07 سبتمبر 2016
مجرمو الحرب في سورية إلى تحقيق أُممي
تطورٌ غير مسبوق جرى ليلة 21 ديسمبر/ كانون الأول الجاري بتوقيت المنطقة العربية، حين أقرّ أعضاء الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك مسودة مشروع قرار طرحته قطر وليختشتاين، وتبنته 38 دولة من أعضاء الجمعية قبل طرحه للتصويت، وهو يقضي، في أهم وأبرز ما جاء فيه، بإنشاء آلية دولية مستقلة وغير مُنحازة للمساعدة في التحقيق ومقاضاة المسؤولين عن ارتكاب جرائم خطيرة، وفق مقتضيات القانون الدولي في سورية منذ مارس/ آذار 2011، تحت مظلة الأمم المتحدة.
وشدّدت الفقرة الرابعة من القرار على ضرورة تعاون الآلية الجديدة مع اللجنة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق حول سورية، في سياق جمع ومطابقة وحفظ وتحليل الأدلة على وقوع انتهاكات للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، وتحضير ملفات لتسهيل وتسريع إجراءات "تقاضٍ" جنائية مستقلة وعادلة، طبقاً لمعايير القانون الدولي، سواء في المحاكم الوطنية أو الإقليمية أو الدولية، أو المحاكم الخاصة المُنشأة وفقاً لمتطلبات القانون الدولي، والتي من الممكن أن تكون صاحبة الولاية، الآن أو في المستقبل، لمحاكمة هذه الجرائم.
وطالب القرار الأمين العام للأمم المتحدة بالقيام، في غضون عشرين يوماً، بالإعداد للإطار المرجعي الذي يحكم عمل الآلية الجديدة، بالتنسيق مع مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة. كما طلب، في فقرته السادسة، من جميع "أطراف النزاع" والمنظمات غير الحكومية التعاون مع الآلية الجديدة، وعلى الأخص فيما يتعلق بتزويدها بالوثائق والمعلومات المتوفرة (حول الانتهاكات).
والقرار غير مسبوق، أولاً لكونه القرار الأممي الأول من نوعه الذي يتناول حصراً مسألة
العدالة والمُحاسبة على جرائم الحرب، وغيرها من الجرائم، والتي قد يشمل بعضها جرائم ضد الإنسانية، في سورية. وهو كذلك ثانياً، بسبب أن إطاره الزمني تجاوز الأحداث الراهنة، ومنها، مثلاً، حصار مدينة حلب من قوات حكومة دمشق مدعومةً بالمليشيات المتحالفة معها، والوضع اللاإنساني فيها طوال فترة الحصار، والذي انتهى على نحو تراجيدي بسقوط الجزء الشرقي منها الذي كانت تسيطر عليه المعارضة المسلحة في قبضة قوات الحكومة، وما تخلل ذلك من استخدامٍ غير مشروع للقنابل البرميلية والقصف الجوي غير التمييزي (لا يُميز بين الأهداف العسكرية والمدنيين) واستهداف المستشفيات والكادر الطبي إلى قطع طرق الإمدادات الإنسانية والطبية.
وتعكس العودة في إطار عمل الآلية الجديدة إلى 2011 دلالاتٍ في غاية الأهمية، وترد الأزمة إلى جذورها القريبة المعاصرة، وبالتحديد إلى اندلاع التظاهرات السلمية في أرجاء سورية، بهدف المطالبة بالديمقراطية والإصلاح ورحيل الرئيس بشار الأسد، والتي قوبلت بقمعٍ غير مسبوق، تخلله قتل المتظاهرين والإمعان في التعذيب واخفاء الناشطين وترويع السكان.
ويُشكل القرار الجديد القاضي بإنشاء آلية مستقلة للتحقيق والإعداد لمقاضاة مجرمي الحرب في سورية تحدياً متعدّد المستويات، على الرغم من حقيقة أنه جاء في لحظة فراغ وقنوط دولي إزاء إمكانية وقف طوفان الجرائم وانتهاكات حقوق الإنسان في سورية.
