الإخوان وضرورة النقد

12 مارس 2018
+ الخط -
في 22 مارس/ آذار عام 1928، لم تتوقع تلك المجموعة المحدودة من الشباب المسلم المتحمس الذين أعلنوا تأسيس جمعية الإخوان المسلمين نواة صغيرة لنصرة الإسلام وإحيائه في نفوس المسلمين، أن هذه الحركة سوف تنمو وتنتشر في ربوع مصر كلها، ثم تتمدد في أكثر من سبعين دولة، لتصبح عبر تسعين عاماً أكبر تيارات الدعوة الإسلامية، ورقماً خاصاً في كثير من معادلات المنطقة العربية والإسلامية.
لم يكن مسار الحركة عبر عقود يسيراً ممهداً مفروشاً بالورود، بل تعرضت الجماعة، بما يليق بحركة تؤمن بشمولية الإسلام، وضرورة هيمنته على السياسة والاقتصاد، ومقاومته الظلم والاستبداد والمظالم الاجتماعية، لضربات وانتكاسات متعددة، مثلما عاشت فترات من الهدوء والانتشار.
وقد يسأل سائل: وهل أضافت هذه الجماعة شيئاً للأمة الإسلامية؟ وماذا قدمت للإسلام؟ وما آثارها الملموسة في العالم الإسلامي؟ إذا نظرنا بموضوعية وتجرد، من دون مبالغة أو تهوين، إلى إسهاماتها عبر عقود في كل مجالات النشاط الإنساني، وجدنا إسهامات فكرية وسياسية وخيرية وتربوية لا تخطئها العين المحايدة، ففي المجال الفكري الإسلامي أحيت الجماعة فكرة الخلافة الإسلامية، وأعادت الأمل في وحدة المسلمين، وأكدت على هوية الأمة ومرجعيتها الإسلامية.
كما صكت الجماعة مصطلحاً فريداً في الأدبيات الإسلامية، وهو "شمول الإسلام"، وهو شعارٌ ليس بدعاً من الإسلام، بل تأكيد وإبراز لحقيقة كامنة في هذا الدين، آمن بها المسلمون عبر عقود، وعاشوها واقعاً في حياتهم.
وقدمت الجماعة رموزاً في الفكر الإسلامي من مئات العلماء والمفكرين، مثل الفقيه المجدد، يوسف القرضاوي، والداعية الواعي محمد الغزالي، والقاضي الشهيد عبد القادر عودة الذي تُدرس بعض كتبه في جامعات أوروبا، والشيخ سيد سابق، والمفكر سيد قطب الذي انتقل بتفسير القرآن نقلة واسعة.
وفي العمل السياسي والنضالي قدم الإخوان المسلمون نماذج فريدة في مقاومة الاحتلال، سواء في حرب 1948 ضد الصهاينة، أو مقاومة المحتل الإنجليزي في القاهرة، وما بعدها من حرب القنال ولمدة ثلاث سنوات، حتى أرغموهم على مغادرة البلاد، أو في حركة المقاومة الإسلامية في فلسطين المحتلة وبطولاتها أمام العدو الصهيوني. كما وقفوا دوما في وجه الطغاة والمفسدين، ودفعوا ضريبة ذلك من حرياتهم ودمائهم. وانحازوا في مصر لحركة الجيش في 1952 وحموها أملا في استقلال البلاد وبدء نهضة وطنية شاملة، مثلما انخرطوا في ثورة يناير وكانوا عنصراً أساسياً فيها.
وكان الإخوان أكثر الناس انحيازاً ودفاعاً عن قضية فلسطين، وتذكيرا للحكام وللأمة بها، والتضحية في سبيلها بدءاً من حمل السلاح ضد الصهاينة في الثلاثينيات، ومقاومة التطبيع. وكانوا الأكثر وعياُ بمؤامرات الصهيونية العالمية في العالم الإسلامي والتحذير منها، والدعوة إلى المقاطعة الاقتصادية للدول الداعمة لها.
وقد حرص الإخوان المسلمون على التدرج الحريص في مراحل الدعوة، إلا أن ثورات الربيع العربي اقتضت مشاركة الإخوان فيها حفاظاً عليها، ثم اقتضت مؤامرات الثورة المضادة في مصر تصدرهم المشهد، وحكمهم مصر، حفاظاً على مكتسبات الثورة، إلا أن الثورة المضادة بكل أذرعها العميقة في جميع مؤسسات الدولة نجحت في تزييف وعي الشعب وتشويه صورة الجماعة، فضلاً عن أخطاء إدارية اقتضتها طبائع البشر والإفشال المتعمد داخلياً وخارجياً انتهى إلى دخول الحركة في محنة كبرى حالياً.
اليوم، يطرح بعضهم أسئلة بشأن مستقبل الجماعة: هل عليها أن تعلن حل نفسها بعد المحنة الكبرى التي تعيشها؟ أم عليها أن تعتزل السياسة مدة صغيرة أو كبيرة تعيد فيها ترتيب البيت الداخلي، ومعالجة ندوب السنوات الأخيرة، وتقوم بمراجعات شاملة؟ أم عليها أن تفصل الدعوي عن السياسي تماماً؟ أم لها أن تشارك بكل قوة مع أول فرصة تسنح لها؟
لم تختف الجماعة من دون شك، لكن النقد الذاتي يحتم الاعتراف كذلك أن الجماعة، بحجمها الضخم ومسؤولياتها التاريخية، والآمال المعقودة عليها في إصلاح البلدان الإسلامية، مطالبة بمراجعات وإصلاحات داخلية كبرى، استراتيجيا وإدارياً وتربوياً، لتنتقل للمرحلة الاحترافية في إدارة هذه الملفات، فقد دفعت بها الأقدار إلى أدوار كبرى في تاريخ الأمة.
avata
avata
أحمد سليمان (مصر)
أحمد سليمان (مصر)