السودان: تصاعد طموحات كسر الأزمات المعيشية

19 اغسطس 2019
السودانيون يأملون في تراجع موجة الغلاء(أشرف شاذلي/ فرانس برس)
+ الخط -
عقب التوقيع النهائي على الوثيقة الدستورية، أول من أمس، ارتفعت طموحات الشعب السوداني بالدخول في منحى جديد ربما يتحقق من خلاله واقع اقتصادي أفضل، وسط أزمات معيشية خانقة تفاقمت، خلال الشهور الأخيرة.
وترى الأوساط الاقتصادية أن الاتفاق النهائي خطوة في الطريق الصحيح لتجاوز العديد من العقبات، أبرزها غلاء السلع والخدمات وأزمة السيولة وتفاقم المشاكل الحياتية، في ظل تصاعد الآمال باستغلال، الفترة الانتقالية، البالغة نحو 3 سنوات، لوضع وتنفيذ خطة إنقاذ شاملة للاقتصاد.

ويترقب الشارع انعكاس الاستقرار السياسي والأمني المرتقب على مختلف القطاعات الإنتاجية والمجالات الخدمية.
وكان التدهور الاقتصادي وتفاقم الأزمات المعيشية أبرز أسباب اندلاع الاحتجاجات الشعبية الساخطة منذ عدة شهور، والتي أطاحت بالرئيس السابق عمر البشير.

وفي هذا السياق، يقول الاقتصادي محمد الناير لـ"العربي الجديد" إن السودان قد وضع نفسه في الطريق الصحيح، بعد مفاوضات استمرت أربعة أشهر تعطل خلالها مسار الإصلاح الاقتصادي، موضحا أن هذا الملف المهم لن يتحرك نحو الأفضل إلا بعد استكمال خطوات سياسية أخرى وهي تشكيل المجلس السيادي، والمتوقع أن يتم الانتهاء منه خلال يومين بعد توقيع الوثيقة، ومن ثم تسمية رئيس الوزراء بشكل نهائي وتشكيل الحكومة الجديدة.
وأضاف أن أي عمل في المجال الاقتصادي لن يتم إلا مطلع سبتمبر/ أيلول المقبل، بعد عقد أول اجتماع بين المجلس السيادي وحكومة الكفاءات.

وأشار الناير إلى أن المواطن السوداني صبر وتحمل كثيرا وتعرض، خلال الفترة الماضية، لأسوأ أنواع الاستغلال وذلك بزيادة أسعار السلع والخدمات بصورة غير مسبوقة، وعانى مما يعرف بفوضى الأسعار نتيجة عدم وجود حكومة أو جهة رسمية تضبط الأسواق والخدمات، ومنها انقطاع التيار الكهربائي ومياه الشرب وظروف الأمطار والسيول في بعض المناطق.

وأكد وجود إيجابيات تنتظر المرحلة المقبلة، أولها التحسن الذي سيطرأ على علاقات السودان الخارجية، بعد تكوين حكومة مدنية وكفاءات تبدأ مسيرتها بالنظر في مجمل السياسات الاقتصادية بشقيها المالي والنقدي، وربما يتم إعادة النظر في المتبقي من موازنة العام الحالي 2019 (4 أشهر) وكذلك مراجعة كل السياسات المنفذة خلال الفترة الماضية.
وكان البرلمان السوداني، أقر في نهاية شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي، موازنة العام المالي 2019، بجملة إيرادات 162.8 مليار جنيه (3.4 مليارات دولار) ونفقات تقدر بنحو 194 ملياراً و760 مليون جنيه (4.1 مليارات دولار)، متوقعاً عجزا بنسبة 3.3 بالمائة من الناتج المحلي، مقارنة مع 3.7 بالمائة للعام الماضي.

وتوقع الناير أن "يبدأ العمل في المسارين المالي والنقدي في وقت واحد، فهناك أشياء يتم معالجتها على المديين القصير والمتوسط وأخرى على المدى البعيد، مطالبا ببدء معالجة أزمة السيولة وإعادة الثقة في المصارف وعملائها، وتطبيق منظومة الدفع الإلكتروني لتقليل التعامل بالنقد والاستفادة من ثروة الذهب، إذ تم تصديره بكميات قليلة جدا خلال الستة أشهر الأولى من العام الحالي، مقارنة بالكميات المنتجة.
ويرى أن من أولويات الحكومة المقبلة الجلوس مع المغتربين ومعرفة الحوافز التي تشجعهم على تحويل أموالهم عبر القنوات الرسمية، وإزالة العقبات أمام الصادرات غير البترولية لمعالجة قضية النقد الأجنبي كقضية أساسية تؤدي لاستقرار سعر الصرف وخفض معدل التضخم. وطالب بالقضاء على الفساد واسترداد المال العام.

