السيسي وبن سلمان: "صفقة القرن" وإشكاليات التمويل والدعم الأمني

29 نوفمبر 2018
حرص السيسي على استقبال بن سلمان بحفاوة (الأناضول)
+ الخط -
كشفت مصادر دبلوماسية مصرية أن اللقاءات المطوّلة التي جمعت الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بين يومي الإثنين والثلاثاء الماضيين في القاهرة، تطرقت إلى أحدث مستجدات التنسيق مع الإدارة الأميركية حول ما يسمى بـ"صفقة القرن"، وذلك تزامناً مع إعلان المندوب الإسرائيلي الدائم لدى الأمم المتحدة داني دانون، أن تلك الخطة باتت مكتملة وسيتم الكشف عنها أوائل العام المقبل.
وأوضحت المصادر لـ"العربي الجديد"، أن مستجدات "صفقة القرن" شغلت ثاني أكبر مساحة من اهتمام السيسي وبن سلمان خلال الزيارة، بعد التباحث حول ملف تبعات مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي على العلاقات بين السعودية والغرب، وخصوصاً مع الولايات المتحدة. وتمت مناقشة العديد من المقترحات لإنهاء النزاعات المرتبطة بالقضية الفلسطينية، وكيفية بلورة المقترحات الأميركية للتسوية السياسية من دون خسارة الأطراف الفلسطينية المختلفة، وبما يضمن إدماج أكبر عدد ممكن من الدول العربية في التسوية ودفعها لفتح صفحات جديدة في العلاقات مع إسرائيل.

ومن بين المقترحات، إحياء الفكرة المصرية السابقة لعقد لقاء رباعي عربي على مستوى القمة بين مصر والسعودية والأردن والسلطة الفلسطينية، يسبقه لقاء تحضيري على مستوى وزراء الخارجية ومديري المخابرات، لبلورة موقف موحّد وتصورات واضحة. هذا الأمر كان قد رفضه من قبل الرئيس الفلسطيني محمود عباس، بعدما شعر أن السيسي يدفعه لتقديم مزيد من التنازلات. ورجحت المصادر أن الرياض ستكون متحمسة لهذا المقترح الآن أكثر من أي وقت مضى ليظهر بن سلمان كلاعب سياسي مؤثر في المنطقة حتى بعد الاشتباه بإشرافه على جريمة قتل خاشقجي.

وأضافت المصادر أن مصر سبق وطرحت هذا المقترح في أغسطس/ آب الماضي، لكن عباس رفض وقتها استقبال مبعوث السيسي، مدير المخابرات العامة اللواء عباس كامل، وهو ما عرقل الأمر. لكن الأردن ترحب بذلك، ويبدو أيضاً أن الإمارات تحاول الالتحاق بهذا الاجتماع في حال عقده لتظهر في الصورة كطرف ذي حيثية في الملف الفلسطيني، نكاية في قطر التي تقدّم مساعدات مالية ولوجستية لقطاع غزة، وتواكب بصور متعددة التطورات السياسية والميدانية عبر قنوات مختلفة.

الدور الأميركي المطلوب
ومن المقترحات الأخرى التي بحثها السيسي وبن سلمان، وسبق أن أحيطت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بها، دفع واشنطن لتقديم مساعدات مالية ولوجستية لقطاع غزة، وكذلك دعم مصر في تلبية الطلب الفلسطيني لمضاعفة صادراتها الكهربية إلى القطاع. وهنا تبرز إشكالية، إذ لم يتعهّد مساعدو ترامب حتى الآن بأي شيء، وتحدثوا فقط عن دعمهم لمشاريع البنك الدولي المزمع تدشينها في القطاع والتي من المتوقع أن توفر 4400 فرصة عمل، وهو رقم شحيح في نظر مصر و"حماس". في المقابل، يرى ترامب أن السعودية ودول الخليج يمكنها بسهولة توفير هذا الدعم المالي، فضلاً عن زيادة تمويل وكالة "أونروا" من دول الخليج أيضاً.

