السودان... تصدع الثقة بالبنوك لاستمرار أزمة السيولة وقلق من عزوف المودعين

11 سبتمبر 2018
المواطنون يواجهون صعوبات في صرف مدخراتهم(أشرف شاذلي/ فرانس برس)
+ الخط -

ظل محافظ بنك السودان المركزي المكلف، مساعد محمد أحمد، يتدثّر بالصمت طوال الأشهر الماضية التي تلت تكليفه بالمنصب، في يونيو/ حزيران الماضي، رغم الأزمة المتفاقمة التي تشهدها البلاد في توفر السيولة النقدية، ورغم الانتقادات المتلاحقة التي تواجهها سياسة المركزي في إدارة الأزمة وتخبطه، حسب تقدير كثيرين، في تغيير السياسيات النقدية بين الفينة والأخرى.

لكن محمد أحمد، اضطر قبل نحو ثلاثة أيام للخروج إلى العلن، لينفي أنباء تم تناقُلها بشكل واسع، في وسائل التواصل الاجتماعي، عن نية واحد من أكبر البنوك السودانية، وهو بنك الخرطوم، إعلان إفلاسه، بعد تلقيه ضربات موجعة بسبب أزمة السيولة، حسب ما ذكرت تلك الأنباء والمعلومات.

وقال المحافظ، في بيان صحافي، إن البنك المركزي سيتخذ الإجراءات القانونية اللازمة كافة، بالتنسيق مع الجهات المختصة، حيال مروّجي الشائعات التي تضر بالجهاز المصرفي والاقتصاد السوداني.

في المقابل، خرج مدير بنك الخرطوم، فادي الفقيه، الذي آثر الصمت في فترات سابقه، بما في ذلك عدم تعليقه على اعتقال نائب رئيس مجلس إدارة البنك، ضمن حملة مكافحة الفساد التي ينفذها جهاز الأمن والمخابرات، إذ قال الفقيه في تصريح صحافي، إن البنك حقق رقماً قياسياً في نتائجه المالية غير المراجعة للنصف الأول من عام 2018، مشيراً إلى ارتفاع إجمالي موجودات البنك إلى 59.3 مليار جنيه ( 2.03 مليار دولار)، بنسبة نمو 133% عن نفس الفترة من 2017.

وأشار الفقيه إلى أن إجمالي ودائع العملاء بلغ 46.6 مليار جنيه (1.59 مليار دولار)، بنسبة نمو 120% لنفس الفترة من العام السابق، فيما بلغ صافي التمويل المقدّم من البنك نحو 23.8 مليار جنيه.

ويعدّ بنك الخرطوم أكبر مجموعة مصرفية في السودان من حيث رأس المال، بعد اندماجه مع بنك الإمارات والسودان في عام 2008، ووصلت قيمة حقوق المساهمين في البنك حتى ديسمبر/ كانون الأول 2015 إلى ملياري دولار، طبقاً لموقع البنك على الإنترنت.

وأعادت شائعة إفلاس بنك الخرطوم، ونفي البنك المركزي لها، النقاش من جديد والقلق في نفس الوقت، حول المخاطر التي قد تواجهها البنوك إذا استمرت أزمة السيولة، التي أطلت برأسها بداية من مطلع العام الحالي، وتحديداً في فبراير/ شباط الماضي.

وعمدت الحكومة إلى تجفيف الكتلة النقدية، للحد من التعامل بالنقد الأجنبي خارج النطاق المصرفي، ووقف المضاربات في الدولار، بالإضافة إلى الحد من تهريب الذهب وبيعه بعيداً عن الأطر المصرفية، وكلها عوامل أدّت مع نهاية العام الماضي وبداية العام الحالي إلى تدنٍّ كبير في قيمة الجنيه السوداني مقابل العملات الأجنبية، خاصة الدولار، كما أدّت إلى عدم الاستفادة من عائد صادرات الذهب الذي أرادت الحكومة الاعتماد عليه، بديلاً للإيرادات النفطية التي فقدتها بانفصال الجنوب في 2011، وفق محللين.

واعتمدت سياسة تحجيم السيولة التي مضت عليها حتى الآن 7 أشهر، على تحديد سقوف لعملاء البنوك للسحب من أرصدتهم، وهو ما أثار استياء بالغاً وسط العملاء الذين أحجمت غالبيتهم بعد ذلك عن إيداع أموالها في البنوك، ويُقابل تلك السياسة تشديد من البنك المركزي على العملاء على استخدام أدوات الدفع الإلكتروني كبديل لاستخدام النقود.

