02 اغسطس 2017
الطريق إلى الإليزيه... مفترق الاختيارات الصعبة
على بعد أسابيع من الانتخابات الرئاسية في فرنسا، تزداد حرارة المشهد السياسي الفرنسي ويتجه كل مرشح لمخاطبة الفرنسيين، كاشفاً عن برنامجه الانتخابي، ومتحدثاً عن مزاياه مقارنة بمنافسيه. وتأتي هذه الانتخابات في ظرفية مهمة، فمجموعة من التساؤلات تطرح في فرنسا، منها قضايا بنيوية عميقة داخل المجتمع الفرنسي، كالهجرة، الاندماج، الإسلام، الإصلاح الاقتصادي، ناهيك عن المشكلات الاجتماعية المتعلقة بنسب الفقر والتهميش المتزايدة، تصاعد البطالة وغلاء المعيشة، كما نجد قضايا آنية فرضتها الظرفية العالمية، فصعود دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة الأميركية، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى مسألة اللاجئين، وانتشار الإرهاب والتطرف التي تطفو على السطح الأوروبي عامة والفرنسي خاصة.
وإذا تمحصنا في البرامج الانتخابية المقدمة من المرشحين، نجد سيطرة الهاجس الأمني والاقتصادي على المرشحين. من اليمين، حيث نجح فرنسوا فيون في الانتخابات التمهيدية لحزب الجمهوريين، متفوقاً على أسماء بارزة، منها الرئيس السابق، نيكولا ساركوزي، والوزير الأول سابقا، ألن جوبيه. يقدم فيون برنامجا ليبيراليا حادا، فقد وعد بإصلاح المالية العامة، فمعدل المديونية يتجاوز %57 من الناتج الداخلي الخام من خلال تقليص الوظائف بالقطاع العام، بإلغاء خمسمئة ألف وظيفة في السنوات الخمس القادمة، كما وعد بتخفيض معدل البطالة إلى %5، أي إلى نصف ما هي عليه حاليا، خصوصا عند الشباب، فنسبة البطالة عند الشباب الفرنسي جد مرتفعة، وتضاعف نسبة البطالة عند الفئة ذاتها في ألمانيا.
تمثل التنافسية إشكالية اقتصادية كبيرة في فرنسا، وكان فيون قد خصص حصة كبيرة من برنامجه الانتخابي لقطاع الأعمال، عبر تعديل ساعات العمل وزيادة ساعات العمل الأسبوعية من 35 إلى 39، مع جعل قوانين العمل أكثر مرونة، ثم تمويل وتشجيع إنشاء المقاولات وتخفيض معدلات الضريبة على الشركات. كما يهتم بمسألة التكوين المهني وزيادة عدد المتعلمين المهنيين. وفي أقصى اليمين، تحقق مرشحة حزب الجبهة الوطنية، مارين لوبين، قفزات كبيرة، فعدد المصوتين لهذا الحزب في زيادة مضطردة، سواء تعلق الأمر بانتخابات رئاسية، برلمانية أو جهوية، مستندة على خطاب معاد للهجرة وللفرنسيين ذوي الأصول العربية، واعدة بمحاربة مظاهر التدين وبشديد الممارسات الأمنية، وتقييد عمل المهاجرين عبر زيادة الضرائب على المؤسسات الفرنسية التي توظف أجانب، وتعد بزيادة ساعات العمل وتوطين قطاعات اقتصادية عديدة تهتم بالتصنيع، واعدة بتقديم محفزاتٍ، والرفع من تعويضات المتقاعدين الذين طالما شكلوا كتلة انتخابية لحزب الجبهة الوطنية. وفي خطاب شعبوي، تعد مارين لوبين بتنظيم استفتاء للخروج من الاتحاد الأوروبي، شبيه بالبريكسيت البريطاني، وبمراجعة اتفاقيات التبادل الحر مع دول عديدة.
ويواجه مرشحا اليمين، فيون ولوبين، اتهامات بالفساد المالي، ففيون متهم بتوظيف زوجته وأبنائه خلال فترة توليه الوزارة الأولى في فرنسا وإعطائهم تعويضاتٍ وهمية، كما تجد مارين لوبين نفسها متهمة بإعطاء تعويضاتٍ كبيرة لمساعدتها، وتوظيف حارسها الشخصي باعتبارها نائبا في البرلمان الأوروبي، ناهيك عن اتهامها بالحصول على تمويل روسي لحملتها الانتخابية.