وأشارت المصادر المصرية إلى أن "السيسي وبن سلمان يلعبان حالياً دوراً آخر بتنسيق متبادل، هو محاولة إقناع دول عربية أخرى بالحياد تجاه إسرائيل وقبول الدخول في علاقات اقتصادية معها، تمهيداً لتطبيع سياسي، أو تكريس حالة لا حرب ولا سلم على الأقل، إذ تعد هذه النقطة من المطالبات الإسرائيلية الأساسية لواشنطن لإتمام الصفقة". ويمكن قراءة مدلولات هذا الأمر أيضاً في زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لسلطنة عُمان، ثم تسريب معلومات عن زيارته قريباً لدولة عربية أخرى، ثم نفيها.

وذكرت المصادر أن السيسي تحدث مع بن سلمان في القضية نفسها عن نقطة أخرى، هي حجم الدعم الأميركي والخليجي لمصر في حربها على الإرهاب في شمال شرق سيناء وتطهير المناطق الحدودية الشرقية للبلاد من تنظيم "ولاية سيناء" الموالي لـ"داعش"، خصوصاً أن هذا الأمر يمثل مدخلاً لبند آخر هو عدم قدرة الأطراف المختلفة على التوصل إلى حل نهائي لإدارة الأمن في قطاع غزة، مع رفض مصر أداء هذا الدور من دون مقابل ومساعدات وضمانات محددة تتعلق بالتوقيت والتنسيق مع إسرائيل.

وكان السيسي قد تحدث نهاية يوليو/ تموز الماضي في المؤتمر السادس للشباب في جامعة القاهرة واصفاً "صفقة القرن" بأنها "تعبير إعلامي أكثر من كونها اتفاقاً سياسياً"، مشيراً بعبارات قريبة للتنصل من الصفقة إلى أن مصر "تمارس بهدوء دوراً تحاول أن يكون إيجابياً لإيجاد مخرج مقنع لحل القضية الفلسطينية"، وذلك بعد عام ونصف تقريباً من إعلان تأييده المطلق للصفقة خلال زيارته للرئيس الأميركي دونالد ترامب في إبريل/ نيسان 2017.
وكان هذا الإعلان قد تلا مباشرة نشر وكالة "رويترز" معلومات تبدو مستقاة من مصادر سعودية نافذة، بأن الرياض طمأنت حلفاءها العرب بأنها لن توافق على أي خطة للسلام في الشرق الأوسط لا تعالج وضع القدس أو حق العودة للاجئين، أي أنها عادت لتتمسك بمبادرة السلام العربية التي أطلقت منذ 16 عاماً، إلى جانب أن العاهل السعودي سلمان بن عبدالعزيز استحوذ على ملف القضية وأبعد عنها ولي عهده الأمير محمد بن سلمان، المعروف بتأييده المطلق للصفقة وتمويلها.


حفاوة استقبال تطغى على النتائج

وذكرت المصادر الدبلوماسية أن السيسي وبن سلمان انفردا في محادثات ثنائية لفترات طويلة من ليل الإثنين وفجر الثلاثاء، ثم ظهر الثلاثاء، ولم يشاركهما في بعض أجزاء المباحثات إلا اللواء عباس كامل، ووزير الشؤون الأفريقية السعودي، السفير السابق لدى القاهرة، أحمد قطان، أما الاجتماع الموسع على مأدبة الغداء في قصر الاتحادية فانتهى خلال نصف ساعة.

المصادر أكدت أن السيسي استهدف من حفاوة الاستقبال أن يظهر بمظهر الصديق الحريص على رفع معنويات بن سلمان ودعمه ومساندته، تماماً كما فعل العاهل البحريني حمد بن عيسى آل خليفة بمنحه أعلى وسام في الدولة لبن سلمان. ولم يقتصر ترحيب السيسي على الحفاوة الرسمية، بل أصدر تعليماته بتنظيم تظاهرات انتشرت في وسط القاهرة بالقرب من مقر إقامة بن سلمان، صباح الثلاثاء الماضي، وجرى تضخيمها إعلامياً بواسطة القنوات والصحف المؤيدة للنظام، لحجب حقيقة الرفض الشعبي المصري استقبال المشتبه به في قتل خاشقجي.