كذلك أثارت تلك السياسات حفيظة حتى رجال الدين، إذ دعا مؤخراً رئيس هيئة علماء السودان، محمد عثمان صالح، البنك المركزي إلى توفير السيولة في البنوك والمصارف والصرافات الآلية للمودعين في الحسابات الجارية، قائلاً إن "الحسابات الجارية تعتبر أمانات لدى البنوك، وأن عدم الوفاء بالأمانة وأدائها إلى أهلها حرام شرعاً، خاصة أن المودعين في هذه الحسابات قد تضرروا في معاشهم وقضاء حوائجهم بسبب هذه السياسات".

وفي المقابل، يحذر خبراء اقتصاد ومحللون ماليون من آثار أزمة السيولة على قطاع المصارف، خاصة بعد أن فقد العملاء ثقتهم بالبنوك التي باتت غير قادرة على تلبية طلباتهم بسحب ودائعهم.

ويقول الخبير الاقتصادي خالد التيجاني، إن الأزمة ضربت في مقتل عامل الثقة بين البنوك والعملاء، ولأجل ذلك تحتاج البنوك إلى زمن طويل جداً لإعادة الثقة، حسب تقديره، مشيراً إلى أن البنوك أصبحت غير قادرة على التصرف في نسبة الـ 18% من الودائع، بسبب السياسات المالية والنقدية للمركزي.

وحمّل التيجاني، في حديثه لـ"العربي الجديد"، مسؤولية الأزمة لبنك السودان المركزي، الذي اتخذ في نهاية العام الماضي قراراً زاد بموجبه الكتلة النقدية بنسبة 68% في البلاد، بعد احتكاره عمليات شراء وبيع وتصدير الذهب، مشيراً إلى أن ذلك القرار هو الذي قاد إلى التضخم الحاصل وأدى إلى مضاربات واسعة في الدولار، ما أدى إلى هبوط الجنيه السوداني لأدنى مستوى له.

وأضاف أن بنك السودان وقع في خطأ آخر بتحوله من وظيفة مراقبة ومحاسبة البنوك والمصارف إلى تاجر يقوم ببيع وشراء الذهب والوقود والسلع المدعومة كافة، مبيّناً أن أزمة السيولة ما هي إلا أعراض وآثار لأزمة سياسية أكبر بدأت بانفصال الجنوب وضياع الإيرادات البترولية.

وحسب التيجاني، فإن الحل يكمن في إعادة هيكلة الدولة وتقليل حجم الإنفاق وتحديد الأولويات ومكافحة تجنيب الأموال مع إصلاح سياسي شامل.

كذلك اعتبر كمال بولاد، المصرفي السابق، أن أزمة السيولة الحالية وطرق معالجتها الحالية، إن مضت بهذه الوتيرة، ستؤدّي إلى انهيار النظرية المصرفية في السودان القائمة على ركيزة ودائع العملاء وضمان استثمار تلك الودائع، مع ضمان العمل المصرفي من خلال البنك المركزي.

وأضاف بولاد لـ"العربي الجديد" أن كل السياسيات التي اتخذها بنك السودان برفع سعر الدولار الجمركي من 6 جنيهات إلى 18 جنيهاً وقراره بامتصاص الكتلة النقدية وغيرها من قرارات سيكون لها أثر طويل المدى على المصارف والاقتصاد ككل، خاصة على الميزان التجاري الذي وصل العجز فيه إلى 5 مليارات دولار .

لكن عبد القادر محمد أحمد، مدير صندوق ضمان الودائع المصرفية، يقلّل، في حديثه لـ"العربي الجديد"، من الحديث عن المخاطر التي تواجه البنوك السودانية في ظل الأزمة الحالية، مستبعداً إفلاس أي بنك في الوقت الراهن، ولا على المدى البعيد.

وقال أحمد إن الدولة لن تسمح مطلقاً بانهيار بنك، مشيراً إلى أن كل المؤشرات والأرقام التي لديهم في صندوق ضمان الودائع لا تضع احتمالاً من ذلك القبيل.

كذلك قال مجذوب جلي، الأمين العام لاتحاد المصارف، لـ"العربي الجديد"، إن كل البنوك والمصارف السودانية قادرة تماماً على الإيفاء بالتزاماتها كافة، وأنها تواصل كل معاملاتها التجارية بصورة اعتيادية.

وأشار جلي إلى أن بنك السودان يعمل على حل مشكل السيولة جذرياً بنهاية العام الحالي، من خلال إيقاف التعامل بالنقود نهائياً، واللجوء مباشرة إلى وسائل الدفع الإلكتروني كما يحدث في كثير من البلدان، لافتاً إلى أن التجربة خلال أزمة السيولة أثبتت نجاحها تماماً.


المساهمون