الفلسطينيون يلاحقون العيد: نفقات "الفطر" ترهق الفقراء

04 يوليو 2016
احتفال الأطفال بعيد الفطر في غزة العام الماضي(فرانس برس)
+ الخط -
داخل منزل المواطن بيان الخليلي في حي التفاح في مدينة غزة، تغيب مظاهر الاحتفال بعيد الفطر المقبل. هو متزوج ولديه طفلان، كان يعمل في البناء لكن ظروف غزة الصعبة دفعته للانضمام إلى صفوف العاطلين عن العمل.
يقول الخليلي: "أعيش في يأس متواصل منذ قرابة عشرة أعوام فأنا بلا عمل منتظم، أعمل ليوم أو يومين فقط. والمستقبل مجهول دائماً". ويضيف الخليلي "كل عيد يأتي أسوأ وأصعب من الذي قبله ويزيد الوضع الاقتصادي صعوبة علينا. لا أستطيع تأمين مستلزمات وطلبات عائلتي في غالبية الأعياد، خاصة ملابس العيد. كذلك يوجد صعوبة في توفير تكلفة الترفيه عن أطفالي".
بدورها تقول إيمان زوجة الخليلي. مظاهر استقبال العيد لدينا غائبة، منذ سنوات طويلة لم أجهز أي شيء ولم نشتر الحلويات والملابس. أشعر بالخجل عندما يأتي الأهل لمعايدتي، لا أجد ما أقدمه لهم. كذلك أشعر بالحسرة عندما لا أستطيع تنفيذ طلبات أطفالي بالذهاب إلى السوق وشراء الملابس والذهاب إلى أماكن اللعب. وإذا خرجنا نذهب إلى المنتزهات العامة ولا نشتري شيئاً.

واقع صعب جداً
إذ لا طرق جدية لمكافحة الفقر في فلسطين، أعداد الأسر الفقيرة في تزايد، ولا يمكن إغفال هذه الظاهرة الاجتماعية والاقتصادية أو عدم التطرق لها، خاصة في ظل حرمان الفلسطينيين من حقوقهم نتيجة الاحتلال الإسرائيلي الجاثم على الأرض الفلسطينية وانخفاض مستوى المعيشة. وقد أكد خبراء وباحثون أن نسبة البطالة ارتفعت لأكثر من النصف.
تقارير منظمة العمل الدولية تشير إلى أن نسبة الفقر والبطالة في ارتفاع مستمر في الأراضي الفلسطينية الأمر الذي يضطر من خلاله أن يقوم بعض المواطنين ببيع بعض من ممتلكاتهم لسد احتياجاتهم خاصة في هذا شهر رمضان وقرب حلول عيد الفطر السعيد.
ويعرّف تقرير هيئة الفقر الوطنية الأسرة المكونة من زوجين وأربعة أطفال ويقل استهلاكها السنوي عن 4600 دولار بأنها أسرة فقيرة بمعدل إنفاق دولارين للشخص يومياً، وهذه الظاهرة عامة في فلسطين.
ويعلق رئيس شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية في غزة أمجد الشوا، أن "قطاع غزة يمر بأسوأ ظروفه على المستوي الاقتصادي والاجتماعي والإنساني، في ظل ارتفاع نسب الفقر والبطالة وانعدام الأمن الغذائي وعدم قدرة المواطن على توفير قوت يومه. ومعظم القطاعات الاقتصادية تعيش بصعوبة في ظل استمرار الحصار، وهو السبب الرئيس لهذه المعاناة إلى جانب تداعيات العدوان الإسرائيلي المختلفة".
ويضيف الشوا: "شهر رمضان جاء في ظروف لم يستطع المواطن في غزة تأمين مستلزماته ويأتي العيد ليكون مشابها لهذا الواقع. فالعائلات تعيش اليوم بيومه. العمل والدخل محدود للغاية مع وجود آلاف الأسر التي تعيش في الكرفانات. كل هذه العوامل تجعل فرحة هذا العيد مهددة بألا تكون كما يحلم الأطفال".
