الطبعة الثانية لاستمارة "تمرد"

24 ديسمبر 2015
+ الخط -
وقعت عيناي على استمارة "تمرد"، فابتسمت متحسراً، وتساءلت: كيف يمكن خداعنا المرة تلو المرة، واقتيادنا في مؤامراتٍ تنجح الواحدة بعد الأخرى؟
إذا تأملت الاستمارة بإنصاف بعد عامين ونصف من انقلاب يوليو في مصر، تدرك بسهولة أن بعضها كان أزمات صنعتها عمداً أجهزة الدولة العميقة لإفشال أول نظام أفرزته ثورة يناير وإثارة الشعب عليه، وأن اتهامات الآخرين كانت باطلة، ولك أن تتساءل: هل تغلبنا على مظاهر الفشل المزعومة هذه بالتخلص من نظام الإخوان المسلمين؟ بالطبع، صارت الأوضاع أكثر سوءاً، وصارت أكاذيب التمرد على محمد مرسي حقائق الحياة في زمن عبد الفتاح السيسي.
ظهرت حركة تمرد فجأة قبل 30 يونيو بشهرين، واستقبلتها الفضائيات بالترحاب الشديد، وانتشرت استماراتها في ربوع مصر، كالنار في الهشيم، ولم يعد سراً اليوم حقيقة الصلة الخفية بين حركة تمرد وأجهزة المخابرات، باعتراف منشقين عنها، وكما بينت تسريبات مكتب السيسي التي استمعنا فيها إلى دور دولة عربية في تمويلها، بالتنسيق مع المخابرات، حيث أقر رجل الأعمال، نجيب ساويرس، بدعمها وفتح مقرات حزبه لها أيضا.
لا ينفي ذلك أن مخلصين كثيرين نزلوا في 30 يونيو احتجاجاً على الأزمات المعيشية، مثل نقص الوقود وانقطاع الكهرباء وغيرها، أو اعتراضاً على ما صوّره بعضهم لهم من ديكتاتورية النظام الحاكم الذي سمح لهم أن يعلنوا عن تظاهراتهم التي تهدف لتنحي الرئيس، وأن يخرجوا ثم يعودوا بكل أمانٍ إلى بيوتهم، من دون أن يسقط قتيل واحد، أو تسحقهم الشرطة، بل شاركتهم الشرطة التي قامت عليها ثورة يناير في التظاهر مع فلول نظام حسني مبارك.
أول ما يطالعك من سطور الورقة هو "عشان الأمن لسه ما رجعش الشارع"، فهل عاد الأمان مع نظام 30 يونيو؟ أم أن الأمن لا يحمي إلا النظام فقط؟ ثم ألم تكن الشرطة متواطئةً في القيام بوظيفتها منذ ثورة يناير، لتعاقب الشعب الذي ثار عليها، ولم تعد إلى العمل إلا بعد الانقلاب؟ ألم ينتشر الإرهاب، بسبب عنف النظام ومظالمه الهائلة التي يقترفها كل يوم؟ ألم تتحول سيناء إلى مسرح يومي للعمليات المسلحة ضد الشرطة والجيش؟
"عشان لسه الفقير مالهوش مكان" هكذا تزعم تمرد، على الرغم من أن نظام مرسي كان أكثر انحيازاً للفقراء بتفاصيل لا يتسع المجال لها. فماذا عن الفقير في عهد الانقلاب؟ ألم يزداد فقرا مع الارتفاع الجنوني في الأسعار، وانخفاض قيمة العملة، ورفع الدعم التدريجي عن الكهرباء والوقود، وفرض ضرائب جديدة؟
أما الأضحوكة الكبرى فتكمن في قول الوثيقة "عشان لسه بنشحت من بره"!، على الرغم من أن أغلب ما دخل خزينة البنك المركزي في عام مرسي كان ودائع من دول صديقة، وقليلاً من القروض، أما اقتصاد 30 يونيو فقد أدمن الأرز الخليجي، وقد اعترف وزير المالية بتلقي مصر مساعدات بـ 23 مليار دولار من دول الخليج في عامٍ واحد، غير ما جاء في تسريبات السيسي.
"عشان حق الشهدا ما جاش"، أما نظام السيسي فقد أضاف آلاف الشهداء إلى القائمة، وأصبح الحديث عن حقوق شهداء يناير وتكريمهم ومحاكمة قاتليهم أسطورة لا يجرؤ أحد على المطالبة بها.
"عشان مفيش كرامة لي ولبلدي".. بينما تحولت مصر السيسي إلى الكنز الاستراتيجي لإسرائيل، وانحسر دورها الإقليمي، وفقد المصري كرامته داخل بلده وخارجه، وتراجعت الحريات وحقوق الإنسان بصورة هائلة.
"عشان الاقتصاد انهار وبقى قايم على الشحاتة"... بينما في زمن الانقلاب، فقد الجنيه المصري قيمته، وتدهورت السياحة، وهرب الاستثمار، وتراجع الاحتياطي النقدي.
"عشان تابع للأمريكان".. بينما ينبطح نظام الانقلاب تماماً للمصالح الأميركية وربيبتها إسرائيل، ويحمي أمنها بإخلاء منطقة عازلة على حدود غزة وإغراق الحدود بالمياه لتدمير الأنفاق، وإحكام الحصار حول غزة.
فإذا كان الوضع ازداد سوءاً، فهل يستطيع أحد تنظيم حركة احتجاجية مشابهة، والدعوة لها في الإعلام، وهل يستطيع المصريون بإرادتهم إعادة إنتاج مشهد 30 يونيو، من دون أن تنالهم قبضة الأمن العاتية، ويحاكمهم القضاء المسيس بتهمة قلب نظام الحكم؟
ربما كانت الإشكالية الكبرى: هل يعي المصريون أساساً المؤامرة الكبرى التي تم استعمالهم فيها في 30 يونيو لأغراض تخدم الثورة المضادة أساساً؟ يبدو أن وجود وعي وثقافة واستعصاء على الخداع لدى الشعب هو الخطوة الأولى في طريق الألف ميل، لتعود إليه حريته وثورته الضائعة.
avata
avata
أحمد سليمان (مصر)
أحمد سليمان (مصر)