24 ديسمبر 2016
الطريق إلى الموت عبر سجون مصر
أعادت حادثة وفاة القيادي في الجماعة الإسلامية، عصام دربالة، في سجن طرة، جنوبي القاهرة، يوم الأحد 9 أغسطس/آب الجاري، الأنظار إلى المشهد الأسود الذي يحيط بملف سجون مصر ومراكز الاعتقال فيها. وقبلها بيوم، أعلن الرئيس المصري السابق، محمد مرسي، امتناعه عن الطعام في السجن خوفاً على حياته، مشيراً إلى تعرضه لما أسماها "خمسة أحداث" داخل السجن، شكلت خطراً على حياته، مما كان سيُفضي إلى "جريمة كبرى"، بحسب تعبيره.
في 13 مايو/أيار من العام الحالي، أثارت وفاة القيادي في جماعة الإخوان المسلمين، فريد إسماعيل، في سجن العقرب، أسئلة تختص بظروف حادثة الوفاة وملابساتها، وفيما إذا كان القيادي الإخواني قد تلقى بالفعل ما يلزم من الرعاية الطبية اللازمة العاجلة، بعد إصابته بجلطة في الدماغ، وما أكدته أوساط أسرته من رفض إدارة السجن نقله للمستشفى.
وقبل ذلك، توفي الدكتور طارق محمد الغندور، الأستاذ في جامعة عين شمس، في 12 نوفمبر/تشرين ثاني 2014، بعد معاناة عام من مرض الكبد في السجن، وفي ظل ما نقلته عائلته من إصرار سلطات سجن طرة على حرمانه من تلقي العلاج المنتظم اللازم، والتي قالت إن إدارة السجن وافقت فقط قبل ساعة من وفاته على نقله إلى وحدة العلاج المكثف في جامعة المنوفية.
ولا تبدو هذه الحوادث معزولةً، أو بمعنى أدق، هي ليست حوادث فردية، على الرغم من صعوبة التوثق من أنها تشكل سياسةً تقوم على توجيهات من صانعي السياسات في السلطة الحاكمة في مصر. وهي ليست معزولةً، كون إرث إدارة السجون ومراكز التوقيف والاعتقال في مصر حافلاً ببصمات واضحة لممارسات التعذيب والإساءة والمعاملة القاسية واللا إنسانية.
وفي وقت سابق من العام الماضي، قالت منظمة هيومن رايتس ووتش، المعنية بمراقبة أوضاع حقوق الإنسان في العالم، إنها وثقت وفاة 9 أشخاص في أثناء وجودهم في الاحتجاز في مصر منذ منتصف 2103، وذكرت إن بعض الحالات شملت أشخاصاً لديهم أمراض في القلب، أو من مرضى السرطان، ممن تم منعهم من تلقي الرعاية الطبية اللازمة.
كما أن حصر ما يتم تداوله حالياً باعتباره "إهمالاً طبياً"، يصل إلى درجة "التعمد" في التعامل مع المعتقلين السياسيين في مصر، ومحصوراً بأعضاء "الإخوان المسلمين" وقيادتهم دون غيرهم، بحاجة الى التدقيق. وأبرز مثال في الوقت الراهن، المصور الصحافي، محمود أبو زيد، (الملقب شوكان) والمحتجز في السجن منذ أكثر من سبعمائة يوم من دون تهمة، تعرض خلالها للإصابة بفيروس الالتهاب الكبدي، وتشكو عائلته من انعدام العناية الطبية المتوفرة له في السجن.
وفي حين لا نعرف، على وجه الدقة والحصر، عدد المعتقلين السياسيين في مصر، فقد قال المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية إن ما لا يقل عن 41 ألف معتقل "سياسي" في السجون المصرية حالياً. وهذا الرقم في ازدياد، بالنظر إلى استحالة التحقق من ملفات السجون، بالإضافة إلى تصاعد ظاهرة الاختفاء القسري للنشطاء وغيرهم.
تعرض حياة المعتقلين إلى خطر جسيم، في سجون مصر، أمرٌ محتوم. وعلى المستوى البنيوي، بمعنى بنية هذه السجون؛ فالاكتظاظ، وانعدام التعقيم، وتدهور حالة المرافق الصحية يجعلها أقرب إلى "مكرهة" صحية، من كونها مكاناً لحجز حرية المعتقلين.
