استمع إلى الملخص
- تعرضت قوات الأمم المتحدة في لبنان لهجمات من الجيش الإسرائيلي، وواجهت أونروا اتهامات بتوفير الحماية للإرهابيين، مما أدى إلى وقف التمويل الأمريكي، رغم اضطرار إسرائيل للتعاون معها خلال أزمة شلل الأطفال في غزة.
- يعود عداء إسرائيل للأمم المتحدة إلى 1948، حيث اغتيل وسيطها فولك برنادوت، وتستمر إسرائيل في رفض الانتقادات الخارجية، متبنية عقيدة "الحرب الوقائية" التي تبرر عملياتها العسكرية.
على الرغم من عجزها، فإن الأمم المتحدة مستهدفة من قبل بنيامين نتنياهو لأنها تمثل القانون الدولي. وتتعرض وكالاتها وقوات حفظ السلام التابعة لها في لبنان للهجوم اللفظي والجسدي. ويوم الاثنين 28 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، أقرّ الكنيست قانونين لحظر أنشطة أونروا في القدس الشرقية المحتلة، ومنع السلطة الإسرائيلية من العمل مع المنظمة أو ممثليها، ما سيساهم في إعاقة عملها في غزة والضفة الغربية. وحتى الرئيس إيمانويل ماكرون، الذي كان خجولاً للغاية في مواجهة المجازر في قطاع غزة، تعرض للتوبيخ لأنه أشار إلى دور الأمم المتحدة في إنشاء إسرائيل. إلا أن تلك الهجمات المنهجية ضد الأمم المتحدة لا يعود تاريخها إلى اليوم.
منذ بداية هجومها على غزة في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، أطلقت دولة إسرائيل حملة لتشويه سمعة منظمة الأمم المتحدة. وعملت على تصوير الأمم المتحدة كمنظمة منحرفة تعمل على منعها من تحقيق أهدافها من خلال توفير، دون وجه حق، حماية لأعدائها: حماس في غزة وحزب الله في لبنان، كيانان "إرهابيان" غير مُحدَّدَي النطاق، والذين تنوي "استئصالهما بالكامل". ومن على منبر الجمعية العامة في 27 أيلول/ سبتمبر 2024، وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأمم المتحدة بـ"بالوعة من العصارة الصفراوية المعادية للسامية التي يجب تجفيفها". وقال إنها إذا لم تمتثل، ستبقى "لا تعتبر أكثر من مهزلة حقيرة". وقد غادر إثر ذلك ثلاثة أرباع الحاضرين القاعة. لم يكن ذلك كافياً للتأثير في نتنياهو. لقد تزايد هجومه ضد جميع المنظمات الأممية الموجودة على الأرض، سواء كانت عسكرية (القبعات الزرقاء) أو مدنية (وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى "أونروا"). وتنعت إسرائيل أي انتقاد لجرائمها في غزة بأنه "معاداة للسامية"، وهي أسوأ الجرائم المرتكبة منذ بداية هذا القرن، كما تكرر ذلك المنظمات الإنسانية.
في 8 أكتوبر 2024، فيما كان رئيس الوزراء الإسرائيلي يهدد اللبنانيين صراحةً بـ"الدمار والمعاناة نفسها التي في غزة"[1] إذا لم يذعنوا لمطالبه "بالقضاء على حزب الله"، قامت قواته المسلحة بقصف ثلاثة مواقع لقوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل) عمداً. وبعد ثمانية أيام، سجلت خمس هجمات إسرائيلية على الأقل ضد هذه المنظمة، التي تأسست عام 1978، بعد عملية عسكرية إسرائيلية ثقيلة في جنوب لبنان ضد منظمة التحرير الفلسطينية، بمهمة مراقبة سلوك المتحاربين وحماية السكان المدنيين. وكما هو الحال في كل مرة تتصرف فيها إسرائيل على هذا النحو، تعرب الأمم المتحدة والعديد من الدول عن انتقادات شديدة. في حين يواصل الجيش الإسرائيلي حملته: ففي 13 أكتوبر 2024، اقتحمت دبابتان تابعتان له موقعاً ليونيفيل، لكي يُظهر بوضوح عدم اكتراثه بالضغوط الدولية. وفي غزة، حتى 14 مارس/ آذار 2024، أحصت أونروا "ما لا يقل عن 165 عضواً قتلوا أثناء أداء واجبهم "منذ أكتوبر. وبعد أربعة أيام من 7 أكتوبر 2023، ذكّر الأمين العام للأمم المتحدة، البرتغالي أنطونيو غوتيريس، بأنه بموجب القانون الدولي "يجب عدم استهداف أبداً مباني الأمم المتحدة وجميع المستشفيات والمدارس والعيادات". وكأنه كان يعلم من واقع التجربة ما هي الإجراءات الانتقامية التي ستتخذها هيئة الأركان العامة الإسرائيلية. ومنذ ذلك الحين، لم تتوقف النزعات الانتقامية الإسرائيلية تجاه المنظمة أبداً.
