السيسي والأزمة السعودية - الإيرانية: مسك العصا من المنتصف

11 نوفمبر 2017
السيسي ليس مستعداً للمشاركة في أية عملية عسكرية (Getty)
+ الخط -
حافظ الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في تصريحاته الأصلية حول موقفه من التصعيد السعودي ضد لبنان والتوتر المتزايد في المنطقة بسبب العلاقة بين الرياض و"حزب الله" اللبناني المدعوم من إيران، على الخيط الرفيع الذي تتمركز حوله معظم مواقفه من صراعات دائرة في المنطقة، عدا التصعيد ضد قطر، خصوصاً إذا كان الأمر يتعلّق بمواجهة بين السعودية وإيران. فالحديث في هذه الحالة يدور عن أكبر الدول المدعومة من الإدارة الأميركية الحالية من جهة، أي السعودية، وبين الحليف الأول في المنطقة لروسيا، أي إيران، التي تربطها بمصر علاقات متنامية عسكرياً واستراتيجياً على الرغم من التعثّر في ملفات حيوية كعودة السياحة الروسية وتحقيقات انفجار طائرة الركاب المدنية في أكتوبر/تشرين الأول 2015 فوق سيناء.

فعندما سئل السيسي خلال حوار مع قناة "سي أن بي سي" الأميركية عن رأيه في الأزمة السعودية ــ اللبنانية، أجاب: "لا يمكننا دعم المزيد من الاضطرابات، فاستقرار المنطقة مهم جداً وعلينا جميعاً حمايته، وأنا أتحدث إلى جميع الأطراف في المنطقة للحفاظ عليها". ورداً على سؤال عما إذا كان الوقت قد حان لكي تنظر مصر في إجراءاتها ضد حزب الله، أجاب السيسي من دون الإشارة إلى الحزب أو غيره قائلاً: "الموضوع لا يتعلّق بذلك، المهم موضوع حالة الاستقرار الهش في المنطقة في ضوء الاضطرابات التي تواجهها، فهي لا تستطيع تحمل المزيد من الاضطرابات".



وخلال لقائه بالصحافيين في شرم الشيخ على هامش منتدى "شباب العالم"، تلقّى السيسي السؤال نفسه مضافاً إليه طلب التعليق على إمكانية توجيه ضربات عسكرية إلى إيران، فتحاشى أيضاً الخوض في صلب الموضوع، قائلاً: "لست مع الحرب... أنا ضد الحرب... لنا تجربة معها... إنها خسائر في كل شيء... خسائر مادية وبشرية. يمكن للحوار أن يجد حلاً لأزمات كثيرة موجودة، والمنطقة فيها ما يكفي ويجب أن نعلم أن أي حروب تحدث يكون لها تأثيرات فيما بعد". ولم يوضح السيسي ما إذا كان قد يشارك في حرب لحساب حلفائه السعوديين أم لا، لكنه جدّد حديثه الذي بات تقليدياً بأن "أمن الخليج خط أحمر ويجب على الآخرين ألا يتدخلوا في شؤوننا... وكما نقول، إننا لا نريد حروباً، عليهم أيضاً أن يحرصوا على ألا تصل الأمور إلى شكل من أشكال التصادم لأن هذا ليس من مصلحتنا كلنا".


ويعكس الفارق بين النقل الحرفي لتصريحات السيسي، وبين ما تداولته بعض وكالات الأنباء وعلى رأسها "رويترز" لما اعتبر "رفضاً صريحاً لضرب إيران وحزب الله تحديداً" ظاهرة متنامية في الإعلام الدولي والعربي تتمثل في استخدام بعض المصطلحات لاتجاهات غير ما يقصده المسؤولون. لم يذكر السيسي إذاً اسم إيران أو "حزب الله"، وهذه عادته في التعامل مع الأمور التي قد تتسبب في فقدانه دعماً من إحدى القوى الكبرى، خاصة إذا تعلّق الأمر بالولايات المتحدة أو روسيا، إذ سبق والتزم السيسي الصمت طويلاً في الأزمة بين السعودية وروسيا حول الأوضاع في سورية، ثم اختار أن يدعم عدداً من القرارات والإجراءات المتناقضة المتخذة من الطرفين بهدف الحفاظ على علاقاته بكل منهما، مما تسبب في صدور انتقادات متكررة لسياساته من الجانب السعودي. وعلى الرغم من أن هذه السياسة حافظت على جسور التفاهم بين السيسي وكل الأطراف في المنطقة وكذلك القوى الدولية، إلا أنها ساهمت أيضاً في عدم حصوله على الدعم المستهدف من كل منها، باستثناء ما أسبغته عليه السعودية من مساعدات مالية وتنمية نظير تمريره الاتفاق التاريخي بالتنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للمملكة، وبالتالي إدخال الرياض طرفاً في العلاقات الأمنية والدبلوماسية السرية مع إسرائيل كواحدة من الدول المشتركة في إدارة المعبر الملاحي في خليج العقبة.

