الدعم هو الوسيلة الفعالة لعلاج سياسات الحكومة الخاطئة لتحقيق العدالة الاجتماعية، والمساواة في توزيع الثروة، وإنصاف سكان الريف، والتخفيف من آثار البطالة، وبسط الاستقرار الأسري، ويعزز الأمان المجتمعي، والسلامة والصحة النفسية، ويقلل جرائم الفقر والعنف، والسرقة بالإكراه.
وفي مصر، يرفع دعم السلع التموينية ورغيف الخبز 22% من المصريين فوق خط الفقر، وفق تقارير صندوق النقد الدولي.
وفي مصر، يرفع دعم السلع التموينية ورغيف الخبز 22% من المصريين فوق خط الفقر، وفق تقارير صندوق النقد الدولي.
بعد شهر واحد من تولي الجنرال عبد الفتاح السيسي الحكم رسميًا فى يوليو/ تموز 2014، التزم بخطة واضحة لتخفيض عجز الموازنة، وإنهاء كل صور الدعم على الوقود، والكهرباء، والخبز، والسلع التموينية، ومياه الشرب، بحجة أن الدعم لا يصل إلى مستحقيه، ومن أجل التمهيد للحصول على قرض بقيمة 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي.
دعم الكهرباء
رفعت الحكومة أسعار الكهرباء المخصصة للاستهلاك المنزلي 5 مرات بنسبة 200%، منذ مجيء السيسي إلى الحكم، مقابل 85% للمصانع، ما يؤكد أن النظام يزيد الفقراء فقرًا والأغنياء غنى، ما يكذب ادعاءه بتوجيه الدعم لمستحقيه.
وكانت المرة الأولى في أغسطس/ آب 2014، بعد شهرين من استلام السيسي للحكم، إذ رفعت الحكومة أسعار الكهرباء للاستهلاك المنزلي للمرة الأولى بنسب 20%. وفي أغسطس 2015، رفعت الحكومة أسعار الكهرباء للمرة الثانية بنسبة 19%.
وفي يوليو/ تموز 2016، رفعت الحكومة الأسعار للمرة الثالثة بنسب بين 17% و46%. وفي يوليو 2017، رفعت الحكومة الأسعار للمرة الرابعة بنسب بين 18% و70%، ووصلت على الاستهلاك المنزلي إلى 70% وللمصانع 41% فقط.
وفي يونيو/ حزيران 2018، رفعت الحكومة الأسعار للمرة الخامسة بنسب بين 18% و70%. وكالعادة، كانت الزيادة الأكبر من نصيب الشريحة الأولى للاستهلاك المنزلي، بواقع 70%، بينما كانت الزيادة الأقل من نصيب الشرائح العالية في المصانع كثيفة الاستهلاك للطاقة وبنسبة 7.5% فقط.
تطبق الحكومة خطة لرفع الدعم تدريجيًا عن الكهرباء حتى عام 2020، ونهائياً بداية من عام 2021، وكان مقررًا له في 2019، وفق اشتراطات صندوق النقد، لكن النظام أجل القرار خوفًا من الاصطدام بغضب الجماهير.
دعم الوقود
خلال سنوات حكم السيسي وصلت الزيادة في أسعار الوقود إلى 520%، بالمقارنة بأسعار 2013. وبواقع 400% على السولار، و511% للبنزين 80، و264% للبنزين 92، و900% لأسطوانة غاز الطهي، ووصل سعر أسطوانة غاز المنازل إلى 50 جنيها، وهو مبلغ كبير لا تستطيع كثير من الأسر أن تدفعه.
ورغم أن النظام يعلن عن أن الهدف من رفع دعم الوقود هو أن الأغنياء يحصلون على 80% منه، ولا يتبقى للفقراء سوى 20% فقط، ويرفع شعار "توجيه الدعم لمستحقيه"، لكن الواقع أن السيسي يحمل الفقراء فاتورة الطاقة كاملة، ويجامل الأغنياء ورجال الأعمال المقربين من النظام.
ولا سيما أن الحكومة خفضت سعر الغاز لمصانع الحديد والصلب في مارس/ آذار 2016، من 7 دولارات إلى 4.5 دولارات للمليون وحدة حرارية، بالرغم من استيراده بسعر 12 دولارا للمليون وحدة حرارية، وزاد سعر أسطوانة الغاز المنزلي بنسبة 900%. وسوف ينهي النظام دعم الطاقة في 2019.
دعم رغيف الخبز
بعد أيام من الانقلاب في الثالث من يوليو/ تموز 2013، خفض النظام العسكري دعم رغيف الخبز بنسبة 31%، بطريقة ملتوية، إذ قام بتخفيض وزن الرغيف من 130 غراما، إلى 90 غراما.
ثم حدد النظام حصة المواطن من الخبز بخمسة أرغفة، وابتكر نقاط الخبز لإغراء المواطن بالاستغناء عن جزء من حصته في الخبز مقابل 10 قروش لكل رغيف، يحصل عليها في صورة سلع مجانية.