أونروا في قلب الهجوم الإسرائيلي
وكان وزير الخارجية يسرائيل كاتس قد أعلن غوتيريس "شخصاً غير مرغوب فيه" في بلاده في 2 أكتوبر 2024. في عدة مناسبات خلال العام الماضي، طالبت إسرائيل أونروا بمغادرة الأراضي الفلسطينية المحتلة، متهمة إياها بتوفير الحماية لـ"الإرهابيين". تعد أونروا المنظمة الوحيدة التي تقدم مساعدات إنسانية دائمة والرعاية الصحية والتعليم في ما تبقى من مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية، وكذلك في لبنان وسورية والأردن. ولا يقتصر الجيش الإسرائيلي بقصف مدارسها ومستشفياتها في قطاع غزة، بل إن إسرائيل تمنع دخول الأموال المستخدمة لتمويلها وتشن حملة تشويه ضدها. وباشر البرلمان الإسرائيلي في يوليو/تموز 2024 مناقشة مشروع قانون لتصنيف أونروا "منظمة إرهابية"[2]. وفي 9 تشرين أكتوبر، ألمح كاتس أيضاً إلى إمكانية مصادرة مقر المنظمة في القدس الشرقية (قصد بناء مساكن للإسرائيليين).
وبموازاة ذلك، ودون أدنى دليل، قامت إسرائيل بدعاية نشطة تهدف إلى تصوير أونروا على أنها "وكر للإرهابيين". وفي 26 يناير/ كانون الثاني 2024، أعلن نتنياهو أن 12 موظفاً شاركوا في الهجوم الذي نفذته حماس في 7 أكتوبر. ومن قبيل "الصدفة"، جاء هذا الإعلان في اليوم نفسه الذي فتحت فيه محكمة العدل الدولية تحقيقاً بخصوص "خطر محتمل بوقوع إبادة جماعية" في غزة. وسرعان ما حققت إسرائيل أول نجاح كبير لها: في 23 مارس 2024، صوّت الكونغرس الأميركي على وقف التمويل الأميركي لأونروا حتى مارس 2025. هو موقف لم يتبعه في نهاية المطاف سوى القليل في العالم. لم تكن لادعاءات الحكومة الإسرائيلية أي تبعات قانونية، حيث لم تقدم أي دليل مقنع يدعمها، وفقاً لتقرير لجنة (وزيرة الخارجية الفرنسية السابقة كاثرين) كولونا المستقلة[3]. لكن الأمر الأساسي قد تحقق: انتشرت الشكوك حول الهيئة الأممية.
خطر تفشي الوباء، حالة نموذجية
لكن المثير للدهشة أن الحملة الإسرائيلية توقفت لبعض الوقت، وهي قضية تستحق أن تُروى، لكونها جد معبّرة. في نهاية أغسطس/آب 2024، بدأ وباء شلل الأطفال يهدد قطاع غزة. ونظراً لخطر انتشار المرض إلى الجنود في الميدان، ومن خلالهم إلى جميع السكان الإسرائيليين غير الملقحين - حيث يعود الجنود بشكل دوري إلى منازلهم في إجازة - أصبح دور أونروا، مرة أخرى، حاسماً. تفاوض الإسرائيليون مع الهيئة الأممية. وبعد شهر واحد، جرى تطعيم 560 ألف طفل فلسطيني. وقد اضطر الجيش الإسرائيلي إلى الاعتراف بأنه لولا الخدمات اللوجستية الفريدة التي تقدمها أونروا "لم يكن من الممكن تنفيذ حملة التطعيم بنجاح"، كما يوضح جوناثان أدلر، الصحافي في صحيفة "Local Call" (النداء المحلي) الإلكترونية (+972 في النسخة الدولية)[4]. تظهر الحكومة الإسرائيلية هكذا مدى ازدواجيتها المنافقة في التعاطي مع الأمور. ففي حين سمحت بمرور 1.2 مليون لقاح عبر غزة لدرء خطر تفشي الوباء، فقد واصلت تقييد دخول أدوية الطوارئ الأخرى والمياه والغذاء التي يحتاجها سكان غزة. وبمجرد احتواء خطر تفشي الوباء، عادت الحملة المناهضة لأونروا.