ويبرز التحدّي الأول في الطرائق الفنية التي ستعمل بها آلية التقصّي الجديدة. ففي الوقت الذي عارضت فيه حكومة دمشق القرار وصوّتت ضده، إلى جانب حلفائها الأساسيين، مثل روسيا وإيران، فإن المتطلب الفني الأساسي لعمل آلية التحقيق والتقصّي، كما أشار القرار في فقرته السادسة، يكمن في إتاحة الوصول إلى المعطيات والبيانات والمعلومات المتعلقة بوقوع الانتهاكات، وجمع الأدلة حولها، ومطابقتها وتحليلها في سياق موضوعي، بهدف تقديمها "بينةً" جُرمية، من الممكن استخدامها لاحقاً في مجريات عملية التقاضي، أينما وكيفما انعقدت مجريات المحاكمة، إلا أن ما يُرجّحُ حول امتناع حكومة دمشق عن التعاون مع الآلية، ومنعها أو إعاقتها من التجول في الأراضي السورية التي تسيطر عليها، وعدم السماح لها بمقابلة مسؤولين ترغب في الحصول على إفاداتهم، أو منعها من التوصل إلى سجل وثائق لدى الهيئات الحكومية والعسكرية؛ من شأنه أن يُشكّل تحدياً بارزاً.
ومن ناحيةٍ أخرى، يتوجّب على الآلية الجديدة والفريق الذي سيعمل بموجب إطار مرجعيتها
تصميم "منهجية عمل"، تسهم في تسهيل جمعها الأدلة والحصول على المعلومات التي من شأنها الوصول إلى هذه الأدلة. ويبرز هنا تحديان أساسيان، سيعيقان عمل الآلية، بغض النظر عن تعاون حكومة دمشق من عدمه. ويتلخص الأول في عامل "مرور الزمن" الذي يتجلى في التغير المضطرد لحالة الأماكن والقرى والبلدات والمدن التي كانت مسرحاً للقتال، والحصار، والتجويع، وغيرها من الأفعال التي انطوت على جرائم وانتهاكات، بالنظر إلى أن الإطار الزمني الذي تنظر الآلية فيه يمتد منذ مارس/ آذار 2011 إلى اللحظة الراهنة. وعلى الرغم من أن الإطار الزمني المنظور ليس طويلاً، إلا أن ضراوة الفعل العسكري وتعدّد فاعليه راكمت بحراً من التفاصيل التي سيتوجب على الفريق العامل التدقيق فيها.
كما يتلخص التحدّي الأساسي الثاني في عامل "حالة شهود العيان"، وهو بكل بساطة بقاء من عدم بقاء شهود العيان على حصول ما حصل من جرائم وانتهاكات في الفترة المذكورة. وقد أحدثت موجة النزوح الداخلي والخارجي واللجوء والتهجير وضعاً مُعقداً، على الأقل من الناحية اللوجيستية، فيما يتعلق بحصر أماكن وجود الشهود، إن كانوا على قيد الحياة، والحصول على إفاداتهم.
ومن الخيارات المتاحة أمام فريق عمل الآلية الجديدة، فيما يتعلق بالتعامل مع الشهود واستقصاء المعطيات، وفي حال عدم التمكّن من دخول الأراضي السورية، جمع إفاداتٍ من الأشخاص الذين غادروا البلاد، وإجراء مقابلات مع أشخاص، والاتصال بالضحايا بطرق مختلفة عبر الإنترنت وغيره من الوسائل، بالإضافة إلى تفحص صور وتسجيلات فيديو وصور الأقمار الصناعية، على غرار ما قامت به لجنة التحقيق الدولية المستقلة حول سورية، مثلاً، في تقريرها الذي نظرت به الجمعية العمومية للأمم المتحدة في أغسطس/ آب 2012.
وأمام فرق عمل الآلية الدولية تحدياتٌ أخرى على الصعيدين، الفني واللوجيستي، فيما يتعلق بإعداد منهجية عملها، فهي مُطالبةٌ بمراعاة الاتساق، وبأن تنسجم الطرائق التي تجمع فيها المعلومات مع الغاية من استخدامها. والحال هنا أن هذه المعلومات والهادفة إلى الحصول على دليل ذي طابع جنائي، يصعب الحصول عليها في سياق الوضع القائم في سورية وخارجها، بما يعنيه ذلك من إمكانية إطالة فترة عمل هذه الآلية إلى أمد أبعد مما يتوخّاه الداعمون للقرار الأممي الذي أنشأ الآلية. كما أن الأسس التي يقوم عليه التحرّي الدقيق لانتهاكات حقوق الإنسان تقوم على مبدأ التماسّ المباشر مع مصادر المعلومات وتجنب الوساطة، وهذا كذلك معقدٌ وشاق.
إلا أن عدداً من الجوانب التي ستسهم إيجاباً في دفع عمل الفريق العامل ضمن إطار الآلية الجديدة يتمثل في وجود عدد غير قليل من المنظمات السورية غير الحكومية والمستقلة التي عملت منذ سنوات على توثيق الجرائم المرتكبة، وتدوين أسماء الضحايا، وتسجيل حالة الأماكن التي تعرّضت لهجمات غير تمييزية، وقدمت خرائط، وإفادات ومعطيات عديدة أخرى. وتقدم هذه المنظمات أصلاً هذه المعلومات للجمهور بشكل عام عبر مواقع إلكترونية.