أما مسألة وفاة المعتقل "فجأة"، ومن دون سابق إنذار، فهي حجةٌ هزيلة، لا يجب أن لا تعتد بها أية سلطات عاقلة وواعية. ففي ظروف الحد الأدنى، يفحص الطبيب كل سجين، في أقرب وقت ممكن، بعد دخوله السجن، ثم يفحصه كلما اقتضت الضرورة، وخصوصا بغية اكتشاف أي مرض جسدي، أو عقلي، قد يكون مصابا به، واتخاذ التدابير الضرورية لعلاجه، وعزل السجناء الذين يشك في أنهم مصابون بأمراض معدية أو سارية. كما تطلب القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء، الصادرة عن الأمم المتحدة، من أطباء السجون تقديم تقارير إلى مدراء السجون، كلما بدا لهم أن الصحة الجسدية، أو العقلية، لسجين ما تضررت أو ستتضرر من جراء استمرار سجنه، أو من جراء أيٍّ من ظروف هذا السجن.
كما أن بعض الأمراض، ومنها التي توفي بسببها الأشخاص المشار إليهم أعلاه، "مزمنة"، لا تقتل بين عشية وضحاها، وإنما تفتك بالسجين إلى درجة قتله في حال انعدام الرعاية الصحية والطبية. كما أن نظاماً ما للرقابة والتفتيش المستقل على هذه السجون ليس موجوداً الآن. وبالتالي، إن تتبع شكاوى السجناء وتظلماتهم غير متاح أساساً. لكن أحداً ما عليه أن ينهض بهذه المسؤولية، المنوطة حالياً بالنيابة العامة المصرية. وقد أكد عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، كمال عباس، في تصريحات معلنة في 4 مايو/أيار الماضي، أن التسريبات التي خرجت لبعض الصحف والإعلام عن تعرض المساجين للتعذيب والانتهاكات ومعاملة لا إنسانية في سجن أبو زعبل كانت حقيقية، بعد أن تمكن وفد من المجلس المذكور من الدخول إلى السجن بعد عناء مرير. وتضع هذه التصريحات المسألة في سياق حقيقي.
هي ليست فنادق خمس نجوم، كما تستمر وزارة الداخلية المصرية في وصفها السجون التي تديرها. إنها، في حالها الراهن، وسياقها التاريخي، محطةٌ للتوقف قبل الموت، بأبشع أشكاله. القانون أداة لحماية سلامة البشر وصحتهم، وحين يقوم القائمون على إنفاذه، بتطويعه على هذا النحو، فإنه يستحيلُ تابوتاً مفتوحاً، لا يكف عن استقبال زواره.
وقبل ذلك، توفي الدكتور طارق محمد الغندور، الأستاذ في جامعة عين شمس، في 12 نوفمبر/تشرين ثاني 2014، بعد معاناة عام من مرض الكبد في السجن، وفي ظل ما نقلته عائلته من إصرار سلطات سجن طرة على حرمانه من تلقي العلاج المنتظم اللازم، والتي قالت إن إدارة السجن وافقت فقط قبل ساعة من وفاته على نقله إلى وحدة العلاج المكثف في جامعة المنوفية.
ولا تبدو هذه الحوادث معزولةً، أو بمعنى أدق، هي ليست حوادث فردية، على الرغم من صعوبة التوثق من أنها تشكل سياسةً تقوم على توجيهات من صانعي السياسات في السلطة الحاكمة في مصر. وهي ليست معزولةً، كون إرث إدارة السجون ومراكز التوقيف والاعتقال في مصر حافلاً ببصمات واضحة لممارسات التعذيب والإساءة والمعاملة القاسية واللا إنسانية.
وفي وقت سابق من العام الماضي، قالت منظمة هيومن رايتس ووتش، المعنية بمراقبة أوضاع حقوق الإنسان في العالم، إنها وثقت وفاة 9 أشخاص في أثناء وجودهم في الاحتجاز في مصر منذ منتصف 2103، وذكرت إن بعض الحالات شملت أشخاصاً لديهم أمراض في القلب، أو من مرضى السرطان، ممن تم منعهم من تلقي الرعاية الطبية اللازمة.
