السلطة تفكر وتستعين بمؤمن

09 مايو 2015
+ الخط -

بعد فشل قنابل إبراهيم عيسى وبمب إسلام البحيري، بعدما أحسّت السلطة في مصر بأن النتائج عكسية، خصوصاً بعدما استنكر المجتمع عامة هذا (التحرش) بالأزهر، على حد تعبير الشيخ ناجح إبراهيم، الرجل ليّن العريكة مع كل المخالفين، وحليف "30 يونيو" فقهاَ وحديثا، عملا بما سلكه الحسن بن علي أمام معاوية.

زادت الدعوات وزادت القنابل واتسع القوس، خصوصاً حينما تحولت الدعوات إلى مراهقات صبيانية، مثل خلع الحجاب في ميدان التحرير وغيرها. هنا، أدركت السلطة أنها تورطت، فيما كان الأجدر ألا تخوض فيه أصلا، خصوصاً أن غلبة أبناء العسكرية المصرية هم من أبناء الأسر المحافظة، في المدن والأرياف. والجندية المصرية، في عمومها، أقرب ما تكون إلى مؤسسة تراتبية بطريركية، كالكنيسة الأرثوذكسية تماماً، مؤمنة بالسائد والمتعارف عليه اجتماعياً من غير فلسفة أو تأويل. ولذا، لم يؤمنا بالثورة من أول يوم، حتى على أيام شنودة، فدعا كل المسيحيين إلى الجلوس في منازلهم، والاكتفاء بالصلاة، وفيما بعد، على أيام تواضروس، اتّحدا على قتلها.

فكيف تجدد مؤسسة السلطة خطابها، بعدما فشلت في مسعاها الأول، خصوصاً أن السيسي يريد دائما أن يُرضي الغرب، بأننا نجدد في خطابنا، كي يسهم، على حد زعمه، في محاصرة الإرهاب.

تبقى مشكلة الشباب، وكيفية دمجهم، خصوصاً بقايا الثوريين، بعدما شذّب الأمن أظافر المعتدلين منهم خارج السجون، وحبس القيادات المحركة سنوات في أحكام قضائية. كيف السبيل إلى احتواء هؤلاء في المشهد، ولو صوريا كما كان يفعل حسني مبارك في الحزب الوطني؟

المهم أن السلطة تفكر، وكان من ثمرات تفكيرها أنها أزاحت، في سابقة غير معهودة، محمد سلماوي من رئاسة اتحاد الكتاب، واستبدلته باثنين من الشباب الكبير نسبيا، علاء عبدالهادي رئيسا وجمال التلاوي نائبا، محاولة للتجميل، ليؤمن الشباب بأن هناك ذلك التغيير القادم، وتعود إليهم الثقة. ثم توالت الدعوات لترميم ما تم، فأطلقت (البداية) لزياد العليمي، على غرار (تمرد)، فضحك الناس، ومتى كان العليمي بعيداً، وهو ابن "30 يونيو". بعدها، عرفنا أن الأجهزة الأمنية وراء ذلك، ثم (تيار الشركة) لشادي الغزالي حرب، بخ بخ.. ذلك الذي حرس خيام البلطجية في ميدان التحرير ستة شهور، كي يتم الوقت المناسب لإزاحة محمد مرسي. والغريب أن الأجهزة الأمنية كانت تتفاوض معه، وهو يرفض، إلى أن أزيح مرسي، فلم يعد (شادي) ثانية إلى ميدان التحرير. ثم اختتمها النظام بالحزب العلماني المصري، ومتحدثه مؤمن المحمدي، وبدأوا بفزورة (الملحدين) ثانية، وإعادة دمجهم، بعدما كان النظام قد أغلق لهم المقهى، بل وأغلقت كل مقاهي البورصة كاملة، وكأنهم يقولون للشباب إن المقهى أُغلق، والحزب مفتوح لكم للمراقبة، بدلا من أن نراقبكم في المقهى، ونكلف السلطة الكثير من المخبرين والنفقات، فالأعداد كثيرة، والشباب أغلبه نشيط. ولم تجد مراكز ساويرس وأحزابه ومنشطاته ولا جاليريهاته ولا جوائزه في احتواء هذا الكمّ الهائل من الشباب العاطل، خصوصاً بعدما ضيّقوا على مراكز المجتمع المدني ومراكز حقوق الإنسان. فما العمل إلا حزب يضم هؤلاء الذين يظنون أنهم من المارقين، دعوى برّاقة للاحتواء، تكذب تارة وتثبت من طرف خفي تارة أخرى، وهي بمثابة فخ للاحتواء داخل مقر حزبي فقط. إذن، منطقي أن تكون آخر أخبار تلك السلطة التي تفكر وتفكر، واختارت (مؤمنا محمديا) من جنود 30 يونيو بامتياز، ومعد برامج توك شو لا يشق له غبار، ليكون متحدثها الرسمي ومنظّرها الفكري، لاحتواء شباب الثورة وشاباتها في شوارع البورصة، كدعوة حسام بدراوي، خامس أيام الثورة، بتأسيس حزب رائع للشباب، بديلا عن الحزب الوطني، ورائع، أيضاً أن يحدث ذلك في مصر، الآن، في هذا المناخ التي اختلطت كوميدياته بمأساته، قبل أن تُلقي سلطات النظام على رجل ارتدى نقاباً لمقابلة فتاة تزوجها عرفيا في بنها العسل.