كما أن العمل الذي قامت به منظمات حقوق الإنسان الدولية المستقلة لتوثيق الجرائم المرتكبة والانتهاكات المتعلقة بحقوق الإنسان بعد مارس/ آذار 2011، وإلى بدايات العام 2103، تشكل مرجعاً مهماً غنياً بالمعلومات، وبالتحديد لأن هذه المعلومات توفرت لهذه المنظمات في فترةٍ كان ما يزال مُتاحاً لها دخول الأراضي السورية وإجراء تحقيقاتها المستقلة.
ويتلخص الهدف العام للآلية الجديدة، بمعزل عن انتظار الإطار المرجعي الذي على الأمين العام للأمم المتحدة إنجازه في الفترة القريبة المقبلة، في إيجاد الحقائق المتصلة بانتهاكات حقوق الإنسان المزعومة، وتحديد المسؤولين عن ارتكاب هذه الانتهاكات، بهدف تحميلهم المسؤولية، ولاستخدامها في سياق إجراءات تقاضٍ جنائية الطابع، من ضمن أهدافها من دون ريب إنصاف الضحايا.
وشدّدت الفقرة الرابعة من القرار على ضرورة تعاون الآلية الجديدة مع اللجنة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق حول سورية، في سياق جمع ومطابقة وحفظ وتحليل الأدلة على وقوع انتهاكات للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، وتحضير ملفات لتسهيل وتسريع إجراءات "تقاضٍ" جنائية مستقلة وعادلة، طبقاً لمعايير القانون الدولي، سواء في المحاكم الوطنية أو الإقليمية أو الدولية، أو المحاكم الخاصة المُنشأة وفقاً لمتطلبات القانون الدولي، والتي من الممكن أن تكون صاحبة الولاية، الآن أو في المستقبل، لمحاكمة هذه الجرائم.
وطالب القرار الأمين العام للأمم المتحدة بالقيام، في غضون عشرين يوماً، بالإعداد للإطار المرجعي الذي يحكم عمل الآلية الجديدة، بالتنسيق مع مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة. كما طلب، في فقرته السادسة، من جميع "أطراف النزاع" والمنظمات غير الحكومية التعاون مع الآلية الجديدة، وعلى الأخص فيما يتعلق بتزويدها بالوثائق والمعلومات المتوفرة (حول الانتهاكات).
والقرار غير مسبوق، أولاً لكونه القرار الأممي الأول من نوعه الذي يتناول حصراً مسألة
وتعكس العودة في إطار عمل الآلية الجديدة إلى 2011 دلالاتٍ في غاية الأهمية، وترد الأزمة إلى جذورها القريبة المعاصرة، وبالتحديد إلى اندلاع التظاهرات السلمية في أرجاء سورية، بهدف المطالبة بالديمقراطية والإصلاح ورحيل الرئيس بشار الأسد، والتي قوبلت بقمعٍ غير مسبوق، تخلله قتل المتظاهرين والإمعان في التعذيب واخفاء الناشطين وترويع السكان.
ويُشكل القرار الجديد القاضي بإنشاء آلية مستقلة للتحقيق والإعداد لمقاضاة مجرمي الحرب في سورية تحدياً متعدّد المستويات، على الرغم من حقيقة أنه جاء في لحظة فراغ وقنوط دولي إزاء إمكانية وقف طوفان الجرائم وانتهاكات حقوق الإنسان في سورية.
ويبرز التحدّي الأول في الطرائق الفنية التي ستعمل بها آلية التقصّي الجديدة. ففي الوقت الذي عارضت فيه حكومة دمشق القرار وصوّتت ضده، إلى جانب حلفائها الأساسيين، مثل روسيا وإيران، فإن المتطلب الفني الأساسي لعمل آلية التحقيق والتقصّي، كما أشار القرار في فقرته السادسة، يكمن في إتاحة الوصول إلى المعطيات والبيانات والمعلومات المتعلقة بوقوع الانتهاكات، وجمع الأدلة حولها، ومطابقتها وتحليلها في سياق موضوعي، بهدف تقديمها "بينةً" جُرمية، من الممكن استخدامها لاحقاً في مجريات عملية التقاضي، أينما وكيفما انعقدت مجريات المحاكمة، إلا أن ما يُرجّحُ حول امتناع حكومة دمشق عن التعاون مع الآلية، ومنعها أو إعاقتها من التجول في الأراضي السورية التي تسيطر عليها، وعدم السماح لها بمقابلة مسؤولين ترغب في الحصول على إفاداتهم، أو منعها من التوصل إلى سجل وثائق لدى الهيئات الحكومية والعسكرية؛ من شأنه أن يُشكّل تحدياً بارزاً.