ونظم نائب رئيس بلدية القدس، نير بركات (الليكود)، تظاهرات دائمة أمام مقر أونروا للضغط عليها للانتقال إلى العاصمة الأردنية عمّان. وفي يوليو 2024، تم التصويت في قراءة أولى في الكنيست (البرلمان) على مشروعي قانونين: أحدهما لقطع علاقات أي سلطة عامة إسرائيلية مع أونروا، والآخر لمنع نشاط هذه المنظمة في الأراضي الفلسطينية. كما تواصل إسرائيل حظر حساباتها في البنوك الإسرائيلية وتأشيرات دخول لموظفيها الجدد. الحصيلة: في الفترة ما بين 8 أكتوبر 2023 و27 سبتمبر 2024، تعرضت مباني أونروا – المدارس والمستشفيات والمنازل والمكاتب – لـ464 هجوماً إسرائيلياً في غزة [5]، أي أكثر من هجمة واحدة في اليوم. وقد خلفت تلك الهجمات 226 قتيلاً من بين فرقها، و563 قتيلاً من بين المدنيين الذين كانوا متواجدين فيها. وكما كتب جوناثان أدلر، فإن "الهجوم التشريعي الذي يهدف إلى إخراج أونروا من الأراضي الفلسطينية المحتلة ليس سوى تسجيل الممارسة العسكرية القائمة في القانون"[6]. ومع ذلك، فإن الجيش الإسرائيلي براغماتي أيضاً. ويوضح أدلر أن بعض كبار الضباط يشعرون بالقلق إزاء هذه القوانين. حجتهم: "إذا غادرت أونروا غزة، فإن وباءً جديداً محتملاً يمكن أن يمنع الجيش الإسرائيلي من مواصلة مطاردة حماس هناك".
عداء دولة إسرائيل للأمم المتحدة يعود إلى زمن بعيد، بل إلى أصولها تقريباً
من برنادوت إلى مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)
وعلى الرغم من وصوله اليوم إلى مستويات عليا، فإن عداء دولة إسرائيل للأمم المتحدة ولمشروعية أي انتقاد خارجي لسياساتها، وخاصة في أوقات الحرب، يعود إلى زمن بعيد، بل إلى أصولها تقريباً. قد تطول القائمة، لذا سنكتفي بالتذكير ببعض الأمثلة. في 17 سبتمبر 1948، أي بعد أربعة أشهر من إنشاء دولة إسرائيل، ومع اندلاع الحرب العربية الإسرائيلية الأولى، اغتيل الكونت السويدي فولك برنادوت، وسيط الأمم المتحدة منذ مايو 1948، في القدس. كان برنادوت يعيق الطموحات الإسرائيلية بـ"خطة سلام" لم تكن تريدها إسرائيل. وقد قُتل بالرصاص على يد أربعة رجال يرتدون الزي العسكري، ولكنهم ينتمون إلى جماعة شتيرن، وهي حركة قومية متطرفة. وكما يتذكر ذلك جان بيير فيليو، فإن هذه الجماعة المسلحة تحتل اليوم مكانة بارزة في متحف الجيش الإسرائيلي [7].
وفي وقت أقرب إلى الآن، في عام 1996، وخلال عملية ضد حزب الله، قصفت القوات الجوية الإسرائيلية معسكراً للقبعات الزرق في بلدة قانا حيث لجأ السكان، مما أسفر عن مقتل 106 مدنيين. وعلى مدى 46 عاماً، من بين كل هيئات الأمم المتحدة المماثلة، تكبدت يونيفيل أكثر الخسائر في الأرواح: سجلت إلى غاية إبريل/ نيسان مقتل 334 من أفرادها، معظمهم في غارات إسرائيلية. هناك هيئة أخرى تتعرض لضغوط دائمة من تل أبيب منذ سنوات عديدة جداً، مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية (أوتشا)، وهي الوكالة المحايدة الوحيدة التي تسجل الأعمال غير القانونية (جرائم، طرد، احتلال، تدمير، إلخ) التي ترتكب في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وحين يؤكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أنه "لا يجب أن ينسى السيد نتنياهو أن بلاده أنشئت بقرار أممي"، في إشارة إلى القرار 181 الذي يقسم فلسطين إلى دولتين، واحدة "يهودية" والأخرى "عربية"، والذي جرى تبنيه في 29 نوفمبر/ تشرين الثاني 1947، رد عليه رئيس الحكومة الإسرائيلية موبخاً: "لم يكن قرار الأمم المتحدة هو الذي أنشأ دولة إسرائيل، بل النصر الذي تحقق في حرب الاستقلال [عام 1948 ضد الفلسطينيين والدول العربية]".
