يشير ترافني في "ما الألماني؟" إلى النقد الذي وجّهه أدورنو لمقال ريشارد فاغنر الشهير "الفن الألماني والسياسة الألمانية"، والذي يربط فيه فاغنر بين الثقافة اليونانية القديمة وثقافة عصره الألمانية، معتبراً أن مسرحيات شيلر تعبّر عن معنى أن تكون ألمانياً، وهو يعني بذلك تجاوز مبدأ المنفعة، الذي يبحث عن هدف العمل الفني خارج العمل ذاته.
ويرى ترافني أن تفكير فاغنر، الذي يرى أن الألماني لا ينجز ما ينجزه من أجل المال، يتضمّن بالضرورة نزعة لاسامية. إن هذا التمحور المرضي حول مفهوم الواجب في الثقافة الألمانية، لا يمكن فهمه دون الانتباه إلى نقص في التعاطف، يطبع هذه العقلية، أو إلى البرود كما يصفه أدورنو، معتبراً أنه "المبدأ الأساس للذاتية البورجوازية، والذي لولاه لما كان هناك شيء اسمه أوشفيتز".
ويعلق ترافني قائلاً: "أن يكون الهدوء والنظام أول واجب للمواطن، هو بالنسبة للأذن الألمانية أمر بديهي. وهو يعبّر عن ذلك النفور من التفكير، وخصوصاً من النقد".
إنه الواجب الذي تقوم عليه التكنوقراطية، وهو الدم الذي يجري في عروقها، وهي تكنوقراطية لا تعرف الحب، كما أوضح ذلك أدورنو في محاضرته الشهيرة: "التربية بعد أوشفيتز"، وقد يتوجب علينا كعرب أن نكتب شيئاً من قبيل "التربية بعد داعش"، بالنظر إلى ذلك القتل البارد الذي أبدعت فيه "دولة الخلافة" ما بعد الحداثية!