ومن ناحيةٍ أخرى، يتوجّب على الآلية الجديدة والفريق الذي سيعمل بموجب إطار مرجعيتها
كما يتلخص التحدّي الأساسي الثاني في عامل "حالة شهود العيان"، وهو بكل بساطة بقاء من عدم بقاء شهود العيان على حصول ما حصل من جرائم وانتهاكات في الفترة المذكورة. وقد أحدثت موجة النزوح الداخلي والخارجي واللجوء والتهجير وضعاً مُعقداً، على الأقل من الناحية اللوجيستية، فيما يتعلق بحصر أماكن وجود الشهود، إن كانوا على قيد الحياة، والحصول على إفاداتهم.
ومن الخيارات المتاحة أمام فريق عمل الآلية الجديدة، فيما يتعلق بالتعامل مع الشهود واستقصاء المعطيات، وفي حال عدم التمكّن من دخول الأراضي السورية، جمع إفاداتٍ من الأشخاص الذين غادروا البلاد، وإجراء مقابلات مع أشخاص، والاتصال بالضحايا بطرق مختلفة عبر الإنترنت وغيره من الوسائل، بالإضافة إلى تفحص صور وتسجيلات فيديو وصور الأقمار الصناعية، على غرار ما قامت به لجنة التحقيق الدولية المستقلة حول سورية، مثلاً، في تقريرها الذي نظرت به الجمعية العمومية للأمم المتحدة في أغسطس/ آب 2012.
وأمام فرق عمل الآلية الدولية تحدياتٌ أخرى على الصعيدين، الفني واللوجيستي، فيما يتعلق بإعداد منهجية عملها، فهي مُطالبةٌ بمراعاة الاتساق، وبأن تنسجم الطرائق التي تجمع فيها المعلومات مع الغاية من استخدامها. والحال هنا أن هذه المعلومات والهادفة إلى الحصول على دليل ذي طابع جنائي، يصعب الحصول عليها في سياق الوضع القائم في سورية وخارجها، بما يعنيه ذلك من إمكانية إطالة فترة عمل هذه الآلية إلى أمد أبعد مما يتوخّاه الداعمون للقرار الأممي الذي أنشأ الآلية. كما أن الأسس التي يقوم عليه التحرّي الدقيق لانتهاكات حقوق الإنسان تقوم على مبدأ التماسّ المباشر مع مصادر المعلومات وتجنب الوساطة، وهذا كذلك معقدٌ وشاق.
إلا أن عدداً من الجوانب التي ستسهم إيجاباً في دفع عمل الفريق العامل ضمن إطار الآلية الجديدة يتمثل في وجود عدد غير قليل من المنظمات السورية غير الحكومية والمستقلة التي عملت منذ سنوات على توثيق الجرائم المرتكبة، وتدوين أسماء الضحايا، وتسجيل حالة الأماكن التي تعرّضت لهجمات غير تمييزية، وقدمت خرائط، وإفادات ومعطيات عديدة أخرى. وتقدم هذه المنظمات أصلاً هذه المعلومات للجمهور بشكل عام عبر مواقع إلكترونية.
كما أن العمل الذي قامت به منظمات حقوق الإنسان الدولية المستقلة لتوثيق الجرائم المرتكبة والانتهاكات المتعلقة بحقوق الإنسان بعد مارس/ آذار 2011، وإلى بدايات العام 2103، تشكل مرجعاً مهماً غنياً بالمعلومات، وبالتحديد لأن هذه المعلومات توفرت لهذه المنظمات في فترةٍ كان ما يزال مُتاحاً لها دخول الأراضي السورية وإجراء تحقيقاتها المستقلة.
ويتلخص الهدف العام للآلية الجديدة، بمعزل عن انتظار الإطار المرجعي الذي على الأمين العام للأمم المتحدة إنجازه في الفترة القريبة المقبلة، في إيجاد الحقائق المتصلة بانتهاكات حقوق الإنسان المزعومة، وتحديد المسؤولين عن ارتكاب هذه الانتهاكات، بهدف تحميلهم المسؤولية، ولاستخدامها في سياق إجراءات تقاضٍ جنائية الطابع، من ضمن أهدافها من دون ريب إنصاف الضحايا.