كما أن حصر ما يتم تداوله حالياً باعتباره "إهمالاً طبياً"، يصل إلى درجة "التعمد" في التعامل مع المعتقلين السياسيين في مصر، ومحصوراً بأعضاء "الإخوان المسلمين" وقيادتهم دون غيرهم، بحاجة الى التدقيق. وأبرز مثال في الوقت الراهن، المصور الصحافي، محمود أبو زيد، (الملقب شوكان) والمحتجز في السجن منذ أكثر من سبعمائة يوم من دون تهمة، تعرض خلالها للإصابة بفيروس الالتهاب الكبدي، وتشكو عائلته من انعدام العناية الطبية المتوفرة له في السجن.
وفي حين لا نعرف، على وجه الدقة والحصر، عدد المعتقلين السياسيين في مصر، فقد قال المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية إن ما لا يقل عن 41 ألف معتقل "سياسي" في السجون المصرية حالياً. وهذا الرقم في ازدياد، بالنظر إلى استحالة التحقق من ملفات السجون، بالإضافة إلى تصاعد ظاهرة الاختفاء القسري للنشطاء وغيرهم.
تعرض حياة المعتقلين إلى خطر جسيم، في سجون مصر، أمرٌ محتوم. وعلى المستوى البنيوي، بمعنى بنية هذه السجون؛ فالاكتظاظ، وانعدام التعقيم، وتدهور حالة المرافق الصحية يجعلها أقرب إلى "مكرهة" صحية، من كونها مكاناً لحجز حرية المعتقلين.
أما مسألة وفاة المعتقل "فجأة"، ومن دون سابق إنذار، فهي حجةٌ هزيلة، لا يجب أن لا تعتد بها أية سلطات عاقلة وواعية. ففي ظروف الحد الأدنى، يفحص الطبيب كل سجين، في أقرب وقت ممكن، بعد دخوله السجن، ثم يفحصه كلما اقتضت الضرورة، وخصوصا بغية اكتشاف أي مرض جسدي، أو عقلي، قد يكون مصابا به، واتخاذ التدابير الضرورية لعلاجه، وعزل السجناء الذين يشك في أنهم مصابون بأمراض معدية أو سارية. كما تطلب القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء، الصادرة عن الأمم المتحدة، من أطباء السجون تقديم تقارير إلى مدراء السجون، كلما بدا لهم أن الصحة الجسدية، أو العقلية، لسجين ما تضررت أو ستتضرر من جراء استمرار سجنه، أو من جراء أيٍّ من ظروف هذا السجن.
كما أن بعض الأمراض، ومنها التي توفي بسببها الأشخاص المشار إليهم أعلاه، "مزمنة"، لا تقتل بين عشية وضحاها، وإنما تفتك بالسجين إلى درجة قتله في حال انعدام الرعاية الصحية والطبية. كما أن نظاماً ما للرقابة والتفتيش المستقل على هذه السجون ليس موجوداً الآن. وبالتالي، إن تتبع شكاوى السجناء وتظلماتهم غير متاح أساساً. لكن أحداً ما عليه أن ينهض بهذه المسؤولية، المنوطة حالياً بالنيابة العامة المصرية. وقد أكد عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، كمال عباس، في تصريحات معلنة في 4 مايو/أيار الماضي، أن التسريبات التي خرجت لبعض الصحف والإعلام عن تعرض المساجين للتعذيب والانتهاكات ومعاملة لا إنسانية في سجن أبو زعبل كانت حقيقية، بعد أن تمكن وفد من المجلس المذكور من الدخول إلى السجن بعد عناء مرير. وتضع هذه التصريحات المسألة في سياق حقيقي.
هي ليست فنادق خمس نجوم، كما تستمر وزارة الداخلية المصرية في وصفها السجون التي تديرها. إنها، في حالها الراهن، وسياقها التاريخي، محطةٌ للتوقف قبل الموت، بأبشع أشكاله. القانون أداة لحماية سلامة البشر وصحتهم، وحين يقوم القائمون على إنفاذه، بتطويعه على هذا النحو، فإنه يستحيلُ تابوتاً مفتوحاً، لا يكف عن استقبال زواره.