وعلى الجانب الآخر، يمر اليسار بفترة عصيبة، ففشل الرئيس الفرنسي الحالي، فرنسوا هولاند، في إنجاز وعوده الانتخابية، وتدهور الأوضاع الأمنية، إضافة إلى عدم قدرته على المضي في مشاريعه المتعلقة بتعديل الدستور وإصلاح قانون العمل، كلها عوامل ساهمت في إعلانه عدم الترشح لولاية ثانية، الأمر الذي فتح الباب على مصراعيه أمام مرشحي اليسار، فنجح بنوا هامون وزير التعليم المستقيل من حكومة هولاند الأولى، ومن أشد معارضيه في الحزب الاشتراكي، في تجاوز أسماء يسارية بارزة، كأرنو مونتبورغ وزير الاقتصاد والصناعة السابق، ومانويل فالس الوزير الأول في عهد هولاند، مقدما برنامجا يوصف بالحالم، والبعيد عن الواقع، من خلال تقليص ساعات العمل الأسبوعية إلى 32 ساعة، وواعدا بإعطاء دخل شامل لكل الفرنسيين، كيفما كانت وضعياتهم، من أجل حياة كريمة، كما يعد بتدعيم البنية التحتية والإيكولوجية لفرنسا. ويختلف كثيرا عن مجموعة من السياسيين الفرنسيين في مسألة العلمانية، حيث قانون منع الحجاب في المدارس سنة 2004 ومشروع قانون إسقاط الجنسية عن الفرنسيين، مرتكبي الجرائم الإرهابية من مزدوجي الجنسية سنة 2015، ويعتبر مدافعا عن المهاجرين، وعن الفرنسيين من أصول عربية.
وجدير بالذكر أن هناك تقاربا كبيرا بين برنامجي هامون وجون لوك ميلوشون، المنشق عن الحزب الاشتراكي سنة 2008، والذي ينسج علاقات كبيرة مع المجتمع المدني الفرنسي في قضايا الاندماج، الهجرة والتدين في فرنسا، كما يقدم أطروحة متكاملة لتخفيض معدلات الفقر وغلاء الأسعار.
وتشكل الانتخابات الرئاسية في فرنسا لسنة 2017 استثناءً، بوجود مرشح شاب، له مسار مختلف، يتعلق الأمر بإيمانويل ماكرون وزير الاقتصاد السابق ومستشار الرئيس هولاند سابقا، فالرجل ذو الخلفية الاقتصادية والتجربة المهنية في عالم المال والأعمال يقدم رؤية مخالفة لما هو موجود في فرنسا، حيث يقدم نموذجا اقتصاديا، يعتمد على الليبرالية الاجتماعية، شبيه بحالة الدول الاسكندنافية، مشددا على ضرورة الانفتاح وتشجيع القطاع الخاص وريادة الأعمال، مع الحفاظ على الحماية الاجتماعية، فالرجل صاحب 38 سنة يصوغ نموذجا لمرشح شاب بتاريخ يساري، لكن بأفكار منفتحة على الرأسمالية، مدعما أطروحته بأن الاستثمار هو السبيل لإيجاد فرص عمل مع ضرورة إصلاح الأجور، حيث يقترح تخفيض الفرق بين الدخلين، الخام
والصافي، من خلال تقليص التكاليف الاجتماعية، كما يعد بمرونةٍ في نظام التقاعد، وتخفيض الضريبة على الشركات من 35 إلى 15، الأمر الذي يمكن من خلاله تخفيض البطالة إلى 7 سنة 2022، وإمكانية توفير 60 مليار يورو لإصلاح المالية العامة، مع تخفيض تحفيزات العاطلين عن العمل، والاهتمام بالطبقة الوسطى. ويعتبر هذا البرنامج أكثر قربا للواقعية، كما تعتبر مواقف هذا المرشح معتدلةً في مسألة العلمانية، الهجرة والهوية، فهو يحظى بدعم مجتمع المال والأعمال، ودعم أحزاب الوسط، حيث أعلن وزير التعليم السابق، فرانسوا بايرو دعمه، كما يجد تأييد كبيرا في صفوف اليساريين.
وإجمالا، تبقى العروض السياسية الفرنسية متواضعة، ولا تحظى بالرضا الكامل للمصوّتين، فالظروف الداخلية والخارجية تستلزم تغييرات جذرية وثورة نوعية على الممارسات الماضية، إذ يتحدث مثقفون ومفكرون فرنسيون كثيرون عن ضرورة إقامة جمهورية سادسة، بعقد اجتماعي جديد ووثيقة دستورية مغايرة، تأخذ بالاعتبار التحديات السياسية، الأمنية، الخارجية، الاقتصادية والاجتماعية، في ظل ضبابية المشهد العالمي، بغياب قيادة واضحة، تصاعد قوى اقتصادية وسياسية، كروسيا والصين، والتساؤل عن جدوى التكتلات الاقتصادية، كمشروع الاتحاد الأوروبي الذي اعتبر مشروع القرن خلال بداية الألفية الثالثة.
