حرية الإعلام لا تنقصها الجامعة العربية

11 مايو 2016
+ الخط -
أعلن الاتحاد الدولي للصحافيين (المعروف أيضاً باسم الفيديرالية الدولية للصحافيين) في الرابع من مايو/ أيار الجاري، عن طرح مبادرة تحمل اسم "الإعلان العربي لحرية الإعلام"، في ختام أعمال مؤتمر عُقد في الدار البيضاء، ضم من وصفهم بيانه الختامي بأنهم قادة العمل الإعلامي والصحافي في المنطقة العربية ومنظمات حقوق إنسان ومنظمات معنية بالدفاع عن حرية الصحافة. ونص "الإعلان" الذي عمل الاتحاد على صياغة مسودته على 16 من المبادئ التي تهدف، بحسب البيان، إلى تعزيز (وحماية) حرية التعبير وحرية الوصول للمعلومات وسلامة الصحافيين وأمنهم، بالإضافة إلى مسائل تتعلق بخطاب الكراهية والتنظيم الذاتي للصحافيين، ضمن قضايا أخرى. لكن أبرز ما حمله البيان المذكور، وقبله سلسلة من البيانات والوثائق التي تم تداولها قبل المؤتمر، هو دعم تأسيس آلية إقليمية خاصة معنية بدعم حرية الإعلام في العالم العربي، وهي مبادرةٌ سبقت فعاليات الدار البيضاء، وقال عنها الاتحاد الدولي، في وقت سابق، إنها خلاصة مشاورات استمرت أشهر طويلة، كانت نتيجتها طرح وثيقتين أساسيتين، تحمل الأولى في طياتها مقترحاً تفصيلياً لمقترح لـ "الإعلان العربي لمبادئ حرية الإعلام" الذي جرى إقراره في الدار البيضاء، فيما تتناول الثانية إطاراً فنياً وتنظيمياً على نحو مُفصل لتأسيس آليةٍ، سمتها الوثاق منصب "المقرّر الخاص المعني بحرية الإعلام في الوطن العربي".
ويبدو أن مسؤولي الاتحاد الدولي للصحافيين، وربما مُموليه، والجهات الأخرى غير الحكومية المعنية بموضوع حرية الصحافة في العالم العربي، قد تنبّهوا لمدى فداحة مبادرتهم التي استقرّت قبل الذهاب إلى مؤتمر الدار البيضاء على تأسيس المنصب المذكور، ضمن أطر جامعة الدول العربية. ويعكس البيان الختامي تراجعاً عن "الحتمية" التي ذهبت إليها وثائق ما قبل المؤتمر، بضرورة إنشاء الآلية في أحضان النظام العربي الرسمي، وأشارت، بدلاً عن ذلك، إلى ضرورة إجراء مزيد من المشاورات مع الجهات ذات العلاقة، لإيجاد أفضل إطار لاحتضان المنصب أو الآلية العتيدة.
وبرأيي، أن الخبرة الدولية التي استعان بها الاتحاد ومشاركوه من النقابات العربية الرسمية للصحافيين، للتشاور حول أفضل السبل لتعزيز حرية الصحافة والإعلام في المنطقة العربية، أخفقت، في المقام الأول، في ربط الممارسات والظروف السائدة في البيئة العربية الراهنة، بالمخرجات التي تم التوصل إليها، وليس مؤكداً أن وظيفة "مُقرّر" لحرية الصحافة في المنطقة العربية هي الخيار الرئيس على أجندة حرية الصحافة هنا، على الرغم من الإقرار بأن أصحاب المصلحة أنفسهم (أي الصحافيين العرب ومؤسسات الدفاع عن حريتهم) لم يبذلوا جهداً مستقلاً في صياغة هذه الأجندة، وتحديد مكوناتها.
لكن استمرار المشاورات حول هذا الموضوع، بقيادة طرفٍ دوليٍّ فاعلٍ مدعومٍ بتمويل من