وتشير الإحصائيات إلى وجود 213 ألف عاطل عن العمل في غزة منهم 10 آلاف خريج وقد وصلت نسبة بطالة إلى 44%، يضاف إلى ذلك نسبة الفقر والفقر المدقع التي لا تقل عن 65%. وتتلقى 80 ألف أسرة مساعدات من الشؤون الاجتماعية وحوالي 960 أسرة تتلقى مساعدات من الأونروا. أي أن 80% من سكان قطاع غزة يعتاشون من المساعدات.
ويرى الخبير الاقتصادي وأستاذ العلوم الاقتصادية في جامعة الأزهر بغزة سمير أبو مدللة أن قطاع غزة أصبح سجنا كبيرا وأوضاعه الاقتصادية بلغت ذروتها مع استمرار الحصار الإسرائيلي المفروض منذ قرابة عشرة أعوام على غزة واستمرار الانقسام الفلسطيني. فحالة الفقر والحرمان أثرت على الكثير من الأوضاع وانخفض المستوى المعيشي والإنفاق العام حيث أصبحت الأسر بالكاد تشتري مستلزماتها الأساسية.
ويضيف: "لذلك لن تستطيع العائلات أن تفي بمتطلبات أبنائها سواء من ملابس وما يحتاجه الأطفال من الترويح عن النفس والذهاب إلى المنتزهات والمطاعم".


البطالة بمستويات غير مسبوقة
نهال مواطنة عشرينية من إحدى قرى رام الله تقول لـ "العربي الجديد": "لدي ثلاث بنات لا أجد ما يكفي لسد احتياجاتهم وزوجي عاطل عن العمل منذ سنوات. قد يعمل يومين أو ثلاثة أيام في الشهر فقط لتأمين مدخول لا يزيد عن 70 دولاراً. وهذا لا يكفينا لشراء بعض الخبز وندبر احتياجاتنا يوما بيوم من الأهل والأقارب، وما نحصل عليه من الشؤون الاجتماعية. حيث تدفع لنا الأخيرة 200 دولار كل ثلاثة أو أربعة أشهر". وتضيف: "لا نفرق بين رمضان والأيام العادية وها نحن على أبواب العيد ولا أجد أي شيء يسعد أطفالي، الأمر الذي يضطرني لأن آخذ ملابس قديمة من أقاربي، ولو كنت أملك شيئاً لبعته حتى أشتري مستلزمات العيد لأولادي". وتقول: "منذ بداية الصيف والبنات يطالبونني بأن آخذهن إلى المسبح لكنني لم أستطع ذلك لأنه مكلف جداً بالنسبة لنا كعائلة فقيرة".
بدوره، يشير المحلل الاقتصادي الدكتور هيثم دراغمة لـ "العربي الجديد"، إلى أن الفقر والبطالة في فلسطين وصلا إلى الذروة. قبل أيام كان هناك حديث عن ارتفاع نسبة البطالة بين الخريجين إلى نحو 71 في المائة وهذا المعدل يتحقق لأول مرة في الاراضي الفلسطينية. نسبة الفقر أيضاً ارتفعت، حيث وصلت إلى 40 في المائة في غزة و31 في المائة في الضفة، أي ثلث مواطني الضفة الغربية فقراء بينهم 20 في المائة وصلوا لمرحلة الفقر الشديد بمعنى أنه لا يستطيع هؤلاء توفير مقومات الحياة. ويشرح دراغمة: "نسبة الفقر عالية وهذا له أثر سلبي على الإنفاق بشكل عام وعلى الإنفاق على الترفيه بشكل خاص. الفقراء لا ينفقون على الترفيه فهم يوفرون كل ما لديهم للغذاء والعلاج فقط، وهذا إن حصل الفقراء على أي دخل. وهذا يؤثر على نفسية الأطفال والأجيال المقبلة، بعد سنوات سيكون لدينا جيل لم يذهب إلى المتنزهات ولا الألعاب ولا المسابح أو حتى المطاعم وهذا مردوده سلبي على العائلة والأماكن المجاورة إذ يتولد التطرف. كما أن الفقر وقلة الترفيه وعدم العيش في طفولة طبيعية، يقود إلى ضعف الطموح بالتغيير وبتحقيق تحسينات اجتماعية واقتصادية في المستقبل.
من ناحيته، يقول دكتور علم الاجتماع ماهر أبو زنط لـ "العربي الجديد": "مجتمعنا الفلسطيني ينقسم إلى ثلاث فئات، الأغنياء ونسبتها ليست عالية، الفقراء (المحرومون) ونسبتهم 31 في المائة والطبقة المتوسطة التي تحصل على دخل معيّن وتصرفه على احتياجاتها وقد تدخر منه مبلغاً بسيطاً للمستقبل. الفقر يزيد ارتفاعاً نظرا للأوضاع في فلسطين منذ عقود كان أولها في الانتفاضة الأولى وحتى اليوم وما حدث بينهما وهذا يخلق مشاكل اجتماعية كبيرة نتيجة البطالة والفقر حيث إنه يحرم الكثير من الأسر من توفير التعليم لأبنائها والمقصود هنا التعليم الصحيح والتخصص المنشود.
ويتابع: "التعليم الآن ممزوج بالرفاهية حيث الألعاب والأجهزة التكنولوجية التي لا تتوفر لغالبية أطفال المدارس وهذا يؤثر على نفسية الطلاب الفقراء. ومن جهة أخرى، وجود الاحتلال يؤثر على العائلات الفقيرة ويزيد من أعدادها نتيجة مصادرة الأراضي وخلق وقائع جديدة على الأرض من خلال التقسيمات والإغلاقات ومنع العمال من العمل داخل الأراضي المحتلة عام 1948".
ويضيف: "عالم الترفيه واسع جداً، ولا مكان للفقراء وأبنائهم فيه، بسبب التكاليف الباهظة. فالأندية والمراكز والمخيمات الصيفية بحاجة إلى ميزانية. يوجد برامج للسياحة الدولية للأطفال الفقراء بتغطية من الحكومات لكن في فلسطين هذه السياحة معدومة، بسبب فقر الدولة واعتمادها على المساعدات الخارجية. والحرمان هذا يؤثر على الأطفال إذ يشعرون بالحرمان".
ويشرح: "في الدول المتقدمة يوجد برامج ومتخصصين، وهذا جزء من تشكيل شخصية الطفل، ونحن حتى اللحظة ليس لدينا ثقافة شراء الألعاب. كما أنه هناك خطر من استخدام ألعاب غير مناسبة لعمر الطفل قد تصيبه بالإحباط، لأنها لا تناسب تفكيره وتطور مراحله العمرية، وهذا يؤثر على الطفل وإنتاجيته في المستقبل".
نسبة الأطفال في فلسطين تعدّت الـ 51 في المائة من المواطنين حسب الإحصاءات فهل هؤلاء لهم برامج وأندية ومخيمات صيفية لا توجد ووسائل ترفيههم مكلفة جدا بحيث لا يستطيع المواطن العادي أو الموظف العادي تلبيتها فالطفل ليس بحاجة إلى طعام وعلاج فقط بل إلى ألعاب وترفيه.
ويضيف أبو زنط: "31 في المائة من الفلسطينيين لن يستطيعوا شراء ملابس للعيد أو مستلزمات عيد الفطر. أشعر منذ سنوات طويلة بالحزن لدى الأطفال والأهل، الأطفال لأنهم لا يحصلون على ما يريدون والأهل لأنهم لا يستطيعون أن يوفروا لأبنائهم حاجاتهم. إذ إن الترفيه ومصاريف الأعياد في فلسطين بحاجة إلى ميزانيات عالية في ظل انخفاض الرواتب ومستوى المعيشة".
من جهته، يقول وكيل وزارة العمل الفلسطينية ناصر قطامي: "أكثر من 300 ألف أسرة فلسطينية تعيش تحت خط الفقر، العدد في تزايد وهذا مؤشر خطير في الوقت الذي يسيطر فيه الاحتلال الإسرائيلي على كل ما هو فلسطيني في ظل الحصار والإغلاق والحواجز وعدم تنفيذ اتفاقية باريس الاقتصادية في بند تشغيل العمال الفلسطينيين في الداخل الفلسطيني المحتل. إضافة إلى سيطرة الاحتلال على الموارد الاقتصادية الفلسطينية".
ويقول قطامي لـ "العربي الجديد"، إنه توجد آليات لدى الحكومة الفلسطينية لتشغيل العمال وتخفيض نسبة البطالة وتشغيل العمال الفلسطينيين، سيتم اعتمادها في الفترة المقبلة.
المساهمون