عودة المحافظين الجدد
ويرافق هذا الرفض للسلطات الأممية خطاب متكرر. في اللغة العبرية، يُطلق على اختصار الأمم المتحدة عبارة "أوم". وقد اعتاد مؤسس دولة إسرائيل، ديفيد بن غوريون، أن يقول ساخراً "أوم، شموم"، والتي يمكن ترجمتها إلى "نحن لا نكترث بالأمم المتحدة". وهذا الموقف يندرج ضمن رؤية سياسية. تماماً كما هو الحال في الولايات المتحدة، حيث تتعرض الأمم المتحدة للذم من قبل قسم معلوم من الطبقة السياسية، لا سيما القوميين. ويرى هؤلاء أنه لا يمكن لأي هيئة دولية أن تجبر بلدهم على الخضوع لقانون عام يتعارض مع السياسة المختارة - وهو قانون عالمي لا يمكن أن تتبناه سوى الأمم المتحدة. وبالمثل، تنوي إسرائيل التنصل منه؛ فهي تكاد تكون عقيدة دولة، حتى لو بقيت غير معلنة.
في عام 2004، أجريتُ مقابلة مع كارمي غيلون، الرئيس السابق لجهاز الأمن الداخلي "الشين بيت". كانت قضية أبو غريب[8] قد اندلعت قبل فترة وجيزة في العراق. كان سؤالي الأول كالتالي: "في الحرب ضد الخصوم الذين يستخدمون الإرهاب، هل يمكن احترام القانون الدولي الإنساني، أم إن الانحراف عنه في منطق الأمور؟". وكان رده واضحاً: "أنا لست متخصصاً في القانون الدولي. لا يمكنني التعليق إلا بناءً على القانون الإسرائيلي" [9]. وبعبارة أخرى، فإن رئيس المصالح الخاصة يجلس على القانون الدولي ويقول ذلك. وهذا الموقف ليس خاصاً به، فهو يجسّد فلسفة لطالما تبنّاها المسؤولون الإسرائيليون: تبرير رفض الخضوع للقانون الدولي بألف طريقة ممكنة. والالتفاف عليه باسم السيادة فلسفة تنوي العديد من الأنظمة فرضها اليوم. وتعد إسرائيل رائدة في هذا المجال. الحالة الأكثر وضوحاً هي العلاقة مع "الحرب الوقائية". وقد تم إدراج رفض هذه الفكرة في نصوص الأمم المتحدة بموجب اتفاقيات جنيف المتعلقة بـ"قانون الحرب واستخدام الأسلحة لتسوية النزاعات". باسمها، على سبيل المثال، أعلن الجنرال (شارل) ديغول في عام 1967: في الصراع بين إسرائيل ومصر حول منع وصول السفن الإسرائيلية إلى البحر الأحمر، فإن أول من يطلق النار سوف ينتهك قوانين الحرب، ونتيجة لذلك، لن يحظى بدعم فرنسا. منذ عام 1949، تم تجاهل هذا الحظر على شن حرب أو عملية مسلحة "وقائية" بحكم الأمر الواقع في مناسبات عديدة من قبل القوى الكبرى والصغرى على حد سواء.
