إلى إطلاق الكربون للجوّ من خلال الاحتراق، وبذلك ستؤدي إلى تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري بدلًا من كبح تغير المناخ.

وأوضح كارلي فيليبس، العضو في اتحاد العلماء القلقين، أن حرائق القطب الشمالي قد تحدث أيضًا تحت الأرض، وقد تستمر في فصل الشتاء كحرائق جوفية ثم تعود للظهور في الربيع في أماكن غير متوقعة تمامًا، وهذا ما جعل العلماء يطلقون عليها لقب "حرائق الزومبي".

ما الذي يمكن فعله لوقف انتشار الحرائق؟

يؤكد هيغيرا أنه غير متفائل في ما يتعلق بفرصة منع انتشار الحرائق في القطب الشمالي، لأن الأمر أشبه بمحاولة وقف إعصار، ويوضح أن مكافحة الحرائق الفردية حتى تشكل تحديًا كبيرًا، نظرًا للطبيعة البعيدة والشاسعة للمنطقة، وافتقارها للبنية التحتية، إلا أنّ العديد من الخبراء يشيرن إلى أن الجهود يجب أن تركز على أمر مختلف، بدلًا من محاولة مكافحة الحرائق.

وتقول توريتسكي: "ليس من الفعّال استخدام التمويل لإطفاء الحرائق في الشمال، إنّ أهم شيء يمكننا القيام به هو التخفيف من تغير المناخ، وفرصة فعل ذلك تحتاج أكثر بكثير من مجرد 10 أو 15 عامًا".

المساهمون