تظل الاختيارات صعبةً، أما المصوتون الفرنسيون، فقد شهدت الانتخابات، منذ بداية القرن الحالي، تصويتا منهم عقابيا، وفي بعض الأحيان، تصويتا غير حر، يجبر الفرنسيين على اختيار المرشح الأقل خطرا والأخف ضررا في مواجهة اليمين المتطرف، لكن التنافس في انتخابات مايو/ أيار المقبل، جد حاد، باعتباره مصيريا في تاريخ فرنسا، وحتى إجرائها، تبقى كل الاحتمالات واردة.
وإذا تمحصنا في البرامج الانتخابية المقدمة من المرشحين، نجد سيطرة الهاجس الأمني والاقتصادي على المرشحين. من اليمين، حيث نجح فرنسوا فيون في الانتخابات التمهيدية لحزب الجمهوريين، متفوقاً على أسماء بارزة، منها الرئيس السابق، نيكولا ساركوزي، والوزير الأول سابقا، ألن جوبيه. يقدم فيون برنامجا ليبيراليا حادا، فقد وعد بإصلاح المالية العامة، فمعدل المديونية يتجاوز %57 من الناتج الداخلي الخام من خلال تقليص الوظائف بالقطاع العام، بإلغاء خمسمئة ألف وظيفة في السنوات الخمس القادمة، كما وعد بتخفيض معدل البطالة إلى %5، أي إلى نصف ما هي عليه حاليا، خصوصا عند الشباب، فنسبة البطالة عند الشباب الفرنسي جد مرتفعة، وتضاعف نسبة البطالة عند الفئة ذاتها في ألمانيا.
تمثل التنافسية إشكالية اقتصادية كبيرة في فرنسا، وكان فيون قد خصص حصة كبيرة من برنامجه الانتخابي لقطاع الأعمال، عبر تعديل ساعات العمل وزيادة ساعات العمل الأسبوعية من 35 إلى 39، مع جعل قوانين العمل أكثر مرونة، ثم تمويل وتشجيع إنشاء المقاولات وتخفيض معدلات الضريبة على الشركات. كما يهتم بمسألة التكوين المهني وزيادة عدد المتعلمين المهنيين. وفي أقصى اليمين، تحقق مرشحة حزب الجبهة الوطنية، مارين لوبين، قفزات كبيرة، فعدد المصوتين لهذا الحزب في زيادة مضطردة، سواء تعلق الأمر بانتخابات رئاسية، برلمانية أو جهوية، مستندة على خطاب معاد للهجرة وللفرنسيين ذوي الأصول العربية، واعدة بمحاربة مظاهر التدين وبشديد الممارسات الأمنية، وتقييد عمل المهاجرين عبر زيادة الضرائب على المؤسسات الفرنسية التي توظف أجانب، وتعد بزيادة ساعات العمل وتوطين قطاعات اقتصادية عديدة تهتم بالتصنيع، واعدة بتقديم محفزاتٍ، والرفع من تعويضات المتقاعدين الذين طالما شكلوا كتلة انتخابية لحزب الجبهة الوطنية. وفي خطاب شعبوي، تعد مارين لوبين بتنظيم استفتاء للخروج من الاتحاد الأوروبي، شبيه بالبريكسيت البريطاني، وبمراجعة اتفاقيات التبادل الحر مع دول عديدة.
ويواجه مرشحا اليمين، فيون ولوبين، اتهامات بالفساد المالي، ففيون متهم بتوظيف زوجته وأبنائه خلال فترة توليه الوزارة الأولى في فرنسا وإعطائهم تعويضاتٍ وهمية، كما تجد مارين لوبين نفسها متهمة بإعطاء تعويضاتٍ كبيرة لمساعدتها، وتوظيف حارسها الشخصي باعتبارها نائبا في البرلمان الأوروبي، ناهيك عن اتهامها بالحصول على تمويل روسي لحملتها الانتخابية.