خصوصية إسرائيل هي أنها دأبت، منذ ولادتها تقريباً، على رفض الحظر المفروض على الحق في الحرب الوقائية
لكن خصوصية إسرائيل هي أنها دأبت، منذ ولادتها تقريباً، على رفض الحظر المفروض على الحقّ في الحرب الوقائية. منذ بداية سنوات 1950، كان الجنرال الإسرائيلي يغال ألون، الذي أصبح زعيماً للفصيل الأكثر تشدداً في حزب العمل الذي كان في السلطة آنذاك، يدافع عن "الحرب الوقائية". في السابق، كانت استراتيجية الجيش مبنية على ما يسمى بمفهوم "الدفاع الهجومي" (تفضيل الدفاع على الهجوم). ومنذ عام 1953، أصبحت "هجومية-دفاعية"، بحسب المصطلحات العسكرية الإسرائيلية. وهي استراتيجية "لا تزال مستمرة إلى حد كبير حتى يومنا هذا"، كما كتب الباحث الإسرائيلي أورين باراك في عام 2013. [10] بالنسبة لباراك: لقد التزمت [إسرائيل] منذ عقود، فعلياً، بسياسة خارجية تعتمد بشكل كبير على العقيدة (التي) تنص على شن ضربات وحروب استباقية ضد جيران إسرائيل في حالة وجود تهديدات وجودية قبل أن تتحقق. وأضاف أن هذه السياسة أصبحت "روتينية". وتتبنى تل أبيب بشكل منهجي حجة "التهديد الوجودي" في جميع المناسبات.
في عام 1982، عندما اجتاح الجيش الإسرائيلي لبنان لطرد قوات منظمة التحرير الفلسطينية وتغيير حكومة البلاد، أوضح رئيس الوزراء آنذاك، مناحيم بيغن، أنه كان يشن الحرب لأننا "قد قررنا أن تريبلينكا [11] جديدة لن تحدث". وبالمثل، في اليوم التالي لهجوم حماس، 7 أكتوبر 2023، تحدث بنيامين نتنياهو عن "أكبر جريمة ضد اليهود منذ المحرقة". وتعني هذه الإشارة "الوجودية" أنه يستطيع التملص من جميع تحذيرات الأمم المتحدة - التي وُصفت، كما رأينا، بأنها "معادية للسامية". لقد جرت إعادة تأهيل "الحرب الوقائية" هذه بشكل مهيب من قبل مستشارة الأمن الأميركية، كوندوليزا رايس، في الوثيقة السنوية للاستراتيجية الوطنية الأميركية في سبتمبر/ أيلول 2002. واليوم، تحكم هذه العقيدة السلوك الإسرائيلي بطريقة أكثر تطرفاً. ففي موقف تحدٍّ، تُظهر إسرائيل تصميمها على عدم احترام أي من قواعد قانون الحرب، أكثر بكثير مما فعل الأميركيون في العراق قبل عشرين عاماً. ليس معروفاً على نطاق واسع، ولكن في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، كان بنيامين نتنياهو أحد المنظرين الرئيسيين وراء صعود المحافظين الجدد في الولايات المتحدة.
1- Vincent Lemire: « Le jusqu’au-boutisme en ligne de mire », Libération, 9 octobre 2024.
2- ” تهديدات إسرائيلية شديدة على الأونروا والمساعدات المقدمة للفلسطينيين" «Lourdes menaces d’Israël sur UNRWA et l’aide aux Palestiniens», unric.org, 10 octobre 2024.
3- تقرير المراجعة المستقلة للأونروا يخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويا ويقدم توصيات في 8 مجالات https://news.un.org/ar/story/2024/04/1130261
4- Jonathan Adler: "Israel paradoxical crusade against UNRWA" , Local Call, 10 octobre 2024.
5- تقرير الأونروا رقم 140 حول الوضع في قطاع غزة والضفة الغربية، التي تشمل القدس الشرقية
6- سبق ذكره
7- جان بيير فيليو: "اغتيال إسرائيل للوسيط الأممي في فلسطين" - Jean-Pierre Filiu: « L’assassinat par Israël du médiateur de l’ONU en Palestine », Le Monde, 14 octobre 2018
8- على اسم السجن الذي قام فيه الجيش الأميركي ووكالة المخابرات المركزية بتعذيب السجناء خلال الحرب على العراق في الفترة 2003-2004.
9- Sylvain Cypel, «Carmi Gilon : La notion de pression modérée est sérieuse, pas hypocrite », Le Monde, 29 juin 2004.
10- Oren Barak, avec Amiram Oren et Assaf Shapira: « “How The Mouse Got His Roar” : The Shift to an ’Offensive-Defensive’ Military Strategy in Israel in 1953 and its Implications », The International History Review (35-2) : 356-376, avril 2013.
11- معسكر تريبلينكا هو معسكر إبادة تم بناؤه وتشغيله من قبل ألمانيا النازية في بولندا المحتلة خلال الحرب العالمية الثانية
* ينشر بالتعاون مع أوريان 21