العشوائيات تحاصر سورية

27 فبراير 2015
السوريون يعيشون في مبانٍ دمّرتها براميل الأسد المتفجرة (الأناضول)
+ الخط -
حاصرت المباني المخالفة والمناطق العشوائية معظم المدن السورية، في ظل ارتفاع أسعار مواد البناء نتيجة تراجع الإنتاج وغياب الرقابة بعد أن طالت الحرب والاضطرابات الأمنية جميع أنحاء البلاد.
ولم تنتشر العشوائيات فقط في المناطق المحررة، بل امتدت إلى المدن التي يسيطر عليها النظام، حيث يضطر الأهالي إلى البناء بدون ترخيص، في ظل تخلي المجتمع الدولي عن مساعدتهم وتدهور أوضاعهم الاقتصادية وعدم قدرتهم على دفع رسوم الترخيص والبناء بمواصفات عالية الجودة لارتفاع التكاليف.
وحسب قول متخصصين بالقطاع العقاري السوري، لـ"العربي الجديد"، فإن العشوائيات تحولت إلى سرطان في جميع المدن السورية، ولا سيما في المناطق التي دمرتها قوات بشار الأسد بالبراميل المتفجرة، حيث عجز الأهالي عن إعادة إعمار منازلهم في ظل الحرب المستمرة، فقاموا ببناء وحدات عشوائية على أطلال المنازل المدمرة أو في ضواحي المدن بعيداً عن القصف.

مبانٍ غير آمنة

وقال المتخصص بقطاع العقارات في ريف إدلب، محمد فؤاد، لـ"العربي الجديد"، إن ظروف الحرب دفعت السوريين إلى البناء بشروط غير آمنة، في أرياف إدلب، وفي معظمها أعمال ترميمية لما هدمته الطائرات والبراميل المتفجرة. وأضاف فؤاد أنه رغم ارتفاع أسعار مواد البناء واستمرار القصف، إلا أن الأهالي يضطرون إلى بناء المساكن، حسب قدراتهم والإمكانات المتاحة، في ظل تخلي المجتمع الدولي عن دعمهم ومساعدتهم.
وقال تاجر مواد البناء في إدلب محمد عبد الرحمن، إن أسعار مواد البناء تضاعفت بعد الثورة نتيجة منع قوات الأسد وصول الإسمنت والحديد إلى المناطق المحررة، وزاد سعر كيس الإسمنت (50 كيلوغراماً) عن 1300 ليرة سورية (الدولار = 220 ليرة)، وطنّ الحديد عن 140 ألف ليرة، وسيارة الرمل "5 أمتار مكعبة " عن 10 آلاف ليرة.

وأضاف عبد الرحمن خلال اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، أن أجور العمالة زادت نتيجة تراجع قيمة الليرة الشرائية وقلة الأيدي العاملة بعد هجرة الشباب أو انخراطهم بالثورة والقتال، فأجر عامل البناء وصل إلى نحو 1000 ليرة في اليوم، ما أدى إلى ارتفاع تكاليف البناء.
وأكد التاجر أن المواد الأولية التي تستورد عبر تركيا، زادت تكلفة نقلها بسبب ارتفاع أسعار المازوت وطول المسافة التي يضطر إلى سلوكها السائق لتجنب حواجز قوات الأسد.
وأشار عبد الرحمن، إلى ارتفاع أسعار الرمل والبلوك "طوبة البناء"، إضافة إلى توقف العديد من "مقالع الحجر والرمل" في ريفي حلب وإدلب.

