تكشف حصيلة عام من رصد للسياسة الخارجية المصرية، إقليمياً ودولياً، خلال فترة حكم عبد الفتاح السيسي، إلى أي مدى أن الأخير كان أكثر من نسخة عن سلفه حسني مبارك، وكيف أنه تجاوزه لناحية إفقاد مصر وزنها الإقليمي، وقوتها المحتملة في دعم القضايا العربية، من فلسطين إلى الثورات العربية. أمكن القول إن إرضاء إسرائيل، أو عدم إغضابها على الأقل، كان البوصلة الرئيسية للدبلوماسية المصرية إزاء فلسطين والمقاومة، والتعاطي العدواني مع قطاع غزة ومعبر رفح عموماً، وهو ما انعكس ولا يزال على شاكلة إشادات إسرائيلية تترجم بتصريحات علنية حيناً، وتقارير صحافية عبرية احتفالية بـ "الحليف الاستراتيجي" أحياناً.
اقرأ أيضاً: السيسي والثني يعملان لـ "عاصفة حزم" ليبية
عربياً، شكل الجشع المالي أو الطمع بالمساعدات المالية، محور العلاقات مع دول الخليج، وهو مال وفير و"زي الرز" بحسب تعابيره ومساعديه. التملق المصري إزاء دول الخليج جاء تحت شعار لا يتعب الرجل ومساعدوه من تكراره، وهو أن أمن الخليج هو "أمن قومي مصري"، بينما الواقع يفيد أن الخلاف بين النظام المصري، ودول الخليج، بما فيها الداعمة له، واضح في جميع الملفات بلا استثناء، بداية من الحرب في اليمن "عاصفة الحزم" وما بعدها، إذ لا تزال الخيوط ممتدة مع رجال الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، وجماعة الحوثيين، ولا يزال الموقف المصري المؤيد للحرب يقتصر على بعض تصريحات السيسي المتفرقة.
اقرأ أيضاً: تحالف قبرصي يوناني إسرائيلي مصري ضد تركيا
الخلاف المصري ــ الخليجي حيال الملف السوري، يبدو أكثر وضوحاً، فالسيسي يرى بقاء بشار الأسد في السلطة، تارة يعلنها عبر تسريبات أذرعه الإعلامية، وأخرى يضعها في سياق عبارات ملغومة مبهمة، تؤدي إلى المغزى نفسه. في المقابل، يجسد الموقف المصري من الملف الليبي، الفشل في أوضح صوره، إذ يبدو السيسي وحيداً، ومعه بعض الدوائر الخليجية، مؤيدين للعمل العسكري لصالح حكومة برلمان طبرق، بينما معظم الدول العربية والأجنبية تشدد على أنه "لا حل عسكري، ولا أمل سوى في الحوار الليبي".
اقرأ أيضاً: السيسي وإسرائيل: شهر عسل في السياسة والاقتصاد
وبينما يستمر السيسي في حصاره لقطاع غزة، قاطعاً علاقته بحركة "المقاومة الإسلامية" حماس، مطارداً شهداءها وأسراها، بأحكام الإعدام حتى، فهو يفخر بأنه على تواصل واتصال وحوار دائم مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
بعيداً عن فلسطين، سجل ملف سد النهضة الإثيوبي تحقيق ما كان يخشاه الكثير من المصريين، إذ يجمع عدد من المراقبين المتخصصين في شؤون المياه على أن السيسي أعطى لإثيوبيا "هدية العمر"، ومنحها مفتاح التحكم في مياه مصر من خلال توقيع "اتفاقية إطارية"، تلزم مصر بالاعتراف بحق إثيوبيا المطلق بإنشاء ما تراه من مشاريع وسدود، من دون أي التزام قانوني بمراعاة تأثير ذلك على حصة مصر من مياه نهر النيل.
أما على المستوى الإقليمي، فقد اختار السيسي، إعلان العداء الواضح لتركيا، بعدما أصبحت أكثر قرباً ودعماً واهتماماً بالقضايا العربية، متخذاً خطوات يصفها كثيرون بالساذجة، بما أنها تقوم على مبدأ "النكاية السياسية"، إذ يحاول بناء علاقات مع اليونان وقبرص، اللتين تقتربان من مفهوم الدول الفاشلة اقتصادياً، ناهيك عن أزماتهما السياسية. وفي هذا العداء، كان الإصرار على إلحاق قطر بتركيا في خانة العداء على خلفية معارضتهما الانقلاب الذي أتى بالسيسي إلى السلطة، وهو ما تُرجم قضائياً برفع دعاوى تتهم الرئيس المعزول محمد مرسي بالتخابر مع قطر، وأخرى بالسعي لاستصدار حكم قضائي يصنف الدولتين كـ "إرهابيتين"، بينما ترفض نفس المحاكم، ومن الجلسة الأولى تصنيف إسرائيل كذلك.
اقرأ أيضاً: المجلس الثوري المصري يتهم السيسي بالمشاركة في عدوان غزة