ويؤمن السيسي بأهمية المظاهر والاستقبالات الحافلة لتغذية العلاقات السعودية - المصرية ومدى تأثر صانع القرار السعودي بهذه الإشارات، كما يرغب السيسي في محو أي صورة سلبية تكوّنت عنه من بن سلمان وأبيه بسبب تأخر صدور بيانات المساندة المصرية للرياض في قضية خاشقجي، والتعامل معها بحرص واضح منذ البداية. وكانت دائرة السيسي قد أصدرت تعليمات لوسائل الإعلام المؤيدة للنظام بعدم نشر مواضيع محلية أو غربية عن مصير بن سلمان واحتمال إقالته من منصبه على خلفية مقتل خاشقجي واتهام 18 مسؤولاً، وإقالة اثنين من الشخصيات المقربة له، وهما مستشاره سعود القحطاني، ونائب رئيس الاستخبارات أحمد العسيري، خصوصاً مع تداول تساؤلات إعلامية عديدة عما إذا كانت أي تسوية ستعقدها أو عقدتها الرياض مع واشنطن تتضمن رحيل بن سلمان عن منصبه.

وعلى الرغم من هذه الحفاوة، خرج البيان الرسمي عن اللقاء هزيلاً مكتظاً بالحديث المكرر عن التنسيق الاستراتيجي بين مصر والسعودية، ومن دون إعلان أي مستجدات خاصة بالمساعدات، إذ أكدت المصادر الدبلوماسية المصرية أن اللقاء تطرق إلى فرص منح السعودية لمصر مساعدات مالية خاصة في صورة هبات أو قروض، قد يتم الإعلان عن بعضها قريباً.
وهناك مجالان رئيسيان تسعى مصر للحصول على أموال من السعودية لدعمهما؛ الأول دعم الوقود تحسباً للارتفاع المقبل في أسعار الطاقة وفقاً للخطة المشتركة مع صندوق النقد الدولي، والثاني تمويل مشاريع رفع كفاءة محطات المياه وحفر الآبار واستيراد مضخات مياه قوية للمياه الجوفية في سيناء والمناطق الحدودية بغرض تقليل الاعتماد على مياه النيل، وسبق أن أعلنت وزارة الري المصرية سعيها للحصول على قرض بقيمة 100 مليون دولار من الصندوق السعودي للتنمية لتمويل هذا المشروع.

وبحسب المصادر، فإن قضية مستقبل المشروع الإعلامي والرياضي السعودي في مصر لم تُناقش في الزيارة الأخيرة، لكن مؤشراً مهماً حدث يدل على أنها كانت فرصة مناسبة لإحياء المشروع في الأسابيع المقبلة، هو أن تركي آل الشيخ، مستشار بن سلمان ومساعده للشؤون الإعلامية والرياضية ومالك نادي وقناة "بيراميدز" في مصر، نشر مساء أمس الأول، صورة لبن سلمان مع اللواء عباس كامل، المشرف على المؤسسات الإعلامية الجديدة المملوكة للنظام، واصفاً إياه بالصديق العزيز، وكأنه يعلن بشكل ضمني عن حل المشاكل العالقة مع النظام المصري في هذا الملف.

وكشفت مصادر حكومية مصرية سابقاً أن المفاوضات التي جرت بين آل الشيخ وجهاز المخابرات العامة لشراء حصة من أسهم شركة "إعلام المصريين" التي يسيطر عليها الجهاز ويديرها رجل الأعمال تامر مرسي، قد تعطلت على الرغم من وصولها لمراحل متقدمة حتى مطلع الشهر الماضي، في إطار التعاطي السعودي مع التوجه الرسمي المصري للتخفيف من أعباء وسائل الإعلام المحلية المدارة حالياً بواسطة الصندوق الاستثماري "إيغل كابيتال" التابع للاستخبارات العامة، والذي تديره وزيرة الاستثمار السابقة داليا خورشيد.
كما تعطلت مفاوضات أخرى كان يجريها آل الشيخ مع المخابرات أيضاً لشراء حصة حاكمة من شركة "بريزينتيشن" مالكة حقوق الدوري المصري وقناة "أون سبورت" وراعية النادي الأهلي، وهي صفقة كانت تعتبر من الحلول لإعادة الروح للمشروع الرياضي السعودي الذي تعطل بسبب مشاكل آل الشيخ مع النادي الأهلي المصري أخيراً.

المساهمون