وعلى الجانب الآخر، يمر اليسار بفترة عصيبة، ففشل الرئيس الفرنسي الحالي، فرنسوا هولاند، في إنجاز وعوده الانتخابية، وتدهور الأوضاع الأمنية، إضافة إلى عدم قدرته على المضي في مشاريعه المتعلقة بتعديل الدستور وإصلاح قانون العمل، كلها عوامل ساهمت في إعلانه عدم الترشح لولاية ثانية، الأمر الذي فتح الباب على مصراعيه أمام مرشحي اليسار، فنجح بنوا هامون وزير التعليم المستقيل من حكومة هولاند الأولى، ومن أشد معارضيه في الحزب الاشتراكي، في تجاوز أسماء يسارية بارزة، كأرنو مونتبورغ وزير الاقتصاد والصناعة السابق، ومانويل فالس الوزير الأول في عهد هولاند، مقدما برنامجا يوصف بالحالم، والبعيد عن الواقع، من خلال تقليص ساعات العمل الأسبوعية إلى 32 ساعة، وواعدا بإعطاء دخل شامل لكل الفرنسيين، كيفما كانت وضعياتهم، من أجل حياة كريمة، كما يعد بتدعيم البنية التحتية والإيكولوجية لفرنسا. ويختلف كثيرا عن مجموعة من السياسيين الفرنسيين في مسألة العلمانية، حيث قانون منع الحجاب في المدارس سنة 2004 ومشروع قانون إسقاط الجنسية عن الفرنسيين، مرتكبي الجرائم الإرهابية من مزدوجي الجنسية سنة 2015، ويعتبر مدافعا عن المهاجرين، وعن الفرنسيين من أصول عربية.
وجدير بالذكر أن هناك تقاربا كبيرا بين برنامجي هامون وجون لوك ميلوشون، المنشق عن الحزب الاشتراكي سنة 2008، والذي ينسج علاقات كبيرة مع المجتمع المدني الفرنسي في قضايا الاندماج، الهجرة والتدين في فرنسا، كما يقدم أطروحة متكاملة لتخفيض معدلات الفقر وغلاء الأسعار.
وتشكل الانتخابات الرئاسية في فرنسا لسنة 2017 استثناءً، بوجود مرشح شاب، له مسار مختلف، يتعلق الأمر بإيمانويل ماكرون وزير الاقتصاد السابق ومستشار الرئيس هولاند سابقا، فالرجل ذو الخلفية الاقتصادية والتجربة المهنية في عالم المال والأعمال يقدم رؤية مخالفة لما هو موجود في فرنسا، حيث يقدم نموذجا اقتصاديا، يعتمد على الليبرالية الاجتماعية، شبيه بحالة الدول الاسكندنافية، مشددا على ضرورة الانفتاح وتشجيع القطاع الخاص وريادة الأعمال، مع الحفاظ على الحماية الاجتماعية، فالرجل صاحب 38 سنة يصوغ نموذجا لمرشح شاب بتاريخ يساري، لكن بأفكار منفتحة على الرأسمالية، مدعما أطروحته بأن الاستثمار هو السبيل لإيجاد فرص عمل مع ضرورة إصلاح الأجور، حيث يقترح تخفيض الفرق بين الدخلين، الخام
وإجمالا، تبقى العروض السياسية الفرنسية متواضعة، ولا تحظى بالرضا الكامل للمصوّتين، فالظروف الداخلية والخارجية تستلزم تغييرات جذرية وثورة نوعية على الممارسات الماضية، إذ يتحدث مثقفون ومفكرون فرنسيون كثيرون عن ضرورة إقامة جمهورية سادسة، بعقد اجتماعي جديد ووثيقة دستورية مغايرة، تأخذ بالاعتبار التحديات السياسية، الأمنية، الخارجية، الاقتصادية والاجتماعية، في ظل ضبابية المشهد العالمي، بغياب قيادة واضحة، تصاعد قوى اقتصادية وسياسية، كروسيا والصين، والتساؤل عن جدوى التكتلات الاقتصادية، كمشروع الاتحاد الأوروبي الذي اعتبر مشروع القرن خلال بداية الألفية الثالثة.
تظل الاختيارات صعبةً، أما المصوتون الفرنسيون، فقد شهدت الانتخابات، منذ بداية القرن الحالي، تصويتا منهم عقابيا، وفي بعض الأحيان، تصويتا غير حر، يجبر الفرنسيين على اختيار المرشح الأقل خطرا والأخف ضررا في مواجهة اليمين المتطرف، لكن التنافس في انتخابات مايو/ أيار المقبل، جد حاد، باعتباره مصيريا في تاريخ فرنسا، وحتى إجرائها، تبقى كل الاحتمالات واردة.