يقول مصدر دبلوماسي مصري في ديوان وزارة الخارجية إن "تصريحات السيسي الأخيرة تشير بشكل واضح إلى عدم استعداده للمشاركة في أي عملية عسكرية واسعة أو محدودة، ليس فقط لأنه متخوّف من رد الفعل الروسي غير المرحب بالتأكيد بتصعيد الرياض، بل أيضاً لأنه لم يستفد كثيراً من المشاركة في عملية "عاصفة الحزم" كما أنه مشغول أكثر من أي وقت مضى بتطوير الأداء القتالي للجيش المصري لمواجهة الأخطار التي تهدد الدولة في شمال سيناء والصحراء الغربية"، مستطرداً: "الوقت غير ملائم تماماً في نظر السيسي، ولذلك فالوجود الأمثل على الساحة سيكون في صورة دعوات للتفاهم والحوار".


ويضيف المصدر أن "السيسي بطبيعته الاستخباراتية لا يميل للتعاون مع إيران أو حزب الله، وهو ما يبرر دعوته المستمرة لفصل الداخل اللبناني عن الأوضاع الإقليمية، ومع ما في هذه الدعوة من تجاهل شديد لطبيعة القوى السياسية المتصارعة في لبنان، ولهشاشة كيان الدولة اللبنانية، إلا أن القاهرة لا تملك في وضعها الحالي أكثر من هذه التصريحات لكسب رضا السعودية وضمان تدفّق دعمها من جهة، ولعدم إغضاب روسيا من جهة أخرى". ويربط المصدر بين هذه القراءة وبين ترويج بعض الصحف المصرية لترحيب إيران بتصريحات السيسي الأخيرة، فهي في رأيه "محاولة معتادة من الإعلام المقرب للسيسي للفت نظر الرياض واجتذاب الدعم السعودي"، رافضاً وصف هذا السلوك بـ"الابتزاز" فهو يرى أن مصر ليس لديها شيء يمكن مساومة السعودية به الآن، خاصة بعد التنازل عن الجزيرتين.

إلا أن مصدراً حكومياً آخر وثيق الصلة بملف الاستثمارات السعودية في مصر، يرجّح ألا يكون السيسي "مرتاحاً" لتصرفات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في الوقت الحالي، خاصة بشأن توقيف عشرات الأمراء والذين من بينهم مستثمرون كبار في مصر كالأمير الوليد بن طلال الذي تداول ناشطون على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" معلومات عن إطلاق سراحه بعد دفع مبالغ مالية على ذمة قضايا فساد. ويضيف المصدر الحكومي أن "شخصية مثل بن سلمان لا تبعث على راحة السيسي، لكن الأخير مضطر لإمساك العصا من المنتصف لأطول فترة ممكنة والتعهدات الإعلامية بمساعدة الخليج عسكرياً، تماماً كما فعل في الملف السوري، على أمل استمرار الدعم المالي السعودي، وخاصة أنه لم يعد يملك الكثير ليتنازل عنه بعد التنازل عن الجزيرتين وتهيئة الأجواء لتواصل مباشر بين الرياض وإسرائيل".

ويوضح المصدر أن الفترة الماضية شهدت إثارة بعض "الحساسيات" بين القاهرة والرياض بسبب إعلان بن سلمان المنفرد عن مشروع "نيوم" الذي يتمركز حول جزيرتي تيران وصنافير ويضم جزءاً من جنوب سيناء، من دون إطلاع المصريين على كامل تفاصيله، إذ كانت معلومات القاهرة تقف عند أن السعودية باعتبارها المتكفلة بتمويل مشروع جسر الملك سلمان الرابط بين أراضيها ومدينة نبق بسيناء قد استقرت على أن يتم مد الجسر على أكثر من مرحلة بين منطقة رأس الشيخ حميد بالمملكة ثمّ جزيرة صنافير وبعدها جزيرة تيران ثمّ نبق، وإحياء الجزيرتين مرفقياً وتحويلهما لمنتجعين سياحيين صالحين للاستثمار.

لكن هذا لم يمنع الاتفاق على عقد اجتماعات خلال الأسبوع الجاري لتوقيع اتفاق منحة سعودية جديدة لمصر استكمالاً للاتفاق المبرم بين الحكومتين في إبريل/نيسان 2016 لتنمية سيناء ورفع كفاءة القرى والتجمعات الحضرية بها، علماً بأن مصر تلقت في يونيو/حزيران الماضي 400 مليون دولار كدفعة أولى من تلك المنحة.

المساهمون