ارتفاع الإيجارات

وكانت إيجارات المنازل وأسعار العقارات في المناطق التي تقع تحت سيطرة النظام قد شهدت ارتفاعات خيالية نتيجة الطلب الزائد خلال الثورة ونزوح أكثر من 6 ملايين سوري إلى المدن الساحلية ودمشق والسويداء، ما أدى إلى انتشار السكن المخالف وتوسع العشوائيات.
ويقول المقاول في قطاع البناء بمنطقة قدسيا بريف دمشق، سمير جوخدار، إن السوق تعاني شحاً في توفير مستلزمات البناء فضلاً عن صعوبة عبور الشاحنات لكثرة انتشار حواجز النظام، ووصل سعر طن الإسمنت إلى نحو 24 ألف ليرة، وطن الحديد لزوم البناء إلى نحو 130 ألف ليرة.
ويضيف جوخدار، لقد أدى ارتفاع الأسعار وعدم وجود أراض للبناء إلى ارتفاع أسعار العقارات والبيوت، فسعر قطعة الأرض في ضواحي دمر وقدسيا بمساحة 70 متراً مربعاً قد يتجاوز مليوني ليرة سورية، في حين لم يكن سعرها يزيد عن 500 ألف ليرة قبل الحرب.
ويستدرك جوخدار أن تراجع سعر صرف الليرة وجشع بعض تجار البناء، سببان أساسيان في ارتفاع الأسعار "فمن تسمح له الدولة بالبناء هم مقرّبون أو شركاء، ومع زيادة الإقبال على العاصمة هرباً من الحرب، زاد الطلب ورفع الأسعار".

فشل مواجهة العشوائيات

وحاولت مديرية التنمية العمرانية بوزارة الإسكان التابعة لنظام الأسد مؤخراً، مواجهة العشوائيات عبر برنامج متكامل للارتقاء وإعادة تأهيل السكن العشوائي وتأمين أراض معدة للسكن، إلا أن كل هذه الإجراءات باءت بالفشل حيث تواصل انتشار البناء خارج الإطار القانوني بشكل كبير.
وأكد مدير التنمية العمرانية، رضوان درويش، في تصريحات سابقة أن ملف السكن العشوائي يعد من الملفات المهمة التي يعمل عليها النظام السوري، مضيفاً أنه تم تكليف هيئة التخطيط الإقليمي بإعادة النظر بالخريطة الوطنية للسكن العشوائي وفق الوضع الراهن والمتغيرات الحاصلة، الأمر الذي يساعد على تقديم تشخيص شامل على المستوى الوطني لحجم وتوزع خواص مناطق السكن العشوائي، وبالتالي تحديد أولويات وطبيعة التدخل (إعادة تأهيل/هدم جزئي/هدم كلي).
واعترفت وزارة الإسكان في تقرير سابق لها، بأن أي معالجة للمناطق العشوائية لن تحقق أهدافها في الوقت الحالي بسبب صعوبة العمل الميداني في المناطق التي تعاني من اضطرابات أمنية، وبالتالي فإن العمل يتم في المناطق المستقرة والتي يمكن الحصول على البيانات الخاصة بها.
وشهد قطاع العقارات استهدافاً مباشراً من طائرات وصواريخ الأسد، ما أدى بحسب "الأسكوا" لخسائر قيمتها 29 مليار دولار وطالت تداعياتها 11.276 مليون شخص، أي 50 %من إجمالي السكان تقريباً بينهم 32 % في حلب وحدها، و20 % في ريف دمشق و12% في حمص، وبلغ عدد المساكن المتضررة جزئياً أو كلياً حوالي مليوني منزل، وفقاً للأسكوا.
وأوضحت دراسة سابقة أعدها الباحث في الاقتصاد العقاري، عمار يوسف، أن قيمة إعادة إعمار وترميم البلاد تجاوزت حاجز 70 مليار دولار قابلة للزيادة يومياً، وذلك بعد دمار نحو 1,5 مليون وحدة سكنية سواء تدميراً كلياً أو جزئياً، علاوة على تدمير البنية التحتية، كالمياه والكهرباء والصرف الصحي، حسب تقرير سابق للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا "الأسكوا".
وتحتاج أعمال إعادة الإعمار بحسب الدراسة، إلى 10 آلاف ورشة و15 ألف سيارة شاحنة، وسيؤدي العمل إلى تشغيل نحو 6 ملايين عامل.
وتحتاج عملية الإعمار إلى نحو 400 مليون متر مكعب من الإسمنت، وما لا يقل عن 30 مليون طن من الحديد، وكل ذلك دون الحديث عن الخسائر التي لا تعوض في الأرواح، حيث قتل نحو 110 آلاف شخص، بالإضافة إلى مليون و6,25 لاجئ ونازح من إجمالي عدد سكان سورية البالغ أكثر من 22 مليون نسمة، حسب الدراسة.

اقرأ أيضا: الغلاء يدفع سوريين للانتحار
اقرأ أيضا: عين العرب: المدينة المنسيّة إنسانياً
المساهمون