الاتحاد الأوروبي وحكومات أخرى، وبمباركةٍ محتملةٍ من مؤسساتٍ أمميةٍ، مثل منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونيسكو)، ومشاركة نقابات عربية رسمية للصحافيين، تجعل من الضروري إعادة التأكيد على بعض المسائل المفصلية. فلا يُمكن، أبداً وتحت أي ظرف، القبول بأي مبادرةٍ، تضع منصب "المقرّر الخاص المعني بحرية الإعلام في الوطن العربي" ضمن الآليات العربية الرسمية، وأبرزها جامعة الدول العربية. وهناك مخاوف جدّية أن يُشكل فهم الاتحاد الدولي للصحافيين ومُشاركيه وداعميه الإطار القانوني الحاضن مثل هذه الآليات كارثةً كبرى. وأبرز أوجه الفهم الإشكالية هي طرح وثائق تشاورية، توصلت إلى استنتاجاتٍ أقل ما يُقال عنها إنها خاطئة، ومنها افتراض أن الميثاق العربي لحقوق الإنسان يُشكل إطاراً قانونياً حقيقياً لإسناد وظيفة هذا المقرّر، في حين أن الميثاق لا يزال بعيداً عن الإيفاء بالمتطلبات الأساسية لضمان احترام حقوق الإنسان، وفي وقت لم تصادق نصف الدول العربية عليه، وفي وقتٍ لم تقم أي دولة عربية بتعديل تشريعاتها أو مواءمتها لتنسجم معه.
وفي السياق نفسه، اعتبرت الوثائق المذكورة أن اللجنة العربية لحقوق الإنسان، والتابعة لجامعة الدول العربية، جهة "تضطلع بدور حقيقي في تعزيز وحماية حقوق الإنسان"، في حين أنه لم يُسجل، لغاية اللحظة، أي إنجازٍ يُذكر لهذه اللجنة، وفي وقت تفتقر اللجنة، بشكل صارخ، لاستقلال عن الهيئات السياسية والحكومية، بما في ذلك عضوية ثلاثة موظفين حكوميين فيها على الأقل، من ضمنهم وزيرٌ على رأس عمله.
كما أسست هذه الوثائق لافتراضات ضبابية وغير حقيقية، مثل استنتاجٍ مفاده بأن "تأسيس المقرّر الخاص المعني بحرية الإعلام في الوطن العربي تحت إطار أجهزة الجامعة العربية هو أفضل خيار"، بسبب تغطية مناطق الوطن العربي كافة، وهو افتراضٌ تدحضه الوقائع الميدانية والحافلة بالحروب وتنازع السلطة على المناطق الجغرافية بين الحكومات والجماعات المسلحة. كما أخفقت الخبرة الدولية التي استعان بها الاتحاد في ربط الحاجة إلى آليات فاعلة، مع انعدامٍ شبه مُطلق في آليات التظلم والشكاوى على المستوى العربي، على غرار المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، أو محكمة الشعوب الإفريقية لحقوق الإنسان. وأسهم إصرار حكومات الدول العربية على تفريغ مشروع المحكمة العربية لحقوق الإنسان من مضامين الاستقلالية والمهنية إلى جعلها أداةً أخرى بيدها. وأبرز دليل على ذلك منح الحق للحكومات وحدها بتقديم الشكاوى، ومنعه على الأفراد أو المجموعات الأخرى صاحبة المظالم.
أينما ذهبت واتجهت جهود مشاورات هذه الجهة الدولية وشركائها، فإن من واجب الجميع منع إهداء الحكومات العربية أداةً إضافية لخنق حرية الصحافة والإعلام. وعلى الرغم من أن الجهود المبذولة من الاتحاد الدولي للصحافيين ثمينة؛ إلا أن على الجماعة الحقوقية والصحافية في منطقتنا أن تقود بنفسها جهود صياغة أجندة واقعية لحماية حرية الصحافة وحرية التعبير.

0D42F830-E8EB-4AD9-84F2-8C584BB79687
فادي القاضي

خبيرٌ إقليمي، من الأردن، في مجالات حقوق الانسان والإعلام والمجتمع المدني.