وتفاقمت عمليات الفساد في السودان خلال عهد البشير، وكانت آخر قضية فساد تم الكشف عنها منذ أيام، انهيار طريق "أم درمان - الأبيض" الرابط بين العاصمة الخرطوم وولايات غرب السودان، بعد مرور ستة أشهر فقط على افتتاحه إثر انجراف تسبب فيه هطول أمطار غزيرة. 
أستاذ الاقتصاد محمد الجاك قال لـ"العربي الجديد" إنه في الثلاثين عاما السابقة كانت كل السياسات الاقتصادية خاطئة ومتخبطة، مؤكداً على مجموعة من المتطلبات للمرحلة الانتقالية القادمة التي تحتاج للكثير، لا سيما فيما يتعلق بمراجعة وإعادة النظر في السياسات الاقتصادية التي كانت سائدة.

وأوضح أن تجربة التحرير الاقتصادي بالسودان أثبتت فشلا كبيرا وأدت إلى كثير من الأزمات الاقتصادية والمعيشية، مشيرا إلى غياب دور الدولة في النشاط الاقتصادي واختفاء الدور الرقابي، بالإضافة إلى التدخل المباشر في السوق.
ويقول: إذا كان الغرض تحقيق معدلات نمو معقولة في الفترة القادمة، فالأمر يتطلب التوجه لدعم السياسات الإنتاجية للقطاعات الاقتصادية الحقيقية (الصناعة والزراعة بشقيها النباتي والحيواني)، مشددا على أهمية التركيز على قطاع الصادر لتوفير عملات حرة وبناء احتياطي من النقد الأجنبي لتحسين سعر الصرف، والاستفادة من مساعدات المؤسسات المانحة (البنك وصندوق النقد الدوليان).

وأكد على ضرورة الاهتمام بقطاع الصادر خلال الفترة الانتقالية، مبينا أن ما يحدث في قطاع الثروة الحيوانية عبارة عن سمسرة لجهة وجود أفراد ليست لهم علاقة بالصادر يقومون بتصديقات وبيع ورق، ما يجعل الاهتمام بقطاع الصادر من الأولويات والمراجعة لمواجهة مشكلة النقد الأجنبي.
وطالب الجاك بضرورة مراجعة السياسات الاقتصادية التي سادت الفترة الماضية، سيما الضريبية والمالية التي نتج عنها التهرب الضريبي والإعفاءات، ما أدى إلى أن تكون الحصيلة الضريبية بالسودان أقل من 3%.

وقال: لا بد أن تتجه السياسات القادمة نحو تقليل الإنفاق الحكومي، وأن تضخ الأموال إلى القطاعات والنشاطات الإنتاجية.
واعتبر الاقتصادي عبد العظيم المهل في حديثه لـ"العربي الجديد" الاتفاق النهائي على الإعلان الدستوري نقطة تحول، قائلا: لا يجب أن ينحصر فقط بالحكومة الانتقالية، وإنما من الضروري أن يشمل المواطن بأن يتحول من السلبية للإيجابية والإنتاجية، وترك الخلافات والضغائن والتركيز على الفعل.

وأضاف المهل: يمكن خلال الثلاث سنوات الانتقالية حل كثير من المشاكل الاقتصادية، عبر الاقتداء بتجارب الآخرين، ومنها تجربة إثيوبيا بزراعة 359 مليون شجرة مثمرة في موسم واحد، مؤكدا في حال استطاع السودان زراعة 220 مليون شجرة في يوم واحد يحقق صادرا قيمته 28 مليار دولار، والتي تعتبر ثلاثة أضعاف واردات البلد.

وحسب المهل فإن من السهل خلال الفترة الانتقالية أن تصل صادراتنا إلى 100 مليار دولار، قائلا إن قوى الحرية والتغيير لديها القدرة على حشد المواطنين في أرجاء السودان، بالتالي يمكن أن يستفيد من هذه الخاصية في تحريك المواطن إلى الإنتاج.

وطالب المهل بمكافحة وإغلاق كل منافذ الفساد، مضيفا أن الفساد لم ينته بذهاب النظام البائد، بل موجود في كل الأحزاب والكثير من المؤسسات.
ومن جانبه، أكد الخبير المصرفي عصام الزين أن الجهاز المصرفي شريان الاقتصاد السوداني لجهة أن كل العمليات الخاصة بالأموال من "ودائع، ادخار استثمار، تمويل وقروض ومنح" معني بها الجهاز المصرفي بجانب العمليات التجارية من استيراد وتصدير، فضلا عن عرض النقود والطباعة وإصدار النقود من مسؤوليات ومهام البنك المركزي.

وأكد أن البنك المركزي في الآونة الأخيرة لم يلتزم بمعادلة طباعة النقود المبنية على زيادة إجمالي الإنتاج المحلي، في ظل عدم وجود زيادة في الاحتياطي من العملات الأجنبية.
وقال الزين: إذا كان الناتج الإجمالي المحلي 10% يجب الالتزام بزيادة عرض النقود في ذات النسبة 10%، مؤكدا على عشوائية طباعة النقود وتخبطها طيلة المرحلة الماضية، ما أثر بشكل كبير على معدلات التضخم.

وأرجع الأسباب الرئيسية وراء ارتفاع الأسعار إلى سياسات بنك السودان المركزي التي وصفها بغير السليمة.
المساهمون