وقوبل طرح قانون العنف ضد المرأة في مجلس نواب الشعب بسجالات واسعة واختلافات جوهرية بين الأحزاب وداخل الكتل الحزبية ذاتها، ما دفع الأحزاب إلى محاولة تصويب وتوحيد رؤاها بخصوص بعض الفصول الإشكالية.
وعقدت كتلة حركة "النهضة" اجتماعاً برئيس الحزب راشد الغنوشي، مساء أمس الجمعة، للتوفيق بين مختلف التيارات والآراء في ما يتعلق بالفصول الخلافية في مشروع قانون العنف ضد المرأة للخروج بموقف موحد منه.
وقال الغنوشي في تصريح لـ"العربي الجديد": "هناك عديد من الآراء حسمت بالتصويت"، مؤكداً "قبول حركة النهضة بالمشروع وتعديلات الوزارة المقترحة، واحترامها لجميع النصوص التي تحمي حقوق المرأة، والتي تجد مرجعيتها في الدين الإسلامي، وهي مرجعية تتمسك بها النهضة".
وكشف زعيم النهضة أن "هناك تصورات مختلفة حسمها التصويت في صلب اجتماع كتلة النهضة، والذي ذهب في اتجاه التأكيد على أن الموضوع يتعلق بالمساواة بين الجنسين ولا يتعلق بالعنف ضد المرأة لأنه يصدر عن الجنسين، ولأن المرأة قد تقدم على تعنيف القرين"، مشيراً إلى "طرح نقاط مهمة خلال الاجتماع، من بينها حماية القرين من الجنسين، وحفظ كرامته وحرمته".
وحسم اللقاء أيضاً في نقطة خلافية داخل الكتلة والمتمثلة في الفصل 19 من مشروع القانون، والذي يقتضي عدم سقوط التتبعات في حق الزوج في حال اعتدائه بالعنف الجسدي على زوجته، حتى إذا تنازلت هذه الأخيرة عن حقها الشخصي في القضية. ويذكر أن القوانين السارية تنص على حفظ ملف القضية إذا تراجعت الزوجة المعنّفة عن شكواها ضد زوجها، وإيقاف التتبع في الحق العام. لكن المشروع الجديد ينص على أن تتواصل القضية والبت فيها من أجل الحق العام.
وشكلت هذه النقطة موضوع خلاف داخلي بين تيار يذهب لحماية المرأة من العنف، وجعله قضية حق عام، وبين من يعتبر أن هذا البند سيؤدي إلى تفكيك الأسرة ولن يسمح للمرأة بالتراجع في حال تقديمها قضية ضد قرينها. ويزداد الوضع سوءاً إذا كانت دون معيل لها ولأطفالها، بالإضافة إلى الجدل حول عدم حماية الزوج من تعنيف زوجته.
وعلّق الغنوشي في حديثه لـ"العربي الجديد" على ذلك بالقول إن "العنف جرم وإسقاط الحق لا ينبغي أن يكون مبررا للإفلات من العقاب، وأن تعنيف المرأة ليس اعتداء على شخص فقط بل هو اعتداء على قيمة المرأة، وإن الأثر الإسلامي أبرز بوضوح أنه لا يجوز ضرب المرأة، فالرسول لم يضرب امرأة قط، وينبغي ألا يشرع هذا العنف وأن يجرم تماماً، كما يجب أيضاً معاقبة تعنيف الزوج، وحسم ذلك بتجريم العنف ضد القرين من الجنسين".
وتطرق رئيس الحركة للفصل 227 مكرر الذي تطالب جمعيات المجتمع المدني بإلغائه، والحفاظ على الصيغة التي قدمتها الوزارة بمعاقبة من يعتدي على قاصر جنسياً برضاها أو دونه، وتشديد العقوبة في حقه، وإلغاء البند الذي ينص على سقوط التتبعات في حقه إذا قرر الزواج منها.
وفسّر الغنوشي ذلك بقوله "النهضة تعتبر أن التغرير بقاصر أو الاعتداء عليها لا يمكن أن يكون جزاء المغتصب أو من واقع أنثى برضاها أن يفلت بعقابه، وأن تكون مجرد رغبته في الزواج منها دافعاً لسقوط التبعات، وأن ذلك ينسجم مع مبادئ الإسلام، لأن الزنا ينبغي أن يجرم في كل الأحوال، وبالتالي لا يجازى المغتصب ويغلق الملف بحجة تبدو مقنعة وهي الحفاظ على سمعة العائلة، باعتبارها حجة موهومة لأن التجربة بينت أن المرأة التي تزوجت من المعتدي تظل منبوذة في العائلة".
واعتبر الغنوشي أن مشروع القانون بصيغته الحالية في الجملة مقبول، وأن التعديلات التي قدمتها وزارة المرأة والطفولة تعد مقبولة، مستبعداً تقديم النهضة تعديلات عليه.
وعمّا إذا كانت هذه المواقف محرجة لقيادة النهضة أمام قواعدها، أكد زعيم الحركة لـ"العربي الجديد" أن "من مبادئ النهضة أن تقدر جل الوثائق التي تنص على حقوق المرأة، خصوصاً إذا كانت مرجعيتها من الإسلام واقتداء بسنته التي أكرمت المرأة وأوصت بها خيراً وهي مرجعية النهضة، فضلاً عن أن الرسول لم يهن امرأة أو يعنفها، وهو يقول ما أكرمهن إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم، لذلك نحن نحترم جميع الوثائق التي نصت على حقوق المرأة بدءاً بمجلة الأحوال الشخصية".