ويتداول النظام حاليًا فكرة إنتاج رغيف خبز بديل وبوزن 100 غرام، وبسعر 25 قرشا للرغيف، وهي حيلة قديمة كان يتبعها المخلوع مبارك في رفع سعر الخبز، بحيث يحل الرغيف الجديد تدريجيًا محل الرغيف الموجود حاليًا، وهو ما يحاول النظام تطبيقه في المستقبل.
وللتاريخ، فقد رفض الرئيس محمد مرسي في أغسطس 2012، فكرة طرح رغيف جديد يزن 140 غراما بدلًا من الرغيف القائم، والذي يزن 130 غراما، على أن يباع بـ10 قروش، ورفض المساس بسعر رغيف الخبز أو وزنه، واعتبر ذلك إخلالا بالعدالة الاجتماعية، والتفافا على حق للمواطن.
دعم السلع التموينية
زادت أسعار السلع في نظام البطاقات التموينية بواقع 70% للأسر المكونة من 4 أفراد، وبواقع 170% للأفراد الذين يزيدون عن 4 في الأسرة. وحتى 2013، كانت السلع التموينية تحمي نسبة كبيرة من الأسر المصرية من الوقوع في براثن الفقر. وكان الفرد المقيد بالبطاقات التموينية يدفع 10 جنيهات يحصل مقابلها على 2 كلغ سكر بسعر 1.25 جنيه للكلغ، و2 كلغ أرز بـ1.5 جنيه للكلغ، و1.5 كلغ زيت بـ3 جنيهات للكلغ.
بعد الانقلاب العسكري، حول النظام دعم السلع التموينية من الدعم العيني إلى النقدي العيني المختلط، وخفض عدد أفراد الأسرة المستفيدين من دعم السلع التموينية بحد أقصى 4 أفراد.
دعم مياه الشرب
وصلت الزيادة في أسعار مياه الشرب ورسوم الصرف الصحي إلى نسبة 125%، بالمقارنة مع العام 2013. استهلت الحكومة الزيادة في أسعار مياه الشرب ورسوم الصرف الصحي في أغسطس 2014، بزيادة طفيفة. وفي يناير/ كانون الثاني 2016، زادت الأسعار للمرة الثانية بنسبة 25%، وفي أقل من عام رفعت الحكومة الأسعار للمرة الثالثة 46.5%. وفي أغسطس/ آب 2017، رفعت الحكومة الأسعار للمرة الرابعة 50%. والزيادة الأخيرة كلفت المواطن مليار جنيه.
دعم المواصلات
رفعت الحكومة أسعار تذاكر مترو الأنفاق بنسبة 350%، بالمقارنة بأسعار 2013. ومن المتوقع أن ترفع أسعار تذاكر القطارات، والتي يركبها الفقراء من العمال والموظفين، بنسبة 140%، وهي الزيادة التي تم تأجيلها بسبب الاحتياطات الأمنية. أما أسعار تذاكر القطارات المكيفة، والتي يركبها القضاة، ووكلاء النيابة، وضباط الجيش والشرطة، فسوف تزيد بنسب بين 15% و40%.
ولن تكون هذه الزيادات الأخيرة، ولا سيما أن الحكومة تدعي أنها تدعم تذكرة المترو بعشرة جنيهات، وأن ايرادات هيئة السكة الحديد تمثل 50% من تكاليف التشغيل بعد الزيادة المرتقبة، وأن خسائر الهيئة تقترب من 50 مليار جنيه.
القمع والبطش
يدعي السيسي أن سياسات رفع الدعم وزيادة الأسعار تتم في أجواء من المكاشفة والمصارحة، ومن خلال الحوار الجماهيري، كما لا يستحي أن يوجه الشكر للمصريين على تقبلهم زيادة الأسعار. ولكن الحقيقة أن الحكومة ترفع الأسعار فجأة، وفي إجازة نهاية الأسبوع، منتصف ليلة الخميس، والتي أصبحت "ليلة الصب في المصلحة".
وفي زيادات يونيو الأخيرة، استغل النظام وجود الموظفين والعمال في إجازة عيد الفطر، ورفع أسعار الوقود فجأة في ثاني أيام عيد الفطر، خوفًا من ثورة الجماهير وغضبها. وشنت أجهزة الأمن حملة اعتقالات طاولت قيادات جماهيرية، وناشطين سياسيين، ورموز شبابية وإعلامية لثورة يناير، بتهمة تحريض الجماهير على التظاهر، وذلك قبل أيام من الزيادات الأخيرة في أسعار مترو الأنفاق، ومياه الشرب، والكهرباء، والوقود.
وكان على رأس المعتقلين هيثم محمدين، عضو حركة الاشتراكيين الثوريين، والصحافي والناشط السياسي وائل عباس، وحازم عبد العظيم، المسؤول السابق بحملة ترشح السيسي للرئاسة. وهي السياسة القديمة التي كان يتبعها الرئيس المخلوع حسني مبارك، ووزير داخليته حبيب العادلي، قبل كل زيادة في أسعار السلع وتخفيض الدعم، وهي الإجراءات التي أدت في نهاية المطاف إلى ثورة شعبية طالبت بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية في يناير 2011.