العودة إلى الحياة لساعة أخرى

18 اغسطس 2015
لوحة للفنان الفلسطيني إسماعيل شموط
+ الخط -
أحيانًا يكون الوقت مثل التراب الذي تريد التخلّص منه، وأحيانًا أخرى يكون أثمن من المجوهرات، أو أشبه بخيوط النور، التي يستحيل الإمساك بها. الفرق بين الأحياء والأموات هو الوقت، فالحياة تنتهي بانتهائه.
قبل عيد الربيع* بيوم، مات عشرة أشخاص وخسروا حياتهم لأسباب مختلفة، منها ؛ المرض، كبر السن أو حادثة مفاجئة الخ.. فبغض النظر عمّا إذا كانوا يحبّون الحياة أم ينزعجون منها، فقد كانوا جميعهم يتمنون العودة إليها مرّة أخرى، ولو حتى للحيظات معدودة. هذا شعور قد يعجز الأحياء عن استيعابه.
في ذلك الحين قابل الأموات العشرة، ملك الموت المكلّف بقبض أرواح البشر، الذي كان يملك عشر ساعات إضافية فقط للحياة.
تعاطف ملك الموت مع هؤلاء الأموات المتمسكين بالحياة، وقرر منح كلّ منهم ساعة واحدة للعودة إلى الحياة مرّة أخرى. لم يحدث هذا الأمر من قبل!. تراقصت قلوب الأموات العشرة من فرط السعادة. لكن كان لدى ملك الموت فضولٌ كبير لمعرفة كيف سيستغلون هذا الوقت القصير الثمين إثر عودتهم إلى الحياة لساعة واحدة فقط.
كانت هذه إجابات الأموات العشرة:
قال الأول: "أريد أن أخبّر أهلي والمقربين إلي عن الأفعال اللا أخلاقية والأخطاء التى ارتكبتها. لم يكن في نيتي أن أصرح لهم عنها من قبل، ولكننى مصمم على ذلك الآن. سيكون هذا الأمر متعباً لي إذا دفن معي".
قال الثاني: "أمنيتي أن يتمكّن الأطباء في خلال هذه الساعة من معرفة سبب المرض الذي أدّى إلى وفاتي، بل وينجحوا في اكتشاف دواء لعلاجه، وبذلك يمكننى أن أعيش أكثر من ساعة واحدة".

اقرأ أيضاً: منديل حرير

قال الثالث: "سأقضي هذه الساعة الثمينة مع ابنتي وزوجتي، فعندما كنت على قيد الحياة، كنت منغمساً في مشاغلي اليومية، لم أقض معهم ولو ساعة واحدة هادئة".
قال الرابع: "إذا عدت إلى الحياة، سأُمزّق وصيتى تلك، فقد أدركت الآن، أنه لا يجب علي الانتباه إلى هذه الأشياء. فما فائدة العشرة في المائة أو الخمسون في المائة؟ لقد قصرت كتابة هذه الوصية من عمري وعجّلت بموتي".
قال الخامس: "سأقول للسكرتيرة أن تشتري بيتاً لأولادي. وإلا لبقيت قلقاً ومشغول البال عليهم بمجرد رحيلي عن هذه الدنيا".
قال السادس: "أريد أن أنعم بحبّها ولو لساعة واحدة فقط، فهذا يكفيني".
قال السابع: "سأستغّل هذه الساعة في كتابة عمل قيم. فقد قضيت عمري كلّه أكتب كلّ أعمالي من منظور واحد فقط. لكن هذه المرّة سأعمل على توسيع مداركي وآفاقي. كلّ ما أخشاه أن يكون الوقت قصيراً ضيقاً، غير كافٍ لذلك".
قال الثامن: "صحيح، ساعة واحدة قليلة جدًا. عندما كنت حيًا أرزق، كانت أمنيتي السفر إلى خارج البلاد. وما زلت أريد أن أسافر وأرى الدنيا وإلا أصبحت هذه الحياة أيضًا فارغة لا قيمة لها".
قال التاسع: "أريد أن أعرف إذا كانت أنجبت زوجة "لي سه" ولدًا أم بنتًا، فعلى الرغم من أن "لي سه" كان متفوقًا علي في كلّ شىء، لكن، إذا كانت زوجته قد أنجبت بنتًا هذه المرّة، فسيلقى رفضًا وعدم رضا من بيت أسرة "لي سه" برمّتها، وسأصبح سعيدًا طوال حياتي".
قال العاشر: "لن أضيّع ولا ثانية واحدة، سأبذل قصارى جهدي مرّة أخرى، لاستكمال تلك اللوحة التي أمضيت أربعة أعوام كاملة من أجل رسم الأذن اليسرى للشخص الموجود في اللوحة. وإن متّ بعد ذلك، فلن أشعر بأدنى ندم".
عندما استمع ملك الموت إلى كلام الأموات العشرة، غيّر رأيه فجأة. وقرر ألّا يعطيهم تلك الساعة الإضافية للعودة إلى الحياة، بل حتّى وأن يعيد توزيع تلك الساعات العشر من جديد؛ لأنه عندما يعطي الوقت للبشر، يكون هو وحده المهتم بذلك، أما البشر فلا يفكرون بجدية في كيفية استغلاله، ولا يفهمون مضمونه أو يقدّرون قيمته. فهل يمكنه أن يغيّر من عادة البشر القديمة تلك، التى لازمتهم منذ أمد بعيد؟. ليس بالضرورة!!!
فينغ تجي تساي (1942) كاتب وروائي ورسام صينى معاصر
**عيد الربيع، هو السنة الصينية الجديدة
(الترجمة عن الصينية